من الواضح تماما، أن الانقسام الفلسطيني المؤلم، بين جناحي الوطن، في الضفة الغربيةوغزة، بين حركتي فتح وحماس، يخدم المصلحة الإسرائيلية الصهيونية بكل قوة وواقعية، ومع وضوح هذه الخدمة، للعدو الصهيوني المحتل، لأراضينا ولشعبنا، فمع الأسف الشديد، ما زالت حركة حماس، تتمسك بمواقفها العدمية، من قضية المصالحة الوطنية، رامية بعرض الحائط، بكل المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، غير آبهة بمستقبل الشعب الفلسطيني، ومستقبل قضيته الوطنية، وقضية عودة اللاجئين وغيرها من القضايا الملحة والهامة. العدو الصهيوني المحتل، ومن ورائه الولاياتالمتحدةالأمريكية، مسرورون جدا، لهذا الانقسام، ويدفعوا به، كي يستمر ويتواصل، كونه يخدم مصلحتهم المشتركة، فلا شك بان عودة اللحمة إلى الجسم الفلسطيني، سيدعم المواقف السياسية الفلسطينية، وسيشد من أزر السلطة، وسيصلب من مواقفها في دائرة المفاوضات مع العدو الصهيوني، خاصة في حالة اشتراك حركة حماس، بمقاليد الحكم والحكومة، مع باقي الفصائل الفلسطينية وحركة فتح على وجه الخصوص، لأن الموقف الفلسطيني العام، سيكون محصلة للمواقف الفلسطينية المتصارعة، والموقف الموحد، لها سيكون هو القاسم المشترك بينهم، ولا يمكن لأحد تقديم تنازلات عنه، دون موافقة بقية الأطراف، وإلا فان وحدتهم ستتمزق، وموقفهم الوطني سينهار. الأحزاب الاسرائيلية بقيادة نتنياهو، تمكنت من تحقيق وحدتها بين العديد من أحزابها الوطنية المتشددة، والمتشددة جدا، وشكلت حكومة وحدة وطنية فيما بينها، وأصبحت كلها أسيرة لمواقفها المتشددة، ولا تستطيع هذه الحكومة، الانفكاك منها خوفا من انهيار، هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، بينما القوى الفلسطينية، خاصة حركتي فتح وحماس، لم تتمكنا من تحقيق أي وحدة بينهما على أسس وطنية وديموقراطية وواقعية، وقد يكون من احد أسباب هذا الفشل، ارتباط حركة حماس، ارتباطا عضويا، بنظامي الحكم السوري والإيراني، واعتمادها الكامل ماليا على هذين النظامين، ومن يملك المال يملك قوة التحكم بالآخر، وبذلك، وضعت حركة حماس نفسها بين فكي الكماشة، النظام السوري من جهة، والنظام الإيراني من جهة أخرى، وهي حقيقة، لا تستطيع الانفكاك منهما بالمطلق، حيث هما، من يمول رواتب ومصاريف قوات حماس العسكرية والمدنية، وكوادرها البشرية بدون حدود، وهذه بدورها تعيل أسرها وتصرف عليهم، ولولا هذا الدعم المادي المجزي، لكانت حركة حماس لن تجد من يقف معها من أبناء شعبنا المحاصر في غزة، ولا تستطيع الصمود ليوم واحد، ومن هنا، اعتقد جازما، أن حركة حماس، لا تستطيع الانفكاك بسهولة، من بين طرفي الكماشة، طالما لا يتوفر البديل المادي لها، الذي يكفل لها تغطية رواتب قواتها العسكرية وكوادرها الإدارية وموظفيها في الوزارات المختلفة، والتي في غالبيتهم، عينتهم حركة حماس، بعد استيلائها على السلطة، بانقلابها العسكري المعروف، وشكلت على اثرها حكومتها اللاشرعية. مأزق السلطة أيضا، ليس بالأمر اليسير أو السهل، حتى لو عادت حركة حماس إلى أحضان السلطة، ووقعت على اتفاق القاهرة للمصالحة، وتنازلت بعض الشيء، عن مواقفها المتشددة والمتزمتة والعدمية، فهي ستطالب بدفع رواتب كوادرها وعسكرها الموظفون لديها بعشرات الآلاف، والتي قامت بتعيينهم بعد انقلابها العسكري على السلطة الفلسطينية، كما ان الدول المانحة والولاياتالمتحدة وإسرائيل، لن يقبلوا بدعم السلطة وأجهزتها العسكرية والمدنية، أذا ما تضمنتها قيادات وكوادر حركة حماس، طالما لم تتمكن السلطة من إخضاع حركة حماس سياسيا وعمليا كي تكون خاضعة لها بالكامل، إلى جانب أجندة سياساتها الخارجية والمبنية على أساس قرارات ومواثيق الشرعية الدولية، والمفاوضات مع العدو الصهيوني، والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة معه وهكذا. جميل جدا ما جاء بتحليل الكاتب والصحفي الفلسطيني الأستاذ هاني المصري فيما يتعلق بالوضع السياسي الفلسطيني الراهن والمستقبلي في مقالاته المتتالية عن الوضع الفلسطيني وأزمة المصالحة وأزمة المفاوضات الفلسطينية مع العدو الصهيوني، هذا التحليل السياسي والموضوعي، وكذلك فيما يتعلق بالمصالحة بين حركتي فتح وحماس، كان بودي لو نبه الأستاذ هاني بتحليله، إلى التأثيرات الخارجية التي تدعم حركة حماس بالذات، وتملي عليها سياساتها وتفرض عليها مواقفها أيضا، والتي ترتبط ارتباط استراتيجي بكل من نظامي الحكم في إيران وسوريا، بحيث لا يمكن تغيير الموقف الحمساوي بدون تغير الموقف السوري-الإيراني المشترك، وهو الكفيل بتغيير موقف حركة حماس رأسا على عقب، لأن الذيل يتبع الرأس، كما ان تغيير مواقف كل من إيران وسوريا مرتبط أساسا، بإيجاد دور لهما بمنطقة الشرق الأوسط، معترف به دوليا، ويؤخذ بعين الاعتبار مصالحهما المشتركة، بحيث لا يجوز للولايات المتحدةالأمريكية وغيرها من الدول، من القفز عليهما وتجاهل وجودهما، وكذلك موضوع التسلح النووي الإيراني، والاعتراف بحقها بامتلاكه، أسوة بدولة الاحتلال الصهيونية. حركة فتح، وبمعنى أدق، السلطة الفلسطينية، فحقيقة هي تسير وفقا للشرعية الدولية، وما تفرضه عليها مواثيقها وقراراتها الدولية، وتتعامل بذكاء مع موازين القوى المحلية والدولية، وتستغل الموقف الأوروبي المتميز نسبيا عن موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية، بدون التنازل عن الحقوق الفلسطينية الوطنية الثابتة، والمتعلقة ببناء الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف، وبحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم وخلافه، ومن أمور أخرى تتعلق بالمستوطنات وإزالتها، وكذلك جدار الفصل العنصري وتداعياته، فالحل إذن يكمن باستقلالية القرار الفلسطيني الداخلي إن أمكن ذلك، وباعتقادي الشخصي هذا صعب ومستحيل تحقيقه، للارتباطات الخارجية للتنظيمات الفلسطينية، كذلك فان التعنت الإسرائيلي والموقف الأمريكي غير الجدي من تصرفاتها اللاشرعية والعدوانية، والتي تعتبر فوق القانون الدولي، يجعل موقف الشعوب، يصب في اللامبالاة، لما يجري، وتدعيم العمل المقاوم والإرهابي، مهما كان نوعه، حتى ان درجة الحقد الشعبي الفلسطيني والعربي وصل بأن يحيوا ويشيدوا ببركان أيسلندة، ويدعون الله يوميا بصلواتهم، بمواصلة ثورانه، ليزيد من خسائر الأوروبيين والأمريكان، ويعتبروا هذا البركان، هو من عند الله، دعما للقوى الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية، اتجاه المواقف الأوروبية والأمريكية الداعمة لدولة الاحتلال الصهيونية. لم نلمس كشعب فلسطيني وكشعوب عربية وإسلامية، أي مواقف أوروبية أو أمريكية تنم عن عدالة حقيقية في مواقفهم الدولية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الدولية الملحة، من هنا، فان الأمل مفقود تقريبا بحل عادل للقضية الفلسطينية برمتها على المدى القصير نسبيا، في ظل موازين قوى مختلفة، ومواقف عربية متخاذلة وغير فاعلة، وطالما العدالة مغيبة عن القضية الفلسطينية، فان أي حل سيفرض على الفلسطينيين، نتيجة لموازين القوى المحلية والعربية والدولية المختلة لصالح العدو الصهيوني، فان كل هذه الحلول لن تكون مجدية ودائمة أو أزلية، فأي تغير في هذه الموازين مستقبلا، لصالح العرب والفلسطينيين، سيقلب الأرض تحت أقدام الصهاينة المحتلين، طال الزمان أو قصر، وستندم إسرائيل على عدم موافقتها على حلول عادلة للقضية الفلسطينية ولقضية اللاجئين، عندما لا ينفع الندم. تحاول إسرائيل، استغلال الموقف الفلسطيني الضعيف، والذي لا يلقى دعما عربيا قويا وحقيقيا ومؤثرا على الولاياتالمتحدةالأمريكية كي تضغط على دولة الاحتلال الصهيوني، والناجم أيضا عن الانقسام الفلسطيني، حتى تحقق كل مكاسبها التي تحلم بها، بالاستيلاء على كل أراضي فلسطين كاملة، والاستيلاء على مدينة القدسالشرقية وتهويدها بالكامل، وجعلها عاصمة أبدية لها، وتبقي للفلسطينيين بعض الكانتونات المعزولة والمحاصرة، تحت اسم دولة مستقلة أو إمبراطورية مستقلة أيضا. في ظل وضع عربي متخاذل، وأنظمة عربية تتمسك بمقاليد حكامها ومصالحهم الشخصية، لا نأمل ولا نتوقع نحن الفلسطينيون بحل لقضيتنا حلا مقبولا وعادلا وشاملا واستعادة لكل حقوقنا، وكل ما نتوقعه، دولة مسخ، على جزء من أرضنا المغتصبة، تكون نواة لدولة فلسطينية مستقبلية، بعد عقود اخرى من الزمن، يمكن قيامها على كامل التراب الفلسطيني بعد القضاء على دولة الاحتلال الصهيونية كلية. قد يفهم البعض هذا الموقف، بأنه موقف متطرف، وحقيقة، هذا شعور كل فلسطيني واقعي وبسيط، وهذا الموقف هو الكفيل بدفع إسرائيل إلى نهايتها، لتزمتها وعنادها ونكرانها، حتى للحد الأدنى لحقوق الفلسطينيين، والتي أقرتها الشرعية الدولية. نحن نعلم جيدا، ان الأوضاع الدولية بشكل عام، ليست ثابتة وأزلية، فكل شيء يتغير ويتبدل، وهذه سمة العصر، والزمن يعمل على تغييرها باستمرار إلى ما هو أفضل، لصالح الشعوب المحرومة والمظلومة والمقهورة، وقوى الحق والعدالة والسلام، طال الزمن أو قصر، وعشرات السنين، لا تشكل شيئا بعمر الشعوب، طالما حافظت على تمسكها بحقوقها وكيانها، وتوارثت هذه الحقوق الأجيال الصاعدة من بعدها. الكثير من الشعوب العربية وشعوب العالم تحررت بعد مئات السنين من النضال المسلح وغير المسلح، ودفعت التضحيات الجسيمة، من دم أبنائها كثيرا، وشعبنا لم يمض على احتلاله بضع سنين وستين عاما، بينما الشعب الجزائري تحرر بعد أكثر من مائة وثمانون عاما من الاحتلال الفرنسي، وكذلك الشعب اليمني والشعب المغربي وغيرهم الكثير من شعوب العالم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولن يضيع حق وورائه مطالب. [email protected]