رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرضاوي في حوار مثير مع توماس فريدمان
نشر في التجديد يوم 03 - 11 - 2002

لم يكن لقاء عاديا بين أكبر مفكر إسلامي وفقيه معاصر، وبين أشهر صحفي مدافع عن إسرائيل مؤيد لمسيرة السلام ، إنه اللقاء الذي تم بين فضيلة د يوسف القرضاوي وتوماس فريدمان في بيت الأول بالدوحة وقت انعقاد مؤتمر الحوار الإسلامي الأميركي قبل أيام...
في هذا اللقاء أبان فضيلة د . القرضاوي أن إدراج أميركا للإسلام باعتباره العدو البديل للاتحاد السوفييتي خطأ ونظرة قاصرة لجوهر الإسلام ولأمته ، وقال ان السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة على مستوى العالم أورثها كراهية ليس في الوطن العربي والإسلامي وحسب بل في العالم بأسره. ودعا د. يوسف أميركا إلى فتح باب حوار مع العالم الإسلامي على أساس يكون حوارا حقيقيا بناء متوازنا لا يفرض إرادة ولا قرارا.
و تمنى ألا تعتبر أميركا الإسلام هو العدو البديل والخطر الجديد بعد الاتحاد السوفييتي، قائلا أن الإسلام ليس خطرا إلا على الإباحية والإلحاد وعلى الظلم والاستبداد وعلى الشر والفساد... وإلى نص اللقاء

في البدء عبر د. القرضاوي عن ترحيبه بلقاء فريدمان مرتين: في الدوحة أولا وفي بيته ثانيا، وحرص على أن يصافح كل من رافق ضيفه الأميركي اليهودي مقدما صورة الإسلام الحقيقة في الحفاوة بالضيف، وزاد الأمر فصاحة أن عبر د. القرضاوي عن أنه نصح من كثيرين بألا يلقى فريدمان، فهو حسب قولهم يوقع الآخرين في مطبات ولا يصل إلى حقيقة، حينها عبر فريدمان عن تلقيه تحذيرا مماثلا.. ثم بدأ الشيخ القرضاوي الحديث عن فضيلة الحوار:
الحوار البناء والإيجابي
نحن المسلمين مأمورون دينا بالحوار مع الآخر، فهو جزء من منهج الدعوة إلى الإسلام الذي أمر الله به محمد صلى الله عليه وسلم، وكل مسلم من بعده كما قال تعالى : ) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن( .
وفي هذه الآية اكتفى النص القرآني في الموعظة أن تكون حسنة، ولم يرض في الجدال إلا أن يكون ( بالتي هي أحسن ) لأن الموعظة تكون مع الموافقين، والجدال يكون مع المخالفين، فلا بد أن يخاطبوا بأرق الألفاظ، وأرفق الأساليب، إيناسا لهم، وتقربا بينهم وبين المسلمين.
ومن نظر إلى القرآن الكريم وجده كتاب حوار من الطراز الأول: حوار بين رسل الله وأقوامهم، كما نرى في حوار نوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح وشعيب وغيرهم.
وحوار بين الله وخلقه، فقد حاور الله جل جلاله الملائكة حين أراد أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام.
بل ذكر لنا القرآن الحوار بين الله الكبير المتعال وبين شر خلقه إبليس، وهو حوار طويل، ذكر في عدة سور في القرآن الكريم .
لهذا نرحب بالحوار البناء والإيجابي، مادام يريد البحث عن الحقيقة، ولا يريد فرض مفاهيم معينة، أو فلسفة معينة، أو سياسة معينة علينا.
وقد علمنا القرآن سياسة الحوار حين قال: ) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن .إلا الذين ظلموا منهم . وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون( .
فنحن مأمورون بحوار أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالطريقة التي هي أحسن الطرق وأقربها، إلا الذين ظلموا منهم وتجاوزا حدودهم معنا، فلا حوار بيننا وبينهم، أما الآخر وهم ومحاوروهم وتذكر القواسم المشتركة، ونقاط الاتفاق بيننا وبينهم، لا نقاط التمايز والاختلاف.
ولهذا قال: ) وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم . وإلهنا وإلهكم واحد( فذكر نقاط الاتفاق يقرب بين الطرفين المتحاورين.
الفرق بين الإرهاب والعنف
أما عن الموفق من الإرهاب فقد قال د. القرضاوي:
إننا ندين الإرهاب بكل صوره، مهما كانت دوافعه ومنطلقاته خيرة في نظر أصحابه . فرأيي أن الإسلام يرفض الفلسفة التي تقول : الغاية تبرر الوسيلة. فالإسلام يلتزم ويلزم بشرف الغاية وطهر الوسيلة معا، ولا يجيز بحال الوصول إلى الغايات الشريفة بطرق غير نظيفة، لا يجيز للمسلم أن يأخذ الرشوة مثلا، أو يختلس المال، ليبني به مسجدا أو يقيم به مشروعا خيريا ) إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا (.
ونحن كما ندين الإرهاب : ندين العنف وننكره باسم الشرع . ولكن ما العنف الذي ننكره؟ وما الإرهاب ؟ وما الفرق بينهما ؟ إن تحديد المفاهيم هنا ( ضرورة عملية ) حتى لا تبقى هذه الكلمات الخطيرة مائعة ورجراجة يفسرها كل فريق بما يحلو له .
وأضاف متحدثا عن العنف : أن تستخدم فئة القوة المادية في غير موضعها، وتستخدمها بغير ضابط من خلق أو شرع أو قانون. ومعنى ( في غير موضعها ): أن تستخدم حيث يمكن أن تستخدم الحجة أو الإقناع بالكلمة والدعوة والحوار بالتي هي أحسن، وهي حين تستخدم القوة لا تبالي من تقتل من الناس، ولا تسأل نفسها: أيجوز قتلهم أم لا ؟ وهي تعطي نفسها سلطة المفتي والقاضي والشرطي.
هذا هو العنف، أما الإرهاب فهو: أن تستخدم العنف فيمن ليس بينك وبينه قضية، وإنما هو وسيلة لإرهاب الآخرين وإيذائهم بوجه من الوجوه، وإجبارهم على أن يخضعوا لمطالبك، وإن كانت عادلة في رأيك .
ويدخل في ذلك: خطف الطائرات، فليس بين الخاطف وركاب الطائرة – عادة – أية قضية، ولا خلاف بنيه وبينهم، إنما يتخذهم وسيلة للضغط على جهة معينة، مثل: حكومة الطائرة المخطوفة، أو حكومة الركاب المخطوفين لتحقيق مطالب له: كإطلاق مساجين أو دفع فدية، أو نحو ذلك، وإلا قتلوا من قتلوا من ركاب الطائرة، أو فجروها بمن فيها.
كما يدخل في ذلك: احتاز رهائن لديه، لا يعرفهم ولا يعرفونه، ولكن يتخذهم وسيلة ضغط: لتحقيق مطالبه أو يقتل منهم من يقتل، كما تفعل جماعة أبو سياف في جنوب الفليبين وغيرهم من الجماعات المماثلة.
ومن ذلك: قتل السياح في مصر، كما في مذبحة الأقصر، لضرب الاقتصاد المصري للضغط على الحكومة المصرية.
ويدخل في هذا: ما حدث في جزيرة ( بالي) في إندونيسيا منذ أيام، فليس هناك مشكلة بين الذين ارتكبوا هذه الجريمة وهؤلاء السياح.
حب الناس للقرضاوي
ثم سأل فريدمان د. القرضاوي: إنك أكثر الشيوخ شعبية، إنك شيخ روحاني، لماذا يحبك الناس؟
أجاب د. القرضاوي: حب الناس نعمة من الله، وليس للإنسان صنع فيها، لكن ربما كان حب الناس هذا ناشئا لأميرن الأول هو الصدق: أقول ما أراه حقا، ربما لا يعجب ما أقول بعض الناس مثل الحكام الأميركان لكني أقول ما أراه حقا، وألقى الله على ما أنا عليه .. الأمر الثاني هو أنني أتبنى تيارا في الدعوة والفكر هو تيار الوسطية والاعتدال: هناك غلاة متطرفون متشددون، يقابلهم متسيبون، مضيعون، أحاول أن أكون في المنهج الوسط بين الإفراط والتفريط، ربما كان هذا أحب للناس .
أحداث 11 سبتمبر
سأل فريدمان: ماذا قلت للناس بعد أحداث سبتمبر؟
رد د.القرضاوي: في اليوم التالي (12) سبتمبر أصدرت بيانا نشر في إسلام أون لاين، ونشر في الصحف القطرية والمصرية والعربية في يوم (13) سبتمبر، أدنت في هذا البيان أحداث سبتمبر وفاعليه أيا كان دينهم ووطنهم وجنسيتهم.. إنها أحداث لا تقبل شرعا، وهي مرفوضة في ميزان الإسلام .
إنني أدنت ما حدث في 11 سبتمبر 2..1 في نيويورك وواشنطن، من اختطاف الطائرات المدنية بركابها من المدنيين الذين ليس بينهم وبين خاطفيها مشكلة أو نزاع، واستخدامها (آلة هجوم) وتفجيرها بمن فيها، للضغط والتأثير على السياسة الأميركية.
وكذلك ضرب المدنيين الأبرياء في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وهم أناس ليس بينهم وبين ضاربي البرجين مشكلة، ولا علاقة لهم بصنع القرار السياسي، وكلهم موظفون عاديون يؤدون عملهم اليومي الذي يعيشون منه، ومنهم مسلمون وغيرهم.
وإذا كنا ندين العنف بصفة عامة، فنحن ندين الإرهاب بصفة خاصة، لما فيه من اعتداء على أناس ليس لهم أدنى ذنب يؤاخذون به ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ولما فيه من ترويع الابرياء الآمنين، وترويعهم في نظر الإسلام ظلم عظيم.
وقد أصدرت فتوى منذ بضعة عشر عاما: بتحريم خطف الطائرات، وذلك بعد حادثة خطف الطائرة الكويتية، وبقاء ركابها فيها محبوسون: ستة عشر يوما، كما قتلوا واحدا أو اثنين من ركابها. كما أفتيت بتحريم حجز الرهائن والتهديد بقتلهم، إنكارا على ما اقترفته جماعة (أبو سياف). وأيضا أدنت الإرهاب بوضوح في خطبي، ومحاضراتي، ومقالاتي، وكتب وبرامجي التليفزيونية ومن ذلك: ما ذكرته في كلمتي التي ألقيتها في مؤتمر القمة الإسلامية المسيحية الذي عقد في روما في أكتوبر 2..1.
فرق في الهدف والوسيلة
قال د. القرضاوي: اتهمني بعض الصحفيين الأميركيين بأنني بما أنني أجيز العمليات الاستشهادية في فلسطين، ولذلك فإنني أجيز العمليات الهجومية في سبتمبر.. قلت: هناك فرق في الهدف.
الفلسطيني الذي يفجر نفسه هو شخص يدافع عن وطنه، عدوا محتلا إنه هدف مشروع، بخلاف الذي ذهب من أرضه ليضرب هدفا ليس بينه وبينه معركة، إن الهدف مختلف .
فهدف ضرب الأبراج في أحداث سبتمبر غير مشروع.. كما أن الوسيلة تختلف، فالوسلية في العمليات الاستشهادية هي واحد يضحي بنفسه من أجل الدفاع عن وطنه، يصيب عدوه المحتل لأرضه قدر ما يصيب بخلاف الوسيلة في أحداث سبتمبر: فقد اتخذت الطائرات المدنية بركابها المدنيين وسيلة قذف، صاروخا موجها، يضحي بهؤلاء المدنيين فهي وسيلة غير مشروعة .
ففي العمليات الاستشهادية في فلسطين اتفق جمهور علماء المسلمين في المشرق والمغرب على شرعية هذه العمليات التي نسميها بحق (استشهادية) ويسميها الصهاينة ومن والاهم (انتحارية).
وتسمية هذه العمليات (انتحارية) تسمية خاطئة ومضللة، فهي عمليات فدائية بطولية استشهادية. وهي أبعدما تكون عن الانتحار، ومن يقوم بها أبعد مايكون عن نفسية المنتحر.
إن المنتحر يقتل نفسه من أجل نفسه، وهذا يقدم نفسه ضحية من أجل دينه وأمته، والمنتحر إنسان يائس من نفسه ومن روح الله. وهذا المجاهد إنسان كله أمل في روح الله تعالى ورحمته .
مآخذي على السياسة الأميركية
ولقد سألني كاتب في سويسرا سؤالا صريحا يقول: ما هي مآخذك على السياسة الأميركية؟
وأود أن أقول: إنه في أثناء الصراع بين المعسكرين: الغربي والشرقي، أو الرأسمالي والشيوعي، كان الاتجاه الإسلامي أميل إلى المعسكر الغربي – على مظالمه- من المعسكر الشرقي، لأن المعسكر الغربي محسوب على المسيحية، وهي دين سماوي في الأصل، والمسيحيون أهل كتاب في نظر المسلمين، في حين أن المعسكر الشرقي محسوب على الإلحاد والمادية، وإنكار الألوهية والوحي.
والصراع بين الفريقين أشبه بما كان من صراع بين الروم – وهم نصارى أهل كتاب – والفرس – وهم مجوس يعبدون النار- في فجر الإسلام، وكان المشركون مع الفرس، والمسلمون مع الروم، وقد تجادلوا وتراهنوا حول مستقبل الفريقين. ونزلت آيات القرآن في سورة الروم تنتصر للروم ضد الفرس، وتبشر بانتصار الروم عن قريب، وتقول: ﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله﴾.
أما اليوم فآخذ على السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تحيزها الكامل بل تأييدها المطلق للسياسة الإسرائيلية، ووقوفها إلى جانب الإرهاب الصهيوني، فهي تقف بجانب إسرائيل وتمدها وتؤيدها: بالمال الأميركي، والسلاح الأميركي، والفيتو الأميركي، حتى آخر فيتو أميركي كان ضد إرسال مراقبين دوليين يساهمون في تهدئة المنطقة. حتى هذا رفضته أميركا، لتنفذ إسرائيل ما تريد.
كما آخذ على السياسة الأميركية غرورها بقوتها العسكرية والاقتصادية والعملية، ومحاولة أن تفرض رأيها وسياستها على الناس، بمنطق القوة، لا بقوة المنطق.
الإسلام ليس عدوا لأميركا
وآخذ عليها كذلك أن فلاسفة الفكر السياسي عندها رشحوا لها الإسلام (عدوا) جديدا، بديلا للاتحاد السوفييتي الذي سماه ريجان (دولة الشر) وأخذوا يخوفون من (الخطر الأخضر) المنتظر، يعنون به (الخطر الإسلامي) بعد أن سقط (الخطر الأحمر) وحدث التقارب مع (الخطر الأصفر)، في حين تعاون المسلمون معها في محاربة السوفييت في أفغانستان، وذهب كثير من أبناء المسلمين إلى مستشفياتها ليعالجوا فيها، وهاجر كثير من أبناء المسلمين إليها، وكثير من نوابغهم استقروا فيها.
إن اعتبار أميركا الإسلام هو العدو البديل للاتحاد السوفييتي: يمثل نظرة خاطئة في جوهرها للإسلام، وأمته وموفقه من أهل الكتاب عامة ومن النصارة خاصة، ولهذا وقف بعض الأساتذة النابهين من العقلاء والمنصفين ضد هذه الحملة، واعتبروا الخطر الإسلامي وهما لا حقيقة، منهم البروفيسور إسبوزيتو، وغيره.
كما آخذ على السياسة الأميركية: موقفها في محاربة ما سموه (الإرهاب) الذين رفضوا أن يحددوه بمعايير علمية موضوعية، بل تركوا مفهومه هلاميا رجراجا، ليحددوه على هواهم، ويدخلوا فيه كل جماعات المقاومة المشروعة، ثم يقولون: من ليس معنا فهو مع الإرهاب.
المقاومة ليست إرهابا
لقد تحدث أميركا بسياستها نحو 3.. مليون من العرب، ووراء نحو ألف مليون من المسلمين، حين اعتبرت المقاومة الفلسطينية التي تحارب المحتل الذي يضربها بالطائرات تقذف من فوق، وبالدبابات تقصف من تحت، وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمر المنازل، وتحرق المزارع، وتجرف الأرض عمدا، أميركا تساند هذه الدولة الوحشية، وتعتبر هذا دفاعا عن النفس، وترفض المقاومة المشروعة، وتعتبرها إرهابا وإرجراما!
وآخر ما فعلته أميركا – ما استفز العرب والمسلمين- قرار نقل سفارتها إلى القدس، وليغضب المسلمون ليخبطوا رؤوسهم في الحائط، وليفعلوا ماشاؤوا.
إن مواقف أميركا المختلفة من المسلمين تشككهم أنها لا تضمر خيرا لهم، ولا لدينهم، ربما لأنها تعتبره دينا (ناشزا) يستعصي على الاستسلام لها، والإذعان لإرادتها أو لأن (اللوبي) الصهيوني المسيطر على الجانب الأكبر من سياستها وتوجهاتها جهارا أو من وراء ستار يؤثر عليها، ويوحي لها بهذه المواقف.
وإلا فما سر هذا العداء والحصار- لسنوات عدة- للسودان، ولإيران وللعراق، الذي يموت أطفاله بمئات الألوف، من قلة الغذاء، أو فقد الدواء، نتيجة الحصار الأميركي؟ وماسر هذا التصلب الأميركي في الإصرار على ضرب العراق، رغم قبوله لعودة المفتشين الدوليين بلا قيد ولا شرط؟
وما سر هذه الحملة ضد المملكة العربية السعودية، وقد برئت من بن لادن وجردته من جنسيته ووضعته في القائمة السوداء؟
على أن العرب والمسلمين ليسوا هم وحدهم الذين يعادون سياسة أميركا الخارجية، إن معظم شعوب العالم تعادي سياسة أميركا، وهذا ظهر بجلاء في مؤتمر ديربان في جنوب أفريقيا، فقد وجدت أميركا نفسها محاصرة بكراهية عالمية وهي كراهية ليست من صنع روسيا ولا من صنع الصين ولا أحد من (محاور الشر)!، إنما صنعتها أميركا لنفسها، فالناس عادة تكره الفراعنة والجبارة المستكبرين في الأرض بغير الحق، وإن كانوا يذعنون لهم ويخضعون لأوامرهم في الظاهر.
إن أميركا تريد أن تعيد استعمار العالم باسم جديد، هو (العولمة) فحقيقة العولمة هي (الأمركة) سواء كان عولمة السياسة أم عولمة الاقتصاد، أم عولمة الثقافة، بل حتى (عولمة الدين).
والآن تريد أميركا (عولمة الأمن) تحت اسم (محاربة الإرهاب) تريد أن تتدخل في كل شيء في أخص الشؤون الداخلية للدول، حتى مناهج تعليمها الديني، وحتى تبرعات أفرادها لأعمال الخير .
تكاد أميركا تريد أن تراقب عقول الناس إذا فكروا، وعواطف الناس إذا أحبوا أو كرهوا، وسلوك الناس إذا تدينوا أو فسقوا . وهي تطمئن إلى المسلمين إذا فسقوا أو أعرضوا عن الله، ولا تطمئن إليهم إذا اهتدوا أو استمسكوا بالعروة والوثقى، كما ذكر القرآن عن المشركين: ( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة. وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) .
كم نتمنى أن تعيد أميركا النظر في سياستها الخارجية عامة، وفي نظرتها إلى الإسلام والمسلمين خاصة، وأن تقف مع حق العرب والمسلمين في مواجهة السياسة الشارونية الظالمة. وأن نفتح الباب لحوار حقيقي بناء متوازن لا يفرض إرادته، ولا على قراره، بل يقول ويسمع، ويأخذ ويرد، ويسأل ويسأل، وألا يستجيب لفلاسفة حتمية الصراع، فالتعايش بين المختلفين ممكن، وفق القاعدة الذهبية: نتعاون فيما نتفق عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه.
كما نتمنى ألا تعتبر أميركا الإسلام هو العدو البديل، والخطر الجديد، بعد الاتحاد السوفييتي، فالإسلام ليس خطرا إلا على الإباحية والإلحاد، وعلى الظلم والاستبداد، وعلى الشر والفساد، وما عدا ذلك فهو رحمة لله العالمين .
سبب الأحداث
سأل فريدمان: من واقع خبرتك بالمنطقة ما الذي أدى إلى أحداث سبتمبر فبعض من قابلتهم قالوا فلسطين؟ مع أن أسامة بن لادن لم يترك اعترافا بأن فلسطين هي السبب؟
رد د. القرضاوي:
هذه الأحداث الكبيرة لا يمكن أن نبسطها بذكر سبب واحد، فالمؤرخون والمفكرون الكبار حين يتحدثون عن أسباب الصراع في التاريخ يرجعونه إلى العامل الاقتصادي والجغرافي والنفسي، ولست موافقا على تفسير السلوك البشري بسبب أو بعامل واحد، هناك أسباب متشابكة ربما يعلو سبب على آخر، لكن أسبابا عدة تحدث نتيجة لتفاعلات عدة لكن الحدث القوي والمؤثر في المنطقة هو فلسطين وما يجري فيها من صراع كما أن هناك أسبابا أخرى مثل الوجود الأميركي في الجزير العربية وذكر ذلك بن لادن نفسه.
وهناك أسباب فكرية: ففي الساحة العربية والإسلامية أفكار مختلفة الساحة لا تخلو من مثل ذلك، ويمكن أن تتفاعل هذه الأفكار بعضها مع بعض.
غياب الحرية
سأل فريدمان: إلى أي حد تظن أن غضب الشباب من حكوماتهم وعدم وجود ضمان لمستقبلهم ولحريتهم يمكن أن يؤدي إلى عمليات سبتمبر؟
أجاب د. القرضاوي:
بعض الناس يحاول تغليب التفسير الاقتصادي أو الاجتماعي للحدث لكن دعنا ننظر بن لادن مليونير، والظواهري من كبار عائلات مصر وهم باشوات وأحد شيوخ الأزهر من عائلته بل أكثر من شيخ وطبيب منها.. فلا يبدو العامل الاقتصادي هو العالم المؤثر في هذه القصة.
ولا نستطيع أن نتجاهل العامل الفكري فهناك أفكار غلبت على هؤلاء الشباب، والحوادث القائمة في المنطقة تؤدي إلى هذه النتيجة.
لا يجوز التدخل الأميركي
وسأل توماس: هل يمكن اعتبار تدخل الولايات المتحدة تدخلا قانونيا في أي ظرف من الظروف لنزاع أسلحة الدمار الشامل، وإقالة صدام؟
عقب د. القرضاوي مجيبا:
لا يجوز للولايات المتحدة أن تتدخل لفرض أي حاكم على أي شعب حتى إن كان هذا الحاكم ظالما، لأن هذا سيجعل الشعب يتشبث به، وصدام صنيعة أميركية وقد ساعدته أميركا في سنوات حكمه عندما كان يحارب إيران وساعدته في تلك الحرب.
أرى أنه لا يجوز تدخل أميركا لإزالة صدام، ولا أجيز تدخل الأجنبي من أي بلد كان لفرض نظام على بلد معين.. لقد وقفت ضد صدام أيام حرب الكويت، كان صوتي من أعلى الأصوات لكن أنا لا أجيز التدخل الأجنبي مهما كان التدخل لفرض نظام على بلد معين.
ثم إنه مع إني لست خبيرا في الجوانب العسكرية، لكني شاهدت وقرأت وسمعت من خبراء الاستراتيجية العسكرية أنه لم يعد عند صدام أسلحة فقد دمرت بالفعل، ولا أظن أن هذا هو السبب في ضرب العراق: كان الرئيس بوش يقول منذ فترة نريد تغيير النظام، أما الآن فهو يقول نريد إزالة أسلحة الدمار الشامل.
زوال شعبية أميركا
سأل فريدمان: بعد سنة من أحداث سبتمبر هل زادت شعبية الولايات المتحدة أم قلت؟
رد د. القرضاوي: قلت هذه الشعبية للأسف، وأنا رأيي أن الولايات المتحدة لم تسلك الطريق الصحيح في محاربة الإرهاب، فالإرهاب يسري هنا وهناك وهو أفراد وغير ذلك، والسيطرة عليه ليست سهلة.
طالبان ليست إرهابية
وأضاف د. القرضاوي:
طالبان ليست إرهابية، بل هي تقليدية، عيب طالبان ليس الإرهاب، بل الجمود. فقد ذهبت على رأس وفد إسلامي نناشد طالبان عدم تحطيم تمثال بوذا، ونتحاور معهم. إنهم جامدون، لكنهم ليسوا إرهابيين. وأخذ طالبان بذنب بن لادن لا أجد له مبررا. والأولى أن تتخذ طريقة أخرى.
كيف تغير سيد قطب

إلى محور آخر سأل فريدمان عن مدى معرفة د. القرضاوي بالمفكر الإسلامي سيد قطب فأجاب: نعم أعرفه، لقيته عدة مرات في حياته..
وسأل مرة أخرى: لماذا أصبح سيد قطب مؤسسا للإخوان المسلمين أصوليا بعد إقامته في الولايات المتحدة ؟
قال د. القرضاوي:
لقد مر سيد قطب في حياته بعدة مراحل: الأولى كان فيها ليبراليا كان من الأدباء والشعراء الرومانسيين، كان من مدرسة (أبوللو) وكان أقرب إلى الانفتاح والحرية.. ثم جاءت فترة أخرى اقترب فيها من الإسلام، كتب فيها: التصوير الفني في القرآن، مشاهد يوم القيامة في القرآن، وانتهت هذه المرحلة بكتاب العدالة الاجتماعية ومعركة الإسلام والرأسمالية. في هذه المرحلة كان سيد قطب قريبا من الإخوان، وإن لم يكن منهم.
ثم جاءت مرحلة أخرى التحق فيها قطب بالإخوان المسلمين، بعد ثورة 23 يوليو دخل الإخوان، وفي هذه الفترة بعد دخوله الإخوان حكم عليه في محكمة الشعب الهيرة بعشر سنوات سجنا.. هذه الفترة كانت أزمة، فيها طغيان عبد الناصر، وتعذيب السجون، ووصول الشيوعيين إلى أجهزة الإعلام.. بدأ سيد قطب يأخذ خطأ متشددا، مغاليا، أقرب إلى تيار التكفير، تكفير المجتمع والأنظمة.. وهو تيار لم يقره الإخوان المسلمون.
بعد زيارته للولايات المتحدة تغير سيد قطب، وغيره أمران أساسيان: ما شاهده في أميركا فقد كان يظن الحضارة الأميركية مسيحية، لكنه وجدها أبعد ما تكون عن المسيحية، فالمسيحية فيها روحانية زائدة (كان من قبلكم يقول لاتزني، أنا أقول من نظر بعينه فقد زنا).. وجد المادية في أميركا، وهذه المادية وراثة من اليونان والرومان، ليست من اليهودية ولا المسيحية. أما الأمر الآخر الذي غير سيد قطب بعد إقامته في أميركا هو ما وجده في احتفال لدى الأميركان، إذ شربوا الخمر، ودقوا الكاسات فسأل فقالوا له: إنه فرح لمقتل حسن البنا، نبهه ذلك حيث كان البنا زميلا له في كلية دار العلوم، لما عرف هذا كان للبنا تأثيره في الولايات المتحدة والغرب.. فبدأ في التعرف على الإخوان.. فكتب سيد قطب بعد عودته من أميركا (أميركا التي رأيت) وقال فيه فقرات طويلة ما شاهده هناك مما أثر في نفسه سلبا.
لكن د. القرضاوي حرص قبل قليل من نهاية لقائه بأن فكر سيد قطب الذي كان يميل فيه إلى تكفير الأنظمة والمجتمعات لم يكن الإخوان يقرونه.. فقد كون شكري مصطفى جماعة المسلمين التي كان يطلق عليها جماعة التكفير، وكانوا لايصلون خلف الإخوان في السجن الحربي.. ورد عليهم المرشد العام للإخوان المسلمين بكتابه المعروف الذي أملاه وهو (دعاة لا قضاة) حيث قال: لسنا قضاة كي نحكم على الناس: هذا مسلم وهذا كافر .
قبل أن ينتهي اللقاء بين كاتب مدافع عن إسرائيل قريب من الإدارة الأميركية، يركز في كتاباته عن الإرهاب الإسلامي محاولا إلغاء عامل الإرهاب الإسرائيلي كان يتمنى أن يطول لقاؤه مع رائد التيار الوسطي في الفقه الإسلامي المعاصر د. يوسف القرضاوي.. إذا كان على موعد في قناة الجزيرة ليشارك في برنامج الاتجاه المعاكس.

الدوحة – عبد الحيكم أحمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.