المبادرة والمسارعة لفعل الخيرات صفة وسلوك وقيمة، كلما اجتهد تنظيم أو مجتمع في إشاعتها وتثمينها زادت فاعليته وتحسنت مردوديته. وعلى الهيئات والمنظمات أن تستحضر أثناء عملية الإعداد التربوي والبناء الفكري تخريج الشخص الرسالي المبادر، لكي يستوعب الجميع أن الانتماء إلى تلك الهيئات، بدايته الانتساب وغايته الارتقاء والسمو نحو قوة الانخراط الذاتي والمسارعة في الخيرات. إن العضو الرسالي، هو ذلك العضو الذي ينتسب للجماعة، ويؤمن بقيمها، ويجتهد في استيعاب أفكارها، وينضبط لقراراتها، ويعمل فوق هذا وذاك على تفعيل دوره الفردي في إنجاز مشروعها، ويسأل في كل وقت وحين عن إضافاته النوعية في مسيرتها، وعن عمله اليومي لأجل تطورها ونجاحها. فلا ينتهي دوره بانتهاء لقاء أو بحضور اجتماع، وإنما تبقى روح العمل فيه متوقدة حية ومتجددة العطاء، بلا فتور أو استرخاء. وقد تشكل الاجتماعات التنظيمية ولقاءات العمل، مجالا خصبا وفضاء مساعدا على تنمية روح المبادرة، ومحاربة الانتظارية عند الأعضاء. و يظهر بشكل جلي التفاوت في مستوى الانخراط والفاعلية عند ثلاثة أصناف: الصنف الأول: "حاضر غير مشارك"، يتابع سير الأعمال وبلورة الخلاصات، ولا يساهم في أي فقرة من فقرات الاشتغال. وبعد اللقاء يدخل في حالة انتظار للتوجيهات والتفسيرات لكيفية تنزيل القرارات. الصنف الثاني: "حاضر مشارك"، وتكون المشاركة إما منتجة، من خلال الإسهام في مناقشة الأفكار والمقترحات وطرق تنزيلها، وإما مشاركة معرقلة، لا يترك صاحبها فقرة ولا فكرة إلا وله عليها ملاحظة أو تحفظ بشكل يتجاوز الترشيد والتصويب إلى العرقلة والاعتراض من حيث لا يشعر ولا يقصد. الصنف الثالث: "صاحب المبادرات الاستباقية"، التي تبدأ حتى قبل حضور الاجتماع، وإذا حضر اللقاء استصحب معه مقترحات على شكل بدائل وخيارات يدلي بها لتجاوز حالة النقاش غير المنتج. ويكون شعاره" المبادرات قد تغني عن المناظرات ". وبعد الاجتماع ينشغل بالانتقال إلى الأعمال والمسارعة لفعل الخير، والمنافسة مع المبادرين الآخرين بحماس وإقدام وانشراح في الصدر. ولقد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، قدوة ونموذجا في ذلك، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن نتصدَّقَ، فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا، فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا. قالَ فَجِئْتُ بنِصفِ مالي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ:" ما أبقيتَ لأَهْلِكَ؟ قلتُ مثلَهُ. وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ:" يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ؟ فقالَ أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ. قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا ". (صحيح الترمذي) وفي الأخير إذا كانت المبادرة والمسارعة إلى الخيرات تعود بالنفع العظيم على الفرد ضمن من وصفهم الله تعالى في الآية الكريمة: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ "، فإن الأثر الايجابي يصل كذلك للتنظيم، الذي تتحسن مردوديته، وترتفع فاعليته على قدر ما يكثر فيه المبادرون المسارعون في الخيرات.