تجري الاستعدادات لإنشاء "المجلس الأعلى للوظيفة العمومية" لينضاف إلى شبكة من المجالس العليا واللجن والهيئات الوطنية الأخرى. أحدث هذا الجهاز الاستشاري بمقتضى النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في فصله العاشر (ظهير 42 فبراير 8591) ونص مرسوم 5 ماي 9591 على طبيعته التشاورية، كما حدد مرسوم 52 مارس 2002 شروط تكوينه وتنظيمه وتسييره. المجلس الأعلى للوظيفة العمومية هيئة استشارية مؤهلة لإبداء الرأي، وتقديم الاقتراحات بشأن كل مسألة تتعلق بالوظيفة العمومية وتتميز بتساوي أعضائها المكونين من 42 عضوا رسميا و42 عضوا نائبا وهم يعينون بقرار للوزير الأول، إضافة ل 61 ممثلا رسميا و61 ممثلا نائبا ينتمون إلى الهيأة الناخبة المتألفة من جميع ممثلي الموظفين الرسميين باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء المركزية و8 ممثلين رسميين و8 ممثلين نواب عن موظفي الجماعات المحلية ينتمون إلى الهيأة الناخبة المتألفة من جميع الممثلين الرسميين لموظفي الجماعات المحلية باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء. فهل هذا التأسيس مؤشر على عبور الوظيفة العمومية من الهيكلة الشخصية إلى الهيكلة المؤسسية المعنوية؟ لقد أنشئت البيروقراطية المغربية الحديثة على حطام السلطة الاستعمارية، وفي أحضان السلطة التقليدية فانقلبت إلى دعم وتعزيز وخدمة ومسايرة بعض المتنفذين من الإقطاعيين والسياسيين وقواد وعسكريي الحقبة الاستعمارية الذين تمكنوا من السيطرة على أجهزة الدولة، فخططوا لتوكيل إدارتها وأعمالها إلى غير المؤهلين لها وأجهضوا التطور الطبيعي للوظيفة العمومية، وصرفوا إمكانياتها واستهلكوا طاقاتها وبذلك انتهت تجارب المنظومة الإدارية إلى نتائج مفجعة للمجتمع وكافة مجالاته أغرقته في العبثية والانتكاس والتردي والتراجع المتنامي، وعلى امتداد العقود ما بعد الاستقلال وحتى والساعة تمت مصادرة إرادة هذا المجتمع الذي لم ينح له قط اختيار تنميته ونهضته، فزيفت إرادته الفردية والجماعية، وتعرض للعنف والإرهاب واحتكرت إمكانياته الهائلة واختلست وحطمت أحلامه وطموحاته. مصطفى الوهابي