في صلاتهم خاشعون (4) المسارعة إلى الخيرات الحرص على طاعة الله، والسعي الدؤوب للتقرب إليه، والبعد عما يشغل عنه سبحانه، والتوجُّهُ إليه في كل وقت وحين بالدعاء رغبا ورهبا. كل ذلك مما يثمر الخشوع لله عز وجل. قال تعالى:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). أما الغرق في هموم الدنيا، ونسيان الله والدار الآخرة فهو من أهم ما ينسي العبد ربه والخشوع بين يديه. إن من طبع الطاعة أن تثمر الطاعة، فالعزم على التوبة من الخير الذي يعقبه ما تعلمه من المغفرة والرضوان، والرحمة بالخلق من الخير الذي يؤهل صاحبه للكون مع المرحومين، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:غُفر لامرأة مُومِسَة، مرت بكلب على رأس رَكِيٍّ أي بئر يلهث، قال:كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك. وهذا المعنى اللطيف من أهم ما يستفاد من الحديث القدسي في الصحيحين عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:يقولُ اللَّهُ تعالى:أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي وأنَا معهُ إذا ذكُرَني، فإنْ ذكرَني في نفسهِ ذَكرْتُهُ في نفسي، وإنْ ذكَرَني في مَلَإٍ ذكرتُهُ في مَلَإٍ خيرٍ منهمْ، وإن اقْتَربَ إليَّ شبراً اقتربتُ منهُ ذراعاً، وإن اقتربَ إليَّ ذراعاً اقتربتُ إليهِ باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتهُ هرولة. فانظر رعاك الله كيف يَقبل الله تعالى طاعة السائر إليه وكيف يُقابلها بمزيد التوفيق والتأييد. وهكذا تجد نفسك ترقى في مراتب القرب منه سبحانه حتى تصبح محبة الله تعالى وطاعته أحب إليك من كل شيء، وحينها ستفهم وجه الصلة بين قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) وقوله: (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). إن للطاعة نورا في القلب وطمأنينة في النفس وصفاء في الروح، مما يجعل صاحبها أكثر تأثرا إذا سمع آيات ربه أو وقف بين يديه عابدا مصليا، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال .2 أما الانغماس في المعصية، والتنافس فيما يغضب رب البرية، فأنه يورث قساوة القلب وظلمته مما يجعله متثاقلا في أداء الصلاة، ضعيف التأثر بكلام الله تعالى.أخرج أحمد والحاكم والترمذي وصححاه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إنَّ الْمُؤْمِنَ، إِذَا أَذْنَبَ، كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ فَلْبُهُ، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، فَذلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي كَتَابِهِ: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يكسبون). وعليه، فإن مما يحرص عليه المصلي لتحصيل الخشوع وتذوق حلاوة الصلاة طاعة ربه قبل الصلاة وبعدها، واجتهاده في التوبة والاستغفار وفعل الخير. ولعل هذه الفائدة تكون أوضح في شهر رمضان وذلك لأن انخراط المسلم في العبادة وحرصه على فعل الخير، من ذكر وقرآن وصدقة وكلمة طيبة وصلة رحم، يؤثر بشكل حسن على صلاته.إن الخشوع في الصلاة مكرمة ربانية يهبها الله تعالى للطائعين من عباده المسارعين إلى الخيرات، فكن أخي الكريم منهم تنل جزاءهم.