المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهجد وقيام الليل
نشر في مغرب سكوب يوم 12 - 08 - 2010

أولاً:مفهوم التهجد، يقال: هجد الرجل إذا نام الليل، وهجد إذا صلى بالليل. وأما المتهجِّد فهو القائم إلى الصلاة من النوم(انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الدال، فصل الهاء، 3/432، والقاموس المحيط للفيروز آبادي، باب الدال، فصل الهاء، ص418.). ثانياً:صلاة التهجد سنة مؤكدة(مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، 11/296.)، ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، قال الله -عز وجل- في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [سورة الفرقان، الآية: 64]. وقال الله –عز وجل- في صفة المتقين: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [سورة الذاريات، الآيتان: 17-18] وقال تعالى في أصحاب الإيمان الكامل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، فَلاتَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[سورة السجدة، الآيتان: 16-17]. وقال سبحانه:{يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}[سورة آل عمران، الآية: 113]. وقال سبحانه وتعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}[سورة آل عمران، الآية: 17].ووصف الله –عز وجل- أهل الإيمان الكامل الذين يقومون بالليل بالعلم، ورفع مكانتهم على غيرهم، فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًايَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [سورة الزمر، الآية: 9]؛ ولعظم شأن صلاة الليل قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْزِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}[سورة المزمل، الآيات: 1-4].وقال سبحانه:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [سورة الإسراء، الآية: 79]،وقال –عز وجل-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} [سورة الإنسان، الآيات: 23-26]. وقال سبحانه وتعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [سورة ق، الآية 40].وقال عز وجل:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}[سورة الطور، الآية: 49]، وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ”أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل“(مسلم، كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم، برقم 1163 من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.).
ثالثاً:فضل قيام الليل عظيم؛ للأمور الآتية:
1- عناية النبي صلى الله عليه وسلم بقيام الليل حتى تفطرت قدماه:فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في القيام اجتهاداً عظيماً، فعن عائشة – رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ”أفلا أحب أن أكون عبداً شَكُورا“(متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الفتح، باب قوله:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} برقم 4837، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم 2820.)، وعن المغيرة – رضي الله عنه - قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورَّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ”أفلا أكون عبداً شكورا“"(متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الفتح، باب قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} برقم 4836، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم 2819.).
وقد أحسن القائل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
وفينا رسول الله يتلو كتابه.... إذا انشق معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه.... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
2- من أعظم أسباب دخول الجنة:فعن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: لما قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبَلَه، وقيل: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فجئت في الناس؛ لأنظر، فلما تبيَّنت وجْهَهُ عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أول شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال: ”يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام“(أخرجه ابن ماجة).
وقد أحسن القائل حين قال:
ألهتك لذةُ نومةٍ عن خير عيشٍ.... مع الخيرات في غرف الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيها..... وتنعم في الجنان مع الحسانِ
تيقظ من منامك إنَّ خيراً.... من النوم التهجد بالقرآن
(قيام الليل للإمام محمد بن نصر المروزي ص90، والتهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا ص317، وقيل الأبيات لمالك بن دينار.)
3- قيام الليل من أسباب رفع الدرجات في غرف الجنة: لحديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن في الجنة غُرفاً يُرى ظَاهرُها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام، وتابع الصيام(تابع الصيام، أي أكثر منه بعد الفريضة بحيث تابع بعضها بعضاً ولا يقطعها رأساً، وقيل: أقله أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، 6/119.)، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام“(أحمد، 5/343،.).
4-المحافظون على قيام الليل محسنون مستحقون لرحمة الله وجنته:لأنهم {كَانُواقَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [سورة الذاريات، الآيتان:17، 18].
5- مدح الله أهل قيام الليل في جملة عباده الأبرار عباد الرحمن، فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [سورة الفرقان، الآية: 64].
6- شهد لهم بالإيمان الكامل فقال سبحانه: {إِنَّمَايُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْبِهَا خَرُّواْ سُجَّدًا وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[سورة السجدة، الآيات: 15-17].
7- نفى الله التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم، فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًايَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [سورة الزمر، الآية: 9].
8- قيام الليل مكفِّر للسيئات ومنهاة للآثام: لحديث أبي أمامة –رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قُربة إلى ربكم، ومكفِّر للسيئات، ومنهاة للآثام“(الترمذي، كتاب الدعوات، باب فتح له منكم باب الدعاء، برقم 3549، والحاكم، 1/308، والبيهقي، 2/502، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 2/199، برقم 452، وفي صحيح سنن الترمذي، 3/178.).
9- قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة:لحديث أبي هريرة –رضي الله عنه- يرفعه، وفيه: ”أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل“(مسلم، برقم 1163).
10- شرف المؤمن قيام الليل:لحديث سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ”يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به“ ثم قال: ”يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزُّه استغناؤه عن الناس“(أخرجه الحاكم 4/325.).
11- قيام الليل يُغْبَطُ عليه صاحبه:لعظم ثوابه، فهو خير من الدنيا وما فيها؛ لحديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار“؛ولحديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها“(متفق عليه..).
12- قراءة القرآن في قيام الليل غنيمة عظيمة:لحديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين(المقنطرين: أي ممن كتب له قنطار من الأجر، الترغيب والترهيب للمنذري، 1/495.)“( أبو داود، كتاب شهر رمضان، برقم 643.).وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خَلِفَاتٍ عظام سمانٍ"؟ قلنا: نعم، قال: ”ثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان“(مسلم، كتاب صلاة المسافرين، ، برقم 802.).
وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم أقصى مدة وأدنى زمن يُختم فيه القرآن لعبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- عندما سأله، فقال له:”في أربعين يوماً“ ثم قال:”في شهر“ ثم قال:”في خمس عشرة“ ثم قال:”في عشر“ثم قال: ”في سبع“(سنن أبي داود، كتاب شهر رمضان، باب تحزيب القرآن، برقم 395، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/262.). قال: إني أقوى من ذلك، قال: ”لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث“(أبو داود، كتاب شهر رمضان، باب في كم يقرأ القرآن، برقم 1390، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/261.).
رابعاً:أفضل أوقات قيام الليل الثلث الآخر: وصلاة الليل تجوز في أوله، وأوسطه، وآخره؛ لحديث أنس –رضي الله عنه- قال: ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته، ولا نائماً إلا رأيته“(البخاري، كتاب التهجد، برقم 1141.).وهذا يدل على التيسير، فعلى حسب ما تيسر للمسلم يقوم، ولكن الأفضل أن يكون القيام في الثلث الآخر من الليل؛ لحديث عمرو بن عبسة –رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ”أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن“(الترمذي، كتاب الدعوات.). ومما يزيد ذلك وضوحاً حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ [فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر]“( متفق عليه).
وعن جابر – رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إن في الليل لساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة“(مسلم، كتاب صلاة المسافرين ، برقم 757.).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:”أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفرُّ إذا لاقى“(متفق عليه).
وعن عائشة – رضي الله عنها- قالت حينما سُئلت: أي العمل كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ(متفق عليه).وفي حديثها الآخر – رضي الله عنها-:”إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوقظه الله من الليل فما يجيء السَّحر حتى يفرغ من حزبه“(أبو داود، كتاب التطوع).
خامساً:عدد ركعات قيام الليل: ليس له عددٌ مخصوص؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ”صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى“(متفق عليه.).
ولكن الأفضل أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة – رضي الله عنها- قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة“(مسلم، برقم 736،.)؛ ولحديثها الآخر: ”ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة“(متفق عليه.).
سادساً: آداب قيام الليل:
1- ينوي عند نومه قيام الليل: وينوي بنومه التَّقَوِّي على الطاعة ليحصل على الثواب على نومه؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه“(النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار.). ولحديث أبي الدرداء – رضي الله عنه- يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبتْهُ عيناه حتى أصبح، كُتِبَ له ما نوى، وكان نومُهُ صدقةً عليه من ربه عز وجل“(النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار،.).
2- يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ: ويذكر الله، ويتوسل ويقول:”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربِّ اغفر لي“؛ لحديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب [له]( ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/41 أن قوله "له" زادها الأصلي، قال: "وكذا في الروايات الأخرى" قلت: زادها ابن ماجه في سننه برقم 3878، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/335.)“( البخاري، كتاب التهجد، ، برقم 1154.).
وفي حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال:”... استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران...“( مسلم،.)، وعن حذيفة – رضي الله عنه- قال: ”كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك“(متفق عليه: البخاري، برقم 245،.)، ويقول أذكار الاستيقاظ من النوم الأخرى(انظر: حصن المسلم، للمؤلف ص12-16.)، ويتوضأ كما أمره الله تعالى.
3- يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين:لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين"( مسلم، كتاب صلاة المسافرين، برقم 767.)؛ ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين“(مسلم، كتاب صلاة المسافرين، برقم 768.).
4- يُستحب أن يكون تهجده في بيته:لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجَّد في بيته؛ ولحديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”...فعليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة“(متفق عليه).
5- المداومة على قيام الليل وعدم قطعه:يُستحب أن يكون للمسلم ركعات معلومة يداوم عليها، فإذا نشط طوَّلها وإذا لم ينشط خفَّفها، وإذا فاتته قضاها؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملُّ حتى تملوا“وكان يقول:”أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ“(متفق عليه)؛ ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما- قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:”يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل“(متفق عليه). ولحديث عائشة – رضي الله عنها- قالت:"...وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحبّ أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"( مسلم، برقم 746، وتقدم تخريجه.)؛ ولحديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتِبَ له كأنما قرأه من الليل“(مسلم، برقم 747، وتقدم تخريجه.).
6- إذا غلبه النعاس ينبغي له أن يترك الصلاة وينام حتى يذهب عنه النوم:لحديث عائشة – رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه“(متفق عليه)؛ ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- يرفعه: ”إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدرِ ما يقول فليضطجع“(مسلم، برقم 787، وتقدم تخريجه.).
7- يُستحب له أن يوقظ أهله:لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل فإذا أوتر قال لعائشة – رضي الله عنها-: ”قومي فأوتري يا عائشة“(متفق عليه.)؛ ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء“(النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار،.).وعن أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات“(ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة،.).
وعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً فقال:”ألا تصليان“؟ فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ولم يرجع إلي شيئاً، ثم سمعته وهو مدبرٌ يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}( متفق عليه).
قال ابن بطال – رحمه الله-:"فيه فضيلة صلاة الليل، وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك"( نقلاً عن فتح الباري، لابن حجر، 3/11.)،وقال الطبري – رحمه الله-:"لولا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابن عمه، في وقت جعله الله لخلقه سكناً، لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدعة والسكون، امتثالاً لقول الله تعالى(نقلاً عن فتح الباري، لابن حجر، 3/11.):{وَأْمُرْأَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَالاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[سورة طه، الآية: 132]. وقول علي – رضي الله عنه-:"إنما أنفسنا بيد الله" اقتبس علي – رضي الله عنه- ذلك من قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[سورة الزمر، الآية: 42]، وقوله"بعثنا"المقصود: أيقظنا(انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/11.)، وقوله: "طرقه"، ذكر النووي – رحمه الله- أن الطرق هو الإتيان في الليل، وأن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لفخذه المختار في معناه: أنه من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار، ولهذا ضرب فخذه، والحديث فيه: الحث على صلاة الليل، وأمر الإنسان صاحبه بها، وتعهد الإمام والكبير رعيته، بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وأنه ينبغي للناصح إذا لم تقبل نصيحته أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يعنف إلا لمصلحة(انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 6/311، وفتح الباري لابن حجر، 3/11.).
وعن أم سلمة – رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً، فقال:”سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن؟ وماذا أُنزِل من الفتن؟ أيقظوا صواحب الحجرات – يريد أزواجه- لكي يصلين، رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة“. وفي لفظ: ”ماذا أنزل الليلة“؟(فتح الباري، 3/11.). قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله-:"... فيه التحريض على صلاة الليل وعدم الإيجاب يؤخذ من ترك إلزامهن بذلك"( البخاري، كتاب العلم، باب العلم والعظة بالليل، برقم 7079.). وفي الحديث استحباب ذكر الله عند الاستيقاظ، وإيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة، لا سيما عند آية تحدث(انظر: فتح الباري، 3/11.)،قال ابن الأثير – رحمه الله-:"رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة" هذا كناية عما يقدمه الإنسان لنفسه من الأعمال الصالحة، يقول: "رُبَّ غني في الدنيا لا يفعل خيراً، وهو فقير في الآخرة، ورُبَّ مُكتسٍ في الدنيا ذي ثروة ونعمة عارٍ في الآخرة شقيٌّ"( موطأ الإمام مالك)
وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أن أباه عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ثم يتلو هذه الآية:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}( جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، 6/68.).
8 يقرأ المتهجد جزءًا من القرآن أو أكثر:أو أقل على حسب ما تيسر مع التدبر لما يقرأ، وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة أو كان بحضرته من يستمع قراءته، أو ينتفع بها فالجهر أفضل، وإن كان قريباً منه من يتهجد، أو من يتضرر برفع صوته، فالإسرار أولى ، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا؛ فليفعل ما شاء(انظر: المغني لابن قدامة، 2/562.).
وقد دلت الأحاديث على هذا كله، فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال حتى هممت بأمر سوءٍ, قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه"( متفق عليه). وعن حذيفة – رضي الله عنه- قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ..."( مسلم، كتاب صلاة المسافرينبرقم 772.)، وعن عوف بن مالك الأشجعي – رضي الله عنه- قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: ”سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة“ ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة"( أبو داود، كتاب الصلاة).وعن حذيفة – رضي الله عنه- أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فصلى أربع ركعات، فقرأ فيهن:"البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة أو الأنعام"( أبو داود، كتاب الصلاة).
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- أن رجلاً قرأ المفصَّل في ركعة فقال له:"هذّاً كهذِّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين من آل حم في كل ركعة"( متفق عليه).وفي لفظ:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهن اثنتين اثنتين في كل ركعة"وقال:"عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم: {حم} الدخان، و{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}( البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، برقم 4996، ورقم 5043.).وفي لفظ لمسلم: "عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تآليف عبد الله"( مسلم، برقم 276 –(722) وتقدم تخريجه.).وفي لفظ لمسلم: "... هذّاً كهذِّ الشعر؛ إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع، وإن أفضل الصلاة الركوع والسجود، إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن..."( مسلم، برقم 275-(722).).
وعن عائشة – رضي الله عنها- قالت: "قام رسول الله بآية من القرآن ليلة"( الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في قراءة الليل، برقم 448، وصحح إسناده الألباني في صحيح الترمذي، 1/140). وعن أبي ذر – رضي الله عنه- قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها، والآية:{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}( ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها).
وهذا يدل على التنويع في القراءة في صلاة الليل على حسب ما يفتح الله به على عبده وعلى حسب الأحوال وقوة الإيمان.
وأما الجهر بالقراءة والإسرار بها في قيام الليل، فعن عائشة – رضي الله عنها- أنها سُئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يجهر أم يسرّ؟ فقالت: "كل ذلك قد كان يفعل ربما جهر وربما أسرَّ"( أبو داود، كتاب الوتر، باب في وقت الوتر، برقم 1437). وعن أبي قتادة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر:”يا أبا بكر، مررت بك وإنك تصلي تخفضُ صوتك“ قال: قد أسمعتُ من ناجيتُ يا رسول الله، قال:”ارفع قليلاً“وقال لعمر: ”مررت بك وأنت تصلي رافعاً صوتك“فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، قال:”اخفض قليلاً“(أبو داود، كتاب التطوع، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، برقم 1329.).
وعن عائشة – رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ من الليل، فقال: ”يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا، آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا“ وفي لفظ: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءة رجل في المسجد فقال:”رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أُنسيتها“"(متفق عليه).والقرآن إذا صلَّى به الحافظ له بالليل والنهار ذكره؛ لحديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت“(متفق عليه)
9- جواز التطوع جماعة أحياناً في قيام الليل:لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة وصلى منفرداً؛ لكن كان أكثر تطوعه منفرداً، فصلى بحذيفة مرة(مسلم، برقم 772،.)، وابن عباس مرة(متفق عليه)وبأنس وأمه واليتيم مرة(مسلم، برقم 658، وتقدم تخريجه.)، وبابن مسعود مرة(متفق عليه)، وبعوف بن مالك مرة(.. أبو داود، برقم 873، والنسائي برقم 1049،.)، وصلى بأنس وأمه، وأم حرام خالة أنس مرة(مسلم، برقم 660،.)، وصلى بعتبان بن مالك وأبي بكر مرة(متفق عليه)، وأمَّ أصحابه في بيت عثمان مرة(انظر: المغني لابن قدامة، 2/567.) ولكن لا يتخذ ذلك سنة راتبة، وإنما إذا فعل ذلك أحياناً فلا بأس، إلا صلاة التراويح فإن الجماعة فيها سنة دائمة(انظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص98.).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.