في قسم المستعجلات، نتلقى يوميا حالات عديدة لمرضى يعانون من هجمات الهستيريا، معظمهن من النساء. عروض سريرية متنوعة (شلل، شبه غيبوبة، تقلصات عضلية، خرس، فقدان الحس…) دون وجود أي خلل عضوي ونسمي هذا في لهجتنا العامية "كريز ديال العصب" أو نقول "طايحة بالعظام"….؟ فما هو إذن هذا الاضطراب؟ ومن هم الأكثر عرضة له؟ وكيف يتم علاجه؟ يتم تصنيف الهستيريا ضمن الأمراض النفسية العصابية، والتي تعتبر إلى حد ما حميدة لأنها لا تقترن أبدا باختلال في الإدراك والتمييز. هي عبارة عن تحول للانفعالات النفسية إلى أعراض جسمية وأكثرها شيوعا: الانهيار العصبي، أزمات تشبه التكزز أو الصرع، تقلصات وتشنجات عضلية، الألم، التقيؤ، الإغماء و أحيانا تكون الأعراض مزمنة كحدوث شلل أو صمم أو خرس أو تخدير أو فقدان للذاكرة …ليس لكل هذه الأعراض أساس عضوي بل تكون وسيلة للهروب من الصراع الداخلي ومن القلق أو بسبب موقف مؤلم أو صدمة عنيفة. كل هذا دون إدراك أو تعمد من المريض، لذلك فأزمات الهستيريا لا تعتبر تمارضا وإن كانت تبدو كذلك، فهي من الاضطرابات المزمنة والجدية التي تسبب حرجا اجتماعيا كبيرا للمرضى وتعيق إلى حد كبير حياتهم الشخصية. هذا المرض العصابي يتطور عند الأشخاص الذين لديهم "شخصية هستيرية" والتي من سماتهما:العاطفية الزائدة، والقابلية الشديدة للإيحاء، والمسايرة، وحب المجاملة والمواساة وتقلب المزاج، وعدم النضج، وعدم التحكم في الانفعالات، والسذاجة. كما تتميز هذه الشخصية بالتمركز حول الذات، والأنانية، ولفت الأنظار، واستدرار العطف، والاعتزاز بالنفس وحب الظهور وكذلك بالمبالغة والتهويل والاستغراق في الخيال، وسلوك يكون أقرب إلى التمثيل والاستعراض والتكلف والاندفاع… ولو تأملت سلوك الشخص الهستيري لوجدته سلوك "طفل كبير". على الطبيب المعالج، والذي غالبا ما يكون طبيب قسم المستعجلات، عند استقباله لإحدى الحالات إجراء فحص سريري واختبارات إضافية إذا اقتضى الأمر، وذلك للتأكد أن السبب ليس عضويا على سبيل المثال صرع أو مرض عصبي، مع الأخذ بعين الاعتبار الصعوبة الشديدة في استجواب شخص يعاني من أزمة هستيرية وكذا عائلته. ويستند العلاج الرئيسي لأزمات الهستيريا على مضادات القلق: في بعض الأحيان يلجأ المعالج إلى استخدام الدواء النفسي الوهمي "placebo " أو وصف الكالسيوم والمغنيسيوم فهو له فائدة كبيرة ولكن في كثير من الأحيان نلجأ إلى استخدام " البينزوديازيبينات" هي فعالة جدا في الحالات الحادة، ولكنها لا تخلو من العيوب لأنها غالبا ما تسبب في الاعتماد الجسدي والنفسي مما يدفع المريض إلى زيادة الجرعة، وتسبب كذلك في أعراض عند التوقف فجأة عن أخذها، ولذلك فمن المهم أن لا تستعمل هذه الأدوية إلا تحت إشراف الطبيب الذي يصفها لفترات محددة مع الالتزام بالتوقف التدريجي عن تناولها حتى لا تسبب في متلازمة الانسحاب. ولا يجب أن ننسى أن العلاج النفسي الداعم هو مهم دائما في حالات العصاب الهستيري.