من المعروف عن داء الكلب (بفتح اللام: السعار) أن يهيج بصاحبه في فصل الصيف حين يشتد الحر فيصير المصاب به هائجا مائجا ألا يذر أحدا إلا مسه بسوء ولا ينجو أحد ممن حوله من شره وأذاه، ويبدو أن بعض صحف اليسار (أصحاب الشمال) كما سماهم الله عز وجل في كتابه إذ قال: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك من المترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم الذنب الكبير وهو الكفر بالله عز وجل وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون، قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين) يبدو أن هذه الصفة قد هاج بها هذا الداء الخبيث خلال أيام هذا الصيف المنصرم فثارت ثائرتها الهوجاء على الإسلام وأهله، فطفقت تعض أشخاصهم وتنهش أعراضهم وتنعتهم بكل ما أفرزه فيها داؤها الكريه من خبائث ومنتنات، على غرار المثل القائل: (رمتني بدائها وانسلت) صحف شاذة ومما لا ريب فيه ولا مراء حوله أن هذه الصحف (شاذة) عن طبيعة الشعب المغربي المسلم ومتمردة على أوضاعه وأعرافه وأصول بنيانه، فهي مريضة بالاختلال وفقدان التوازن، وعدم القدرة على التمييز الصحيح، وهي مجنونة بالجنس الآثم ومغرمة بالحديث عن صوره وأنواعه والإشهار لشراره ودعاته ذكرانا وإناثا، ولا سيما من نبغ في مستنقعه من الفاسقات والعاهرات فصار لهن في سوق العهر والدعارة ذكر مسموع وموقع معروف، فهي تعلن أفكارهن وتعرف بسيرتهن وما جبلن عليه من الشذوذ والانحراف لتجعل منهم (أيمة) للخبيثين والخبيثات، وقدوة للمارقين والماردين من رجال ونساء. وهي مسعورة ببغض مقيت وحقد منتن على الإسلام وأهله، فلا تفتأ تطلع على القراء بين الحين والآخر بطعن في الشريعة الإسلامية ونيل من أحكامها واستخفاف بتعاليمها متخذة في ذلك سيتلاشى وأساليب ملتوية، فتارة تنشر كتابات زائغة للمنافقين ومرضى العقول، والنفوس ممن حرموا النعمتين، نعمة الإيمان ونعمة العافية، فهم في ظلام دامس، وسقم يائس، حال بينهم وبين السعادة والاطمئنان، فأفرغوا خبثهم ونفاياتهم في محيط الإسلام لعلهم ينغصون على المومنين حياتهم وسعادتهم كما نغص عليهم النفاق حياتهم وشقيت به قلوبهم وضاقت به صدورهم، (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء). وتارة تستورد مقالات من صحف أجنبية في لمز الإسلام ورميه بالزور والبهتان على غرار المثل السائر: (واسمعي يا جارة)، وتارة أخرى تحتضن رأسا من الرؤوس الغاوية والخاوية فتجري معه حوارا يدور حول الرذيلة والزندقة والمجون والفجور لتقدمه أسوة للحائرين والغافلين، وتجعل منه مثلا منشودا للضالين والتائهين، وأخيرا ابتدعت هذه الصحف الماكرة أسلوبا آخر في إبداء البغضاء للإسلام وإغاظة أهله، فرفعت شعار (العنصرية ضد اليهود) وشعار (الفرق بين اليهود والصهيونية) ليدافعوا عن "إخوتهم اليهود" ويدرءوا عنهم وصف الإجرام والعدوان، وذلك لكونهم يقتلون أهل الإسلام ويسومونهم سوء العذاب، وهو ما ما يرضي إخوتهم في هذه البلاد ويشفي صدورهم ويدخل البهجة والسرور على قلوبهم. كما أنهم زادوا في التضليل والخداع وأمعنوا في المراوغة وتزييف الحقائق فأقحموا موضوع اليهود المغاربة في القضية الفلسطينية، واعتبروا النيل من اليهود المعتدين على أهل فلسطين، مسا باليهود المغاربة، وزرعا للفتنة والشقاق بين الشعب المغربي، وإني لا أجد لهؤلاء مثلا إلا ما روي عن عمرو بن العاض أنه لقي مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله مسيلمة ماذا أنزل على نبيكم هذه الأيام، فقال له عمرو لقد نزلت عليه سورة إنا أعطيناك الكوثر... الخ السورة فأطرق مسيلمة ساعة ثم قال لعمرو: لقد أنزلت علي الآن سورة مثلها يا ضفدع يا ضفدع نصفك في الماء ونصفك في الطين.. إلى كلام غث من هذا القبيل، فقال له عمرو: إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب، إن هؤلاء المارقين لا يشكون أن أكاذيبهم مكشوفة وأن شعاراتهم باطلة مردودة، ولكنهم كما قال عز وجل في أسلافهم: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون). إن أهدافهم معروفة وإن مساعيهم غير خافية على أحد، إنهم يريدون سحب الإسلام من الحياة وحجب المساجد وفرض رقابة صارمة على أهلها حتى لا يجاوزوا بتدينهم أبواب مساجدهم، ولن يتم لهم مرادهم هذا إن شاء الله ولن ينالوا منه ما يبتغون، فالإسلام قوي بعقيدته قوي بشريعته، قوي بدعاته وعلمائه، قوي بجاذبيته التي لا تقهر ولا تقاوم، فهو نور الله الذي لا يطفأ ولا يحجب (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). وكما قال البوصيري رحمه الله: لم تخف بعدك الضلال وفينا وارثوا نور هديك العلماء
المطلوب من العلماء فما دام في الأمة الإسلامية علماء راشدون ودعاة هادون مهتدون، لن يخفت نور الإسلام ولن يقدر أحد على طمسه (ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فالعلماء ورثة الأنبياء وأمناء والأمة وحماة الشريعة، والمطلوب من علمائنا في هذه البلاد أن ينهضوا بأعبائهم، وأن يقوموا بما كلفوا به من إعلاء كلمة الله ونصرة دينه والجهاد في سبيله بالقلم واللسان، وهو الجهاد الكبير كما سماه الله عز وجل إذ قال: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا)، فعليهم أن يقاوموا (أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذن أبدا). وليثقوا بوعد الله وليطمئنوا إلى نصره فإنهم منصورون غالبون إن شاء الله (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). أما المنافقون وخصوم الإسلام فإنهم مخذولون وخاسرون لن يستطيعوا مقاومة الإسلام، ولن يقدروا على مغالبة علمائه ومصابرة دعاته، فحجتهم داحضة، وملتهم مندحرة، ولا يزال تابعهم في تردد وحيرة إلى أن يمن الله عليه بالهداية، فسيرجع إلى دينه وفطرته التي فطره الله عليها. وهذا قول حق وأمر ثابت ظهر واقعا في كثير من البلاد الإسلامية قديما وحديثا ومنها المغرب الذي نشأت فيه فئات اليسار على اختلاف ألوانها وصورها قبل خمسين سنة أو تزيد، وكانت في أوائل الستينات وما بعدها مهيمنة على الجامعة المغربية، حتى كانت المطاعم في الأحياء الجامعية تفتح أبوابها في رمضان نهارا جهارا ليدخلها المارقون من الطلبة آنذاك. ولو كان الإسلام يخضع للحسابات العلمية والتقديرات المستقبلية لكان ينبغي أن يكون اليسار اليوم وبعد خمسين سنة من ظهوره قد اكتسح ثلث الشعب المغربي، على الأقل، ولكن الواقع الذي لا ينكر ولا يجحد أن اليسار ما زال شرذمة قليلين بين سكان المغرب، لا يمثل من الشعب نصف عشره ولا ربع العشر بل إم كثيرا من الطلبة والمثقفين الذين كانوا ضمن صفوف اليسار خلال السبعينات وما بعدها عادوا بعد ذلك إلى سبيل الرشد ورجعوا إلى التدين بالإسلام، فهم اليوم يلعنون اليسار ويشهدون أن رؤوسهم ورموزهم بعيدون عن الإسلام.
ضد الغالين والمبطلين والجاهلين إن على علمائنا في هذه المرحلة بالذات أن يقوموا يمهمتهم التي تركها لهم النبي صلى الله عليه وسلم والتي استأمنهم عليها، فهم ورثة الأنبياء، وحملة الدين ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وإن خصوم الإسلام من أبناء جلدتنا يسعون في هذه البلاد فسادا ويطعنون أمتهم في مقوماتها وحرماتها، ويعملون بكل ما أوتوا من جهد على قلب أوضاعها وتبديل إيمانها كفرا وطغيانا (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبيس القرار وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله...) وهم في سعيهم هذا يتسترون بالإسلام ويختفون وراء شعاراته وعناوينه، ليدسوا السم في الدسم وليبلغوا مرادهم في تقديرهم آمنين من الموانع والمعوقات، وإن الواجب على علمائنا وهم أدرى بما وجب عليهم أن يكشفوا مكر هؤلاء المفسدين ويعرفوا الناس بحقيقة ملتهم ويطلعوهم على ما يخفون من كفر وعداء للإسلام وأهله، وإذا كان هؤلاء المفسدون يخدعون بعض الناس بإسلامهم الزائف ويستخفون كتابعيهم بالشعارات الكاذبة، فإن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء لا يروج عندهم الكذب ولا يلتبس لديهم الحق بالباطل، فهم واعون بما يبطنه اليسار، ومدركون لما يرجى الله من غايات وأهداف، غير أن لهم اعتبارات وتقديرات تحول بينهم وبين التصدي العلني لما يمكرون ويدبرون، حتى إن من العلماء من اخترق صفوف اليسار سعيا في إصلاح ما يستطيع إصلاحه منهم، فقد حدثني بضعة أفراد من الطلبة أنهم زاروا بعض العلماء المعروفين بانتمائهم إلى أحزاب اليسار والكتابة في صحفهم المنتنة، وقالوا له إنك تمالئ هؤلاء القوم وتكثر سوادهم وأنت من علماء الإسلام، فقال لهم: أنا مع هؤلاء أحاول أن أردهم إلى الصواب، ولكن هذا الموقف غير وجيه ولا حكيم، لأن إثمه أكبر من نفعه، فإن من يغتر بموقع ذي علم بين صفوف اليسار أكثر ممن يعتبر بهديه ووجهته، فوجوده بينهم يزكي مشهدهم ويضفي عليهم صبغة الشرعية الإسلامية فيحسبهم الناس مسلمين ومقبولين في دين الله،، وهي خدمة كبرى يمنحها إياهم من ينتمي إليهم من علماء الإسلام شاعرا أو غير شاعر، إذ أنهم يتمسحهم بالصبغة الإسلامية يستطيعون أن يضربوا الإسلام وأهله في قعر دارهم دون أن يخافوا مقاومة رادعة أو إنكارا زاجرا، فإذا أنكر عليهم منكر ما يفترون وما يقترفون قالوا: نحن مسلمون ونحترم الإسلام، ولكنكم دعاة تكفير وسعاة بالفتنة والإرهاب... الخ ما ألفناه من زورهم وبهتانهم (وكذلك جعلنا لكي نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتطمئن إليه أفئدة الذين لا يومنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون). من أجل ذلك وجب على علمائنا أن يبينوا للناس حقيقة هؤلاء ويحذروهم من الركون إليهم وتكثير سوادهم تحقيقا لقول الله عز وجل: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) أي أن الله عز وجل يوضح الآىات ويضع الأدلة وينصب المعالم على طريق الهدى والرشاد ليتبين للمؤمن سبيل المجرمين، بإشاعة الفاحشة والكفر في الناس، وليميز بين سبيل الغي وسبيل الرشد، فيتبع سبيل الراشدين ويحذر الوقوع في سبيل الغاوين، وإن التحذير من الشر وأهله يصنف في شريعة الله في أعلى ومقاصد الدعوة الإسلامية وأكبر أولوياتها كما يدرك ذلك جليا من نصوص كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكما يقضي به المنطق السليم والعرف القويم وقانون الفطرة التي فطر الله خلقه عليها، فالحيوان الأعجم يكون مقبلا على طعامه فإذا أحس بخطر حوله ترك الطعام وفر إلى مأمنه لأنه يدرك بغريزته أن دفع الشر يقدم على جلب الخير، وفي حديث حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم. قلت وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن. قلت وما دخنه؟ قال يهتدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي. قلت وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت يا رسول الله صفهم لنا. قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا الحديث، (رواه البخاري). ففي هذا الحديث حقيقة ثابتة بالشرع والعقل، وخبر بغيب انطبق على واقعنا الذي نعيشه. أما الحقيقة الثابتة فإنها السؤال عن الشر مخافة الوقوع فيه، فإن من لم يعرف الشر لا يجتنبه وقد يقع فيه وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ومن أجل ذلك قال عز وجل: (وما كان الله ليضل قوما حتى يبين لهم ما يتقون) يعني أنهم إذا وقعوا فيما تبين لهم من الشر ضلوا وهلكوا. وأما الخبر الصادق على واقعنا المعاصر فقوله صلى الله عليه وسلم: دعاة على أبواب جهنم... الخ فإنه وصف دقيق للمارقين من أبناء المسلمين في هذا العصر، فإنهم يحملون جنسيات إسلامية وينتمون إلى بيوت مسلمة بل إن منهم من كان آباؤهم من العلماء والخطباء وأيمة المساجد، كما أنهم يتكلمون بألسنة المسلمين أي أنهم يقرأون القرآن ويذكرون الله رياء وتصنعا وتقية. لكنهم في حقيقة أمرهم دعاة إلى الناربفجورهم وإشاعتهم الفسوق والفواحش في المسلمين، وهؤلاء أشد ضررا أو خطرا على المسلمين من عدوهم الظاهر اليهود والنصارى وغيرهم من الكفرة لأن العدو المعروف يمكن اتقاء شره وأخذ الحذر منه، أما العدو المستور فيتعذر دفع كيده ومكره، ومن أجل ذلك كان المنافقون أشد عذابا عند الله عز وجل من المشركين وغيرهم من خصوم الإسلام، كما قال سبحانه (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا). وقد ذكر عن بعض أهل العلم ممن عاصروا حكم الفاطميين في مصر وكان يحاربهم ويحذر الناس منهم لأنهم طائفة خبيثة تعادي الإسلام وأهله فجاءوا به إلى الحاكم فقال له: أنت تقول لو كان لك عشرة أسهم لضربتنا بواحد وضربت اليهود والنصارى بتسعة فقال له العالم أنا ما قلت هكذا فقال وكيف قلت، قال قلت لو كان لي عشرة أسهم لضربتكم بتسعة وضربت اليهود والنصارى بواحد، إنه واحد من العلماء الراشدين الذين لم يخل منهم عصر ولا جيل أولئك الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله.
السابقون .. السابقون وإن علماءنا ليسوا أقل شأنا ولا فضلا من أسلافهم في مختلف وقرون الأمة الإسلامية، وفي الحديث: في كل قرن من أمتي سابقون، وهو مؤكد لقول الله عز وجل (والسابقون السابقون. أولئك المقربون في جنات النعيم. ثلة من الأولين. وقليل من الآخرين...) فليس بعسير عليهم ولا كبير على أقدارهم أن يقوموا بمثل ما قام به أئمة الإسلام في العصور السالفة من تعرية بالزائفين وتحذير من الغاوين وتبيين سبيل المجرمين، فإن هداية الأمة للتي هي أقوم والنصح لها في دينها ودنياها مسؤولية العلماء وأمانة موكولة إليهم، فعليهم أن يصدعوا بما أمروا به ويجهر بكلمة الحق التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم عليها صحابته كما قال عبادة بن الضامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا... إلى أن قال: وأن نقول الحق أنما كنا لا نخاف في الله لومة لائم (رواه البخاري وغيره). ولا خوف على العلماء في هذه البلاد الآمنة المطمئنة من الجهر بكلمة الحق وإذاعته في الناس فالنظام في المغرب يضمن الحريات ويكفل لكل فرد أن يعبر عن رأيه ويقول ما يشاء، وها هم المارقون يستغلون هذه الحريات أسوأ استغلال وأحقره دون خوف ولا خجل فيعيثون في البلاد فسادا ويحادون الله ورسوله ويكيدون للإسلام وأهله (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا). فلا ينبغي للعلماء ولا يليق بهم أن يكونوا في نصرة الحق أعجز من أهل الباطل في نصرة باطلهم. وأمام العلماء مجالات أوسع وأرحب من المساجد ليعملوا فيها ويقوموا بما وكل إليهم من أعباء، فلهم إصدار الكتب ولهم إصدار الأشرطة السمعية والمرئية، ولهم الكتابة في الصحف اليومية والأسبوعية ولهم تنظيم اللقاءات والندوات والمحاضرات في الأندية والمركبات الثقافية، ولهم غير ذلك مما لا يخفى عليهم. أما المساجد فينبغي أن تستبعد من هذه الحملة حتى لا يتخذها المارقون مطية للنيل من العلماء، ورميهم بالزور والبهتان، فالمارقون قوم بهت يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون الحقائق ويكذبون ويزورون.
لماذا أهاجم اليسار وأختم هذا النداء بسؤال قدم إلي في محاضرة كنت ألقيتها بقرية (واد امليل) منذ ثلاثة أشهر تقريبا، والسؤال يقول: لماذا تهاجم اليسار، فقلت في الجواب: إن هذا السؤال معكوس، والسؤال الصحيح المطروح بإلحاح: لماذا يهاجم اليسار الإسلام وأهله في بلد يدين سكانه بالإسلام، حتى من يقيم فيه من يهود ونصارى لا يجرؤون على النيل من الإسلام والطعن في المسلمين احتراما منهم للشعب ودينه وهويته وهؤلاء المارقون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يقيمون لأمتهم وزنا ولا اعتبارا، فنحن فقط إنما نرد الفعل وندافع عن كياننا وهويتنا ونعادي من يعادينا (والشر بالشر والبادي أظلم) ولو أنهم تركوا ديننا ونبينا ومقدساتنا لأعرضنا عنهم ولما سمعوا منا كلمة سوء أبدا، فنحن المسلمين مأمورون بالإعراض عن الجاهلين. (إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين). الشيخ عبد الباري الزمزمي