لا يمكن إغفال الظرف السياسي الذي يحيط بتوقيت قرار محكمة العدل الأوربية برفع حماس عن قوائم الإرهاب، حيث أن لهذا القرار في هذا التوقيت الإقليمي والدولي دلالاته السياسية ذات الأبعاد المتعددة والتي قد تشكل تحولاً يزعج الأطراف ذات العلاقة بالحركة من جهة والبعد الجيوسياسي للقضية الفلسطينية من جهة أخرى؛ بدءاً من السلطة الفلسطينية المتمثلة برأسها الرئيس عباس وحركة فتح من خلفة باعتبار القرار إفشالاً لكل محاولاته عزل حماس عن محاورها المحلية والعربية والإفليمية والدولية؛ وانتهاءً بمحاور الإقليم التي قد تجد نفسها ملزمة بالتعامل مع حماس. في محاولة بسيطة لاستقراء موقف الأطراف الإقليمية والدولية نجد أن هذا القرار رغم أنه لا يشكل قوة ملزمة للاتحاد الأوروبي للعمل به – ولو في المرحلة الحالية – إلا أنه ذلك يمهّدلتحولات هامة أمام حركة حماس من شأنها أن تمكن الحركة من تجاوز حالة العزلة التي يفرضها عليها العالم، ويمكنّها من التواجد الدولي بصفتها التنظمية، ويمكننا إجمال بعض المكاسب السياسية بما يلي: * فلسطينياً (على صعيد حماس والمقاومة الفلسطينية): لا شك أن حركة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية هم الأكثر استفادة من هذا القرار باعتبار أن العمل به سيمكن حماس باعتبارها الاكثر استفادة أن تنتقل إلى مربع التأثير الدولي تحت مظلة شرعيتها التي فرضتها على المجتمع الدولي بدماء الشهداء، وكذلك باحتضان جماهير الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية للمقاومة. * فلسطينياً (على صعيد أبو مازن): يشكل هذا القرار ضربة للرئاسة الفلسطينية حيث أن هذا القرار يؤكد على الشرعية السياسية لحركة حماس وهذا يُعد تجاوزاً للشرعية المنفردة التي يحاول عباس تكريسها، كما أنه يأتي في إطار الإقرار الأوربي أن ما قامت به حركة حماس من فوزها بالانتخابات الرئاسية مروراً بخطوات الحسم حتى يومنا هذا إنما يأتي في إطار حماية القضية الفلسطينية. * مصرياً: رغم حالة التعبئة الغوغائية والهمجية التي يمارسها الإعلام المصري تجاه حماس وصولاً إلى اعتبارها إرهابية وفق قرار المحاكم المصرية، فإنه جاء ليشكل صفعة له حيث أن قرارها وضعت الإعلام المصري محل تشكيك، وقد يساعد هذا القرار قدرة حماس رفع دعاوى حقيقية ضد الإعلام المصري مؤسسات وأفراد. * خليجياً: سيساعد هذا القرار أن يكون قوة دافعة للدول التي تساعد حماس مثل قطر، وسيعمل على أن تحدث حراكاً مهماً تجاه حماس من دول ترغب بدعم حماس مثل البحرين والكويت وسلطنة عُمان، كما أنه سيزيد من حالة الإحباط عند دولة لم تنجح حتى اللحظة في كسر شوكة حماس بعمقيها الفلسطيني والدولي. * تركياً: رغم الدعم السياسي والمالي المقدم من قبل تركيا لغزة والتي تقودها حماس حتى حكومة التوافق، إلا أن مثل هذا القرار سيساعد تركيا على أن تكون ظهيراً أكثر فاعلية لحركة حماس في المحافل الدولية من حيث الدفاع عنها باعتبارها جزءاً هاماً واستراتيجياً لمستقبل القضية الفلسطينية. * إيرانياً: رغم عودة العلاقات بين حماس وإيران خاصة بعد الزيارة التي قامت بها الحركة مؤخراً لطهران، إلا أن القرار سيعطي الشرعية لما قامت به وربما ستقوم إيران تجاه القضية الفلسطينية من خلال تقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية دون شرط والمتمثلة بحركة حماس كرأس حربه لا يمكن . * أوربياً: إنّ تحفظ المفوضية الأوربية على القرار لا ينفي أنها تدرك أي من وقت مضى أن حماس أصبحت محل اهتمام الشعوب العربية والإسلامية، وأن أوروبا ربما يكون الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته تجاه القضية الفلسطينية هو محاولتها تجاوز حماس من خلال وضعها على قوائم الإرهاب، وهذا سيدفعها – ولكن في خطوة قد لا تكون عاجلة – إلى أن تكون هناك مراجعات تجاه حماس وستكون مخرجاتها في صالح القضية الفلسطينية وحماية المقاومة الفلسطينية انطلاقاً من مشروعية قوة حماس الوطنية والسياسية. * أمريكياً: بالرغم أن هذا القرار صادر عن محكمة العدل الأوربية يمكننا القول أن قدرة حماس على الالتفاف على الحصار المفروض عليها فلسطينياً برعاية أمريكية مباشرة سيؤثر ولو في مرحلة قادمة على ملف السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية باتجاه تغير أولوياتها في التعامل مع أطراف الصراع باعتبار أن حماس اللاعب الأكثر تأثيراً في المشهد الفلسطيني برسم القرار الاوربي . إن هذا القرار يوجب على حركة حماس أن لا تمر على هذا القرار وإن كان غير ملزماً مرور الكرام، ولكن عليها أن تقرأه بمعناه الاستشرافي نحو أن تكون طرفاً قوياً في معادلة الصراع ومحدداً مهماً في الإقليم خاصة في ظل تأزم الأنظمة العربية التي عجزت عن محاربة الفكر الوسطي في المنطقة، وكذلك في ظل استعادة الحركة لجزء كبير من عمقها الإقليمي شعبياً ورسمياً، وفي ظل ضعف السلطة الفلسطينية وتزايد قوة الحركة جماهيرياً وتنظيمياً رغم حالة الحصار التي تعيشه مع أبناء شعبها.