إنه القائد الأعلى، رئيس هيئة الأركان، في كتائب الشهيد "عزّ الدِّين القسَّام"، المطلوب الأول لقوات الاحتلال الإسرائيلي إنه الشيخ الشهيد صلاح شحادة حيث تم تحديد الموعد؛ وفي المكان المحدد حضرت السيارة، وبكلمة السر التي بحوزتنا أقلتنا إلى مكان ما من قطاع غزة. وفي غرفة صغيرة، جلسنا تحيط بنا قطع من الحديد أشبه بصواريخ القسَّام، وقطعة سلاح "إم - 16"، وتتوسط الغرفة طاولة عليها أوراق كثيرة، ثم دخل الرجل مرحبا بابتسامة عريضة.. فجلس وجلسنا..بهذه الكلمات بدأ أحد الصحفيين الفلسطينيين تقريره حول لقاءه بالشيخ صلاح شحادة وأضاف الصحفي ولأن الوقت محدد بدأنا اللقاء: كيف تختارون الاستشهادي؟ - يتم الاختيار وفقا لأربعة معايير، أولها: الالتزام الديني، ثانيها: رضا الوالدين. فنحن نتحرى أن يكون الشاب الاستشهادي مرضيا لوالديه، ومحبوبا من أسرته، كذلك لا يؤثر على حياة الأسرة عند استشهاده، بمعنى ألا يكون ربّا للأسرة؛ وأيضا أن يكون له إخوة آخرون؛ أي لا نأخذ وحيد أبويه. والمعيار الثالث: القدرة على تنفيذ المهمة التي تُوكَل إليه، واستيعاب شدتها. المعيار الرابع والأخير: أن يكون استشهاده دعوة للآخرين للقيام بعمليات استشهادية، وتشجيعا للجهاد في نفوس الناس. هذه القوالب ليست جامدة، وليست مفصولة عن بعضها، وإنما يرتبط كل واحد منها بالآخر، ونحن نفضل غير المتزوجين دائما. وقيادة المنطقة في الجهاز العسكري للحركة التابع لها هي التي تقوم بدورها في ترشيحه لنا؛ ثم يتخذ القرار بالموافقة عليه أو عدمه. ولكن كيف تفسِّر هذا الإقبال من الشباب على التدافع نحو الانضمام إلى قوائم الاستشهاديين؟ وهل هذا دليل صحة أم هو هروب من حالة الإحباط واليأس التي يعيشها الفلسطينيون؟ - إن إقبال الشباب على نيل الشهادة دليل على صحة ووعي المجتمع الفلسطيني، وليس خطأ أو هروبا من حالة يأس أو إحباط، والأفراد الذين يقبلون على الجهاد كثيرون، ولديهم استعداد لتقديم أرواحهم، وهو أغلى ما يملك الإنسان. وشتان بين من يقدم المال والقربان ومن يقدم روحه في سبيل الله تعالى مقابل سعادة الأمة ليرفع عنها البؤس والشقاء. رغم هذا فإننا لا نستطيع أن نوفِّر لكل إنسان عملية استشهادية يقوم بها؛ لأن الأهداف محدودة وأماكن العدو التي نريد أن نصل إليها محصنة جدّا. وإن لم يلتزم بعض الشبان بقرار الجهاز العسكري، ولم يكن لهم ارتباط رسمي؛ فهذا دليل على أن الأمة أصبحت أمة جهادية؛ وهي على أعتاب التحرر، وترفض الهوان والذل. وكيف تقيمون ظاهرة الاستشهاديين الأطفال؟ - إن قضية روح الجهاد، وإقبال الأطفال على الشهادة قد يُساء استغلالها، ونحن لا نشجِّع أي إنسان أن يقدم على اقتحام مستوطنة بأسلحة بيضاء؛ فلا بد من اختيار الوسيلة المناسبة، ورغم أن هذه الظاهرة ظاهرة صحية، فإنها تحتاج إلى ترشيد، وترشيدها يتم عن طريق توعية الأشبال وتجنيدهم في الجهاز العسكري في قسم خاص، حتى يتم تربيتهم تربية جهادية عسكرية، ومن خلالها يستطيع الشبل التمييز بين الصواب والخطأ، ومتى يستحق أن ينفذ عملية استشهادية ومتى يطلق النار؟. وكيف يحدد الجهاز العسكري الهدف؟ - لدينا مجموعات رصد (استخبارات عسكرية)، مهمتها ملاحقة الدوريات الإسرائيلية والمستوطنين، وملاحظة تحركات العدو على الحدود. ومن ثَم ننتهز أي ثغرة أمنية نجدها في الجدار الأمني للعدو، وبعدها نحدد الهدف، وكيفية الانقضاض عليه، سواء كان مستوطنة، أو موقعا عسكريّا أو سيارة عسكرية إلى غير ذلك. ويتم تصوير هذا الهدف عبر كاميرات الفيديو، ثم يعرض على لجنة تحددها هيئة أركان العمل العسكري، وبعد إقرارها يتم تدريب الاستشهادي المنفِّذ على الهدف بعد معاينته، وبالتالي تكون العملية جاهزة للتنفيذ، بعد أن يقرر الخطة مجموعة من الخبراء، وتحدد عوامل النجاح والفشل. هل يمكن تقديم نماذج من هذه العمليات؟ - كتب لنا الشهيد الريَّان العديد من الرسائل يطالبنا فيها بضمه إلى قائمة الاستشهاديين، وهو يُعتبر أول استشهادي من الأشبال؛ فهو لم يُكمل بعدُ عامه السابع عشر. وكنا قد رصدنا مستوطنة إيلي سيناي، وقمنا بتصويرها مباشرة عن طريق الشهيد جهاد المصري، وزميل له استشهد في مستوطنة دوغيت فيما بعد. واستطاعا تصوير الموقع العسكري من الداخل، ثم قاما بالتصوير بالفيديو - من داخل موقع عسكري مهجور - لسيارات المستوطنين، وأماكن دخول كل من الشهيد إبراهيم وعبد الله شعبان. وبعد أن تم التصوير، أُخبر إبراهيم بالهدف، وتم تدريبه على الهدف وطبيعة المهمة الملقاة على عاتقه. ونحن في هذه المناسبة نودُّ أن نعرب عن فخرنا بجهاز الرصد الخاص بالكتائب، الذي حقَّق الكثير بفضل الله سبحانه وتعالى. وفي عملية دوغيت المشابهة، بات أفراد جهاز الرصد في داخل الموقع حتى اقتربا تماما من طريق حركة السيارات الإسرائيلية؛ وكان معهما جهاز اتصال بقائد المجموعة، وأخبراه بطريقة حركة السيارات، وقالا له مثلا: هذه سيارة مصفحة تمر أمامنا ولم نطلق النار.. وهذا جيب مصفح لم نطلق عليه النار.. وهذا جيب قادم.. سنطلق!! وفعلا أطلقا النار على الجيب العسكري؛ وكان يحمل عالما نوويّا صهيونيّا، وأحد أكبر عشرة علماء في داخل الكيان الصهيوني، وقتلوه وأطلقوا النار من وسط الشارع الرئيسي لطريق المستوطنين؛ لأنهم باتوا في داخل المستوطنة. وكانت هذه فاتحة خير لعمليات أخرى نفذها الشهداء مازن بدوي، ومحمد عماد، وغيرهما.. وكانت العملية المشجعة لعملية الشهيد محمد فرحات. لا نقاتل اليهود لأنهم يهود وما الضوابط التي تحكم اختياركم للأهداف؟ وماذا عن قتل المدنيين الإسرائيليين؟ - نحن لا نستهدف الأطفال أو الشيوخ أو المعابد، رغم أن هذه المعابد تحرض على قتل المسلمين، ولم نستهدف المدارس؛ لأننا لا نأمر بقتل الأطفال، وكذلك المستشفيات، رغم أنها سهلة وأمامنا. فنحن نعمل وفق مبادىء جهادية نلتزم بها وشعارنا: إننا لا نقاتل اليهود لأنهم يهود، وإنما نقاتلهم لأنهم محتلون لأرضنا، ولا نقاتلهم لعقيدتهم، وإنما نقاتلهم لأنهم اغتصبوا أرضنا. ومن يسقط من الأطفال فذلك خارج عن إرادتنا. كيف تحصلون على الأسلحة وكيف تنقل إلى مكان العملية؟ - الإعلان عن تفاصيل العملية مضر جدّا بالحركة؛ لذلك نحن سنحتفظ بتفاصيلها؛ وسنطرحها للجيل القادم؛ وكل ما أستطيع أن أذكره أنها استغرقت 3 أشهر ونصف شهر من الرصد، وأدخلنا كافة المعدات القتالية عن طريق أضخم وأدق وأصعب الحواجز العسكرية في القطاع الذي لا يستطيع الإنسان العادي أن يُدخل هاتفه الجوال من خلالها، ولكن بفضل الله تعالى استطعنا أن ندخل الرشاشات، والكلاشينات، وأمشاط الذخائر، واحتياجات العملية كافة. كم تتكلف العملية الاستشهادية؟ - تكاليف العملية تتفاوت حسب نوعها. فعملية هجوم بالسلاح الأتوماتيكي تكلفتها هي ثمن السلاح مع الذخيرة التي لا تقل عن 250 طلقة، بالإضافة إلى عشر قنابل يدوية تقريبا. ولكن بعض العمليات تحتاج إلى تكاليف أكبر، تشمل عملية توصيل ودفع أموال وشراء سيارات وشراء ذمم من اليهود. وبعض العمليات تكلفنا ثمنا باهظا، بالإضافة إلى الأموال التي تترواح ما بين 3500 دولار إلى 50 ألف دولار أمريكي حسب المستهدف. من هو الشهيد صلاح شحادة؟ الاسم: صلاح مصطفى محمد شحادة. البلد الأصلي: يافا - من مواليد بيت حانون شمال قطاع غزة. التعليم الابتدائي والإعدادي: في مدارس بيت حانون. التعليم الثانوي: في مدرستي فلسطين ويافا الثانوية بمدينة غزة. المؤهل الجامعي: بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية من جمهورية مصر العربية. نزحت أسرته إلى قطاع غزة من مدينة يافا بعد ان احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، حيث أقامت في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين. في عام 1958 دخل صلاح المدرسة الابتدائية التابعة لوكالة الغوث وهو في سن الخامسة، درس في بيت حانون المرحلة الإعدادية، ونال شهادة الثانوية العامة بتفوق من مدرسة فلسطين في غزة. لم تسمح له ظروفه المادية بالسفر إلى الخارج لإكمال دراسته العليا وكان حصل على قبول لدراسة الطب والهندسة في جامعات تركيا وروسيا. ألتحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في الإسكندرية، وفي السنة الثالثة بدأ التزامه بالإسلام يأخذ طابعاً أوضح. بدأ العمل في الدعوة إلى الإسلام فور عودته من مصر إلى قطاع غزة. اعتقلته سلطات الاحتلال في العام 1984 للاشتباه بنشاطه المعادي للاحتلال الصهيوني غير أنه لم يعترف بشيء ولم يستطع الصهاينة إثبات أي تهمة ضده أصدروا ضده لائحة اتهام حسب قانون الطوارىء لسنة 1949، وهكذا قضى في المعتقل عامين. بعد خروجه من المعتقل في العام 1986 شغل منصب مدير شؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية إلى أن قررت سلطات الاحتلال إغلاق الجامعة في محاولة لوقف الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في العام 1987، غير أن الشيخ صلاح شحادة واصل العمل في الجامعة حتى اعتقل في أغسطس 1988. في 18-8-1988م، واستمر التحقيق حتى 26-6-1989 في سجن السرايا، ثم انتقل من زنازين التحقيق إلى غرف الأسرى، وفي 14-5-1989م أعيد إلى زنازين التحقيق بعد أن تم الاعتراف عليه بمسؤولية الجهاز العسكري لحركة حماس، واستمر التحقيق لمدة 200 يوم، وبذلك بلغ مجمل التحقيق معه حوالي عام كامل، وكانت التهم الموجهة إليه المسؤولية عن الجهاز العسكري لحماس، وإصدار أوامر باختطاف الجنديين (سبورتس، وسعدون)، ومسؤولية حماس، والجهاز الإعلامي في المنطقة الشمالية، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات على تهمة مسؤولية حماس والجهاز الإعلامي في المنطقة الشمالية، أضيفت إليها ستة أشهر بدل غرامة رفض الشيخ المجاهد أن يدفعها للاحتلال. وبعد انتهاء المدة حول إلى الاعتقال الإداري لمدة عشرين شهرا ليتم الإفراج عنه في 14-5-2000. الشيخ صلاح شحادة هو مؤسس الجهاز العسكري الأول لحركة المقاومة الإسلامية حماس والذي عرف باسم المجاهدون الفلسطينيون ، ووجهت لهم تهم تشكيل خلايا عسكرية وتدريب أفرادها على استعمال السلاح، وإصدار أوامر بشن هجمات ضد أهداف عسكرية اسرائيلية. وشحادة متزوج، وعندما دخل السجن كان لديه ست بنات، عمر أكبرهن عشر سنوات، وخرج وله ستة أحفاد. حاز على الحزام البني في المصارعة اليابانية أثناء دراسته في الإسكندرية، ومارس رياضة رفع الأثقال في فترة ما قبل الجامعة. وصية الشهيد الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا أب القاسم محمد بن عبد الله أما بعد.. فهذه وصية شرعية أدعو من يقرؤها إلى تنفيذها بكل ما يرد فيها: أولاً: أوصيكم بتقوى الله والجهاد في سبيله وأن تجعلوافلسطين أمانة في أعناقكم وأعناق أبنائكم إلى أن يصدح الآذان في شواطئ يافا وحيفا وعسقلان. ثانياُ: أوصي في كل أموالي وديوني التي ستفصل في ملحق خاص بتنفيذ حكم الله فيها وذلك بعرض تفاصيل ما يتصل بأموالي وديوني على عالم شرعي مختص من أتقياء المسلمين. ثالثاً: أؤكد بتنفيذ المواريث حسب شرعنا الحنيف. رابعاً: أوصي أن يتولى غسلي إن غسلت الأخ نزار ريان فإن لم يكن فالأخ عبدالعزيز الكجك، على أن يسترا عورتي ويحفظا سري حفظهما الله وأن يتولى لحدي في قبري أحد الأخوين المذكورين. خامساً: تنتهي التعزية بي عند قبري وإني بريء من كل من يقوم بنصب مأتم لي ، وأبرأ إلى الله من كل عمل يخالف شرع الله من النياحة أو اللطم أو شق الجيوب أو نتف الشعور أو تكبير صوري ووضعها على الجدران. سادساً: أوصي أهلي وزوجتي وذريتي بالدعاء لي بالمغفرة والستر وأن يسامحوني من أي عمل يجدونه في خواطرهم علي سببته. سابعا: أن يكون قبري بجوار قبور الصالحين ما أمكن، وألا يبنى قبري أو يجصص، أو يكتب عليه الشهيد وإن استشهدت فالله أعلم بعباده. واخيرا أدعو الله تعالى أن يرحمني وإياكم، وإلى لقاء عند رب غفور رحيم كريم بإذنه تعالى.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب صلاح بن مصطفى بن محمد شحادة بتاريخ 20 صفر 1422 ه شهد عليه الشيخ.. الراية القطرية- الأربعاء24 /7/2002 فلسطين - غازي حمد: