بقلم : محمد الحمداوي عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : "اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موت " . انطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف الذي يوصي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم باستثمار الفرص المتاحة قبل انصرافها وفواتها، واستحضارا لأقدار الله وسننه في المخلوقات التي تؤكد أن عناصر الاستئناف والاستمرار تتبلور وتتكون في قلب مراحل الأوج والازدهار والتوسع والانتشار، فإن التنظيمات والهيئات والمؤسسات بدورها تخضع لتلك التوجيهات و السنن، وعليها أن تحافظ على مستوى عال من اليقظة والجاهزية لاستثمار عناصر قوتها وهي في أوج عطائها قبل تراجعها وأفولها. في فصل الربيع تتفتح أزهار الأشجار، و في مرحلة النضج والعطاء تتحول تلك الأزهار إلى ثمار تعجب الزراع، ولكن قد لا ننتبه أن بداخل هذه الثمار تكونت بذرة أو أكثر بشكل مبكر، أي قبل أن يتكتمل نضج الثمرة ، وفي شبابها قبل هرمها، وفي حياتها قبل موتها وسقوطها على الأرض، وأن تلك البذرة هي التي ستتحول إلى فسيلة تنمو وتترعرع إلى جانب الشجرة الأم، فيشتد عودها و يثبت أصلها وتنطلق فروعها في السماء لكي تعطي أكلها كل حين بإذن ربها، في عملية استئناف واستمرار متجددة ومستدامة. كذلك الأمر بالنسبة للمنظمات والهيئات والمؤسسات ، فهي تعيش بين مد وجزر، وتعاقب بين أطوار الصعود والأفول، وانتقال من الضعف والانحصار إلى التوسع والانتشار. وإذا كانت مراحل الضعف تستدعي بشكل طبيعي وفطري تعبئة كل إمكانيات الهيئة من أجل الخروج من حالة الانحصار، فإن مرحلة الانتصار والأوج قد تستدعي حالة ارتخاء وانشغال وغفلة عن إعداد الخلف وتقوية البنيان المؤسساتي خاصة إذا كان على رأس الهيئة قيادة كاريزمية تملأ موقع المسؤولية وزيادة. نعم ، حين يكون على رأس المؤسسة قائد قوي فإنه يعطي للمنظمة إشعاعا قد تستغني به عن دور المؤسسات، فيتقلص دور الهيئات المكلفة بالعلاقات العامة ودور اللجان المتخصصة في الإشعاع الخارجي. فتضمحل وتنكمش وتتوارى خلف القائد عوض أن تستثمر إشعاعه في تقوية هياكلها وتطوير وسائلها. إن المطلوب هو أن تتفرغ هيئة وتنفر فرقة لرصد التحولات وتحليل الحاجيات ،هيئة على مسافة من التدبير اليومي متحررة من المسؤوليات التنفيذية والتمثيلية. مهمتها تدبير الموارد البشرية إعدادا للخلف وتجديدا للنخب، والعمل على بناء المؤسسات القوية إلى جانب القائد القوي لإسناده ومواكبته. واستشراف متطلبات التنظيم في المراحل القادمة لتنخرط القيادة بشكل استباقي في توفير شروط إعدادها وتعبئتها. وتتشكل بذلك ميزة تنافسية للهيئة تمدد بها مرحلة الصعود والانتشار وتقلص مرحلة الجزر والانحصار. وختاما، إذا كانت بذرة الاستئناف والاستمرار تتبلور وتتكون قبل أن تذبل الأزهار و تتساقط الثمار وتشيخ الأشجار، فإن إعداد الخلف وتجديد البنيان يجب أن ينطلق قبل تراجع أعداد الركبان وقبل أن يترجل قائد الفرسان.