ما مفهوم المسارعة إلى الخيرات وما مجالاتها، وكيف تحدث عنها القرآن الكريم؟ وكيف سارع الأنبياء إلى الخيرات؟، أسئلة أجاب عنها الداعية حسن الموس في محاضرة له، نظمتها حركة التوحيد والإصلاح في إطار سلسلة سبيل الفلاح الجمعة المنصرم بمقرها المركزي بالرباط.. قال الداعية حسن الموس المسارعة إلى الخيرات من المواضيع التي جاءت في القرآن الكريم والتي يحسن بنا البحث عنها وعن مرادفاتها، لأن لها حسبه حمولة كبيرة في ميزان الله عز وجل، موضحا أنه ثمة مفاتيح كبرى في كتاب الله عز وجل لا بد للمؤمن ولا بد لمن يشتغل على كتاب الله عز وجل أن يقف عندها ويعرف المطلوب منا نحن المسلمين من خلالها، قائلا «ا بد أن نقف على هذا المصطلح ونسعى لتأمله، لأن في ذلك خير كثير بإذن الله عز وجل للمسلم وللأمة». وأفاد الموس أن المسارعة وردت في القرآن الكريم صريحة بألفاظ مختلفة ك }سارعوا{ و}يسارعون{ و}ونسارع{...، كما وردت بمرادفتها سابقوا، يسابقون، فاستبقوا...، وردت أيضا بألفاظ تحتمل معنى المسارعة. معنى المسارعة وقال ابن عطية وهو من علماء المغرب في المحرر الوجيز، حسب الموس: المسارعة المبادرة وهي مفاعلة، إذ الناس كأن كل واحد يسرع ليصل قبل غيره، فبينهم في ذلك مفاعلة.“ والمفاعلة يقول المتحدث لابد أن تكون بين اثنين على الأقل، قائلا «فهي إذن المبادرة إلى الطاعات والسبق إليها والاستعجال في أدائها، وعدم الإبطاء فيها أو تأخيرها». آيات المسارعة وأوضح عضو قسم التربية الوطني لحركة التوحيد والإصلاح أن الآيات التي تحدثت عن المسارعة إلى الخيرات في القرآن الكريم متعددة وكثيرة ومنها قوله تعالى }وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ البقرة: 148. وهذه الآية يفسر الموس نزلت في القبلة وتغيير القبلة وما أثاره اليهود والمنافقون حولها، عندما قالوا لماذا غيرت القبلة وهل الصلاة الأولى باطلة فالله تعالى حسم الأمر بقوله» وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا» ثم قال بعدها» فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ»، الله عز وجل يأمرنا بأن نستبق إلى الخيرات. يقول المتحدث. ومن الآيات التي تحتنا على المبادرة إلى فعل الخيرات قوله تعالى }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ. وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{ المؤمنون: 60 - 62، وفسر الموس الآية قائلا «من يسارع إلى الخيرات سيصل وسيكون من الأوائل بإذن الله تعالى، ومن تأخر وأبطأ وتكاسل، أكيد أنه لن يصل، إلى الذين سبقوه إلى الأعمال الصالحة»، مضيفا أن الله تعالى مدح المسارعين إلى الخيرات بقوله تعالى }وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ آل عمران: 133 ، 134، وفي الآية يفسر الموس أمر من الله تعالى بأن نسارع إلى المغفرة والى الجنة بما يستحقان به، موضحا أن الله عز وجل جعل للجنة شروطا لابد أن تكون من أهل الجنة، ولا بد أن تعمل عمل أهل الجنة لكي تفوز بها، ويعنى الإقبال على ما تستحق به هذه الجنة، حسبه أن الله تعالى يثيبنا بفضله ويدخلنا به الجنة، مذكرا أن الله تعالى لو عاملنا بالعدل لن ينجوا منا أحد، لأننا حسبه غارقون في نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، ولكن مع ذلك الله تعالى رحمة بنا يقول» تلكم الجنة بما كنتم تعملون»، بمعنى أن الله تعالى يبارك في أعمال الخير ويتقبله سبحانه وتعالى. نماذج المسارعة وأشار الموس أن القرآن الكريم تحدث عن الأنبياء والصالحين في المسارعة إلى الخيرات كقوله تعالى }وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{ الأنبياء: 89 90، وإبراهيم وإسماعيل عندما سارعا إلى تنفيذ الأمر الإلهي وقال الله عز من قائل في حقهم }فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{ الصافات: 102، وعندما عجل موسى عليه السلام من أجل لقاء ربه سبحانه طمعا في رضاه لقوله تعالى: }وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى. قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى{ طه: 83، 84، وعن الآية قال ابن عطية حسب الموس «رأى موسى على جهة الاجتهاد أن يتقدم وحده مبادراً إلى أمر الله تعالى ، وحرصاً على القرب منه وشوقاً إلى مناجاته ، واستخلف هارون على بني إسرائيل " موضحا أنه صار على الألسن خير البر عاجله... مواقف للرسول وأورد الموس بعض المواقف التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم في المسارعة إلى الخيرات ومنها حديث النبي الأكرم الذي رواه البخاري عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ. فوائد القصة عند ابن حجر حسب الموس هي الْمُكْث بَعْد الصَّلَاة لَيْسَ بِوَاجِبٍ، و التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ مُبَاحٌ، والتَّفَكُّر فِي الصَّلَاة فِي أَمْرٍ لَا يَتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ لَا يُفْسِدهَا وَلَا يُنْقِص مِنْ كَمَالِهَا، و إِنْشَاء الْعَزْم فِي أَثْنَاء الصَّلَاة عَلَى الْأُمُور الْجَائِزَة لَا يَضُرّ(قصة عمر والجيش)، وإِطْلَاق الْفِعْل عَلَى مَا يَأْمُر بِهِ الْإِنْسَان. موانع المسارعة ومن الأحاديث حول المبادرة إلى فعل الخيرات حسب الموس ما رواه الترمذي عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:“بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ“. وأبرز الموس أن من أعظم المعوقات والموانع من الأعمال الصالحة، الفتن الخاصة، أو الفتن العامة، والحديث يفسر أنه أخبر عن بعض الفتن والمعيقات التي تحول بين المسلم وبين العمل الصالح ... ويحث على المبادرة للعمل الصالح قبل حلولها. روى مسلم أيضا عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا». ومن مجالات المبادرة يوضح الموس المسابقة للصلاة، الوصية قبل حلول الأجل، المبادرة لزيارة المرضى قبل فوات الأوان.