لا شك أن توجيه وتحفيز الأعضاء يعتبر من المهام الرئيسية للقيادة، ولذلك فإن نجاح التنظيمات في بلوغ مقاصدها وتحقيق أهدافها متوقف على مدى نجاح القيادة وقدرتها على تحفيز وتوجيه أعضائها وشحذ هممهم للانخراط في الإنجاز بحماس وحيوية ونشاط، وفي انسجام وتكامل، وتماسك وتعاون. والتحفيز ليس مادة منشطة ولا خلطة سحرية، يتناولها الأشخاص فيمتلؤون نشاطا وحيوية ورغبة في العمل، ولا هو وصفة جاهزة تحضر خارج المؤسسة ويتم ضخها في هياكلها، بقدر ما هو نتيجة وثمرة جهد منظم تقوم به الهيئات التنظيمية، من خلال استدعاء المحفزات الإيمانية والعقدية والوجدانية لدى الأعضاء، إلى جانب التعبئة الشاملة للإمكانيات والقدرات الكامنة. ويمكن أن نقتصر في هذا المقام على ثلاثة مداخل للتحفيز: مدخل التصورات: وذلك من خلال بيان وتوضيح الأهداف والمقاصد الكبرى، حتى تكون الرؤية واضحة، ومن خلال تدارس الأولويات مع الأعضاء، حتى تتقارب مستويات الاستيعاب ولا يدخل التنظيم في تنزيل مشارعه بسرعة متفاوتة بين مستويات الهيئات. وهو مدخل أساسي بحكم أن العاملين يقل عطاؤهم كلما وظفوا في مشاريع غير مستوعبين لأهدافها أو غير مقتنعين بجدواها . مدخل التحديات: وذلك من خلال تسليط الضوء عليها والتنبيه على الحواجز والعراقيل والمخاطر المتوقعة والتي يمكن أن تعترض طريق الفعل والانجاز، لما في ذلك من إبقاء على حالة اليقظة والحذر والجاهزية للتعامل معها وتجاوزها في حال ظهورها، دون فتور أو تراخ، مع التزام الاعتدال في الحديث عن التهديدات، والابتعاد عن المبالغة تفاديا لشيوع فكر المؤامرة أو هيمنة خطاب المظلومية لما يمكن أن ينتجه من انتظارية وسلبية وإعاقة للتنظيم عن الفعل والإيجابية. ويمكن تشبيه التحذير من التحديات بتحذير متسابق الأربعمائة متر حواجز، فحين يسرع نحو هدفه يعلم مسبقا أن هناك حواجز ستعترضه، وأنه كلما صادف واحدة منها وجب عليه القفز عليها وتجاوزها، وليس التوقف عندها. مدخل الفرص: وذلك من خلال الحث على اغتنامها واستثمارها، حالما تتاح، وعدم تفويتها، ذلك أن الفرص المتاحة اليوم قد لا تبقى متاحة غدا. والتنظيمات الناجحة هي التي تعتمد الرصد والتوقع والإعداد للفرص قبل قدومها، حتى إذا لاحت أسرعت لاستثمارها قبل فواتها، من خلال التشجيع على ثقافة الإقدام والمبادرة، الذي غالبا ما يكون عائده أكبر وأفضل من الانشغال بالتحديات. وتبقى الإشارة إلى أن التحفيز لا يكون في اتجاه واحد فقط من الأعلى نحو الأسفل؛ أي من القيادة نحو الأعضاء، كما يمكن أن يعتقد البعض، وإنما يكون كذلك في اتجاه أفقي؛ أي بين الهيئات والفروع من نفس المستوى التراتبي في الهيكلة التنظيمية، وبين الأعضاء من نفس الهيئة، كما يكون أيضا في اتجاه صاعد من الأسفل نحو الأعلى، بحيث ترتفع معنويات القيادة ويزداد حماسها للبذل والعطاء، كلما وقفت على إنجازات نوعية لدى فروعها المحلية أو اطلعت على مبادرات مبدعة لدى أعضائها ومنخرطيها. والخلاصة أن التنظيمات بقدر ما تحتاج إلى التخطيط والتنظيم وترتيب الأولويات، لترشيد مسارها، بقدر ما تحتاج إلى التوجيه والتحفيز لبعث الروح في فعلها وتفاعلها، وهذا التحفيز بقدر ما يكون بالأساس هابطا من الأعلى نحو الأسفل، بقدر ما هو مطلوب أن تتم تنميته في الاتجاه الأفقي بين الهيئات، وبين الأعضاء، وفي الاتجاه الصاعد من الهيئات الأدنى إلى الهيئات الأعلى، ومن الأعضاء نحو القيادة.