خص الدستور الباب الثامن للحديث عن المحكمة الدستوري انطلاقا من الفصل 130 إلى الفصل 134. والانتقال من مجلس دستوري إلى محكمة دستورية مؤشر على الانتقال من المراقبة السياسية إلى المراقبة القضائية حسب بعض الآراء الفقهية. والذي يثبت ذلك أو العكس هي المقتضيات الواردة في الدستور أو القانون التنظيمي الذي صدر مؤخرا. فحسب المقتضيات الدستورية ظل تأليف المحكمة من نفس العينة، باستثناء بعض التعديلات نوجزها في أن الستة التي يعينهم الملك من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي، وهذا مؤشر على حضور المؤسسة الدينية الرسمية في أكبر وأعلى محكمة دستورية في المملكة. وهذا تعزيز لحضور مؤسسة إمارة المومنين في مجالات استراتيجية للبلاد خاصة على مستوى التشريع وبسط المشروعية للاستحقاقات على مستوى القيم .وثانيهما هو الانتقال من منطق التعيين إلى مسطرة الانتخاب الذين يختارهم البرلمان. مع الإشارة أنها هي التي أعطت الشرعية التمثيلية للبرلمانيين. وفي هذا الإطار نسجل الملاحظات التالية: هل من الضروري أن يكون الأعضاء من البرلمان؟ لأن هناك الإشكال السياسي للانتماء رغم الاحتياطات المتخذة في هذا الباب. حبذا لو كان أعضاء المحكمة مستقلين ويشهد لهم بالاستقلالية ويؤكد على طريقة الاختيار في القانون التنظيمي، بناء على الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من ثوابت الأمة. وإذا سلمنا بأن المشرع يهدف إلى الجمع بين المراقبة السياسية والقضائية فلابد من الإنصاف بين المجلسين في تحديد العدد باعتبار مجلس النواب أصبحت له الأولوية في عدة أمور دستوريا. والملاحظة الثالثة هو أن الملك يعين رئيس المحكمة من بين الأعضاء الذين تتألف منهم. وهذا نقيض ما كان سائدا حيث يتم الاختيار من بين الستة الذين يعينهم الملك. إن المحكمة الدستورية من ضمن ما تقوم به البت في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء. كما تحال مشاريع القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وجوبا على المحكمة الدستورية. والسؤال المطروح لماذا تحال وجوبا الأنظمة الداخلية لمؤسسة تشريعية مستقلة؟ ثم ما هي العلة في تسميته بالنظام بدل القانون. في تقديري هذا نظام داخلي من الواجب ألا يحال على المحكمة الدستورية إلا بعد تطبيق مسطرة الإحالة لأشخاص معينين وبنسب مضبوطة لأعضاء البرلمان. ومن الأمور المستجدة أن المحكمة الدستورية ثبت في الطعون المتعلقة بانتخابات أعضاء البرلمان داخل أجل سنة، وقد تتجاوز هذا الأجل بموجب قرار معدل. وكنت أتمنى أن يجري على إصدار القوانين التنظيمية نفس الإجراء حيث ينص الدستور على إخراج كل المشاريع المتعلقة بالقوانين التنظيمية خلال هذه الولاية. وحسب تقديري أن هناك مشاريع تحتاج إلى وقت مقدر ومقاربة تشاركية واسعة. فإخراج مشروع محكم مع التأخير خير من مشاريع سريعة الإنجاز لكن على حساب الجودة والحكامة الجيدة. مع التعليل دائما. نموذج ما ورد في الفصل 133 حيث تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون. أثير أثناء النظر في قضية وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع.يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. واليوم لانتكلم كثيرا على هذا المشروع المتعلق بقانون تنظيمي ينظم هذا الاختيار. لأن هناك أسئلة تحتاج إلى ضبط وإلا وقع اضطراب كبير على مستوى تسيير المحاكم. ما طبيعة الدفع؟ من الذي يقوم بهذا الإجراء؟ كيف يمكن ضبط قانون معين مخالف للحقوق والحريات التي يضمنها الدستور؟ كيف نصنف الحريات والحقوق المستهدفة؟ إلى غير ذلك من القضايا التي يجب أن تضبط قبل إخراج هذا المشروع. مع الإشارة أن الوزارة الوصية قطعت أشواطا مهمة على مستوى إصلاح منظومة العدالة. ولابد من عقلنة التنزيل النظري حتى يقع الانسجام بين النص والواقع. وقد صدر مؤخرا القانون التنظيمي رقم 13.066 المتعلق بالمحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية العدد 6288 . 8 ذو القعدة 1435 (4 سبتمبر2014). وقد ركز القانون على الإخلاص والأمانة والنزاهة في ظل احترام الدستور. وكتمان سر المداولات، والتصويت وعدم اتخاذ مواقف علنية أو إصدار فتاوى متعلقة باختصاصات المحكمة الدستورية. وشكلت حالات التنافي مستويات متشدد بحيث لايمكن أن يكون عضو المحكمة الدستورية عضوا بالحكومة أو البرلمان أو المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجميع المؤسسات الواردة بين الفصل 160 من الدستور إلى الفصل 167. ولا يمارس أي وظيفة عامة، أو مهمة انتخابية أو منصب مهم في شركة أو توظيف من قبل دولة أجنبية أو منظمة دولية..أو مهنة حرة. وهذا راجع لأهمية الاختصاصات المخولة للمحكمة الدستورية. لكن إذا رغب في مشاركة انتخابية يقدم استقالته. أمام حالات التنافي المشددة يتقاضى أعضاء المحكمة الدستورية تعويضا يساوي التعويض النيابي. وهذا فيه حيف بالنسبة إليهم مع الإشارة أن حالات التنافي بين المؤسستين مختلفة. من خلال هذا العرض الموجز نستنبط أنه ليس هناك فرق كبير بين المحكمة الدستورية والمجلس الدستور، والإضافة النوعية ستكون في مشروع القانون التنظيمي المشار إليه في الفصل 133 الذي يعتبر ثورة على مستوى المحاكمة العادلة وصيانة الحقوق والحريات المثبتة في الدستور. وأتوقع أن يكون هناك نقاش كبير حول هذا المشروع.