اعتبر النائب محمد حنين، عن فريق التجمع الوطني للأحرار، أثناء مداخلته في مناقشة مشروع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية أن هذا القانون "يؤسس لمحطة جديدة في استكمال بناء دولة القانون و المؤسسات"، مؤكدا أن مناقشة مشروع القانون التنظيمي المذكور تعتبر لحظة متميزة ضمن الولاية التشريعية الحالية، باعتبار أن الأمر يتعلق بقانون تنظيمي يهم مؤسسة دستورية تكتسي أهمية بالغة". وأشار حنين، في مداخلة يوم أمس بمناسبة الجلسة المخصصة لمناقشة مشروع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، إلى أنه ثالث قانون تنظيمي من نوعه تقدمه الحكومة بعد القانون المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وقانون المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ما يدل على عزم الحكومة على تفعيل أحكام دستور 2011 فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية داخل الآجال الدستورية". دعم المجلس الدستوري للمؤسسات وسجل البرلماني عن حزب "الحمامة" أنه إذا كان دستور 2011 قد أحدث محكمة دستورية، وعهد إليها باختصاصات ذات أهمية قصوى، فإن هذا الدستور توخى الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية"، مشيرا إلى أن "مراقبة دستورية القوانين عرفت تطورا تدريجيا انطلاقا من تجربة الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى إلى إحداث المجلس الدستوري بمقتضى دستور 1992". وأثنى حنين على هذا المجلس "نظرا لأبعاده الدستورية والحقوقية والسياسية، مبرزا مساهمة هذا المجلس في أداء مهامه بنجاح وبآرائه واجتهاداته في كثير من الأحيان في تصحيح الاختلالات، وتعزيز حماية الحقوق والحريات والمساهمة في ضبط الحياة السياسية". ولاحظ المتحدث أن بعض الانتقادات توجه إلى قرارات المجلس المذكور من وقت لآخر، ولكن رغم ذلك فحياده واستقلاليته ومكانته الدستورية جعلته يحسم في عدد من الخلافات ذات الطابع الدستوري خاصة ما ينطوي منها على خلفيات سياسية، وهو ما جعله منذ إحداثه يساهم في تقوية دعائم دولة القانون، وتعزيز مسار الشرعية الديمقراطية. وهكذا، فإن إحداث المحكمة الدستورية، حسب رأي المتدخل، يندرج ضمن استمرارية دينامية القضاء الدستوري، مع توسيع صلاحيات هذه المحكمة، بما يكفل الاستجابة لاتساع فضاء الحقوق والحريات، ويساير تطور البناء المؤسساتي الذي رسخه دستور 2011. رقابة قبلية وبعدية وشرح النائب ذاته أنه من جهة تتولى هذه المحكمة ممارسة رقابة قبلية على دستورية القوانين، ومن جهة أخرى رقابة بعدية، فضلا عن البت في النزاعات المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، وكذا مراقبة صحة عمليات الاستفتاء، ومراقبة احترام توزيع الاختصاص بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، من خلال البت فيما إذا كانت النصوص المعروضة عليها لها صبغة تشريعية أو تنظيمية". ففيما يتعلق بالمراقبة القبلية، فهي ذات طابع وقائي، وهي مراقبة إلزامية بالنسبة للقوانين التنظيمية، والنظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين، ومراقبة اختيارية بالنسبة للقوانين العادية ومراقبة مطابقة الالتزامات الدولية للدستور، وذلك حسب إرادة من له الصفة للإحالة على المحكمة الدستورية، حسب الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور بالنسبة للقوانين العادية، والفصل 55 من الدستور بالنسبة للالتزامات الدولية. وأما المراقبة البعدية، تضيف مداخلة حنين، فتتمحور حول اختصاص المحكمة في النظر في كل دفع بعدم دستورية القوانين. ومن المؤكد أن هذا الاختصاص من المستجدات المهمة التي يتضمنها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية طبقا لأحكام الفصل 133 من الدستور. وذهب المتدخل إلى أن "هذا الاختصاص ينطوي على تقوية الآليات الكفيلة بضمان الحقوق والحريات الأساسية التي أقرها الدستور، فبمقتضى هذه الآليات أصبح بإمكان المواطن حق اللجوء إلى المحكمة الدستورية، لإثارة عدم دستورية أي قانون من شأن تطبيقه على نزاع معروض على محاكم المملكة أن يمس بحقوقه وحرياته الدستورية". وتتجلى أهمية هذا الاختصاص الجديد في كونه يتجاوز النموذج التقليدي لمراقبة دستورية القوانين إلى توسيع نطاق مراقبة المحكمة الدستورية، إلى مراقبة القوانين الجاري بها العمل والصادرة قبل إقرار المراقبة الدستورية ببلادنا، أو تلك التي لم يسبق فحص دستوريتها. ومن تم فإن المراقبة الدستورية أصبحت لا تقتصر على القوانين قبل إصدارها، ولكنها تشمل أيضا القوانين بعد إصدارها وتطبيقها. لذلك، تقول مداخلة حنين، فإن هذا الاختصاص يسمح للمواطنين من تفادي تبعات قوانين تتضمن أحكام تمس بحقوق وحريات دستورية، وبما أن الدستور الجديد قد رفع سقف الحريات والحقوق، فمن المؤكد أن الاختصاص الجديد للمحكمة الدستورية سيؤدي إلى استبعاد تطبيق القوانين المتضمنة لمقتضيات تتعارض مع أحكام الدستور". ولئن كان الفصل 133 من الدستور يربط ممارسة هذا الحق بإصدار قانون تنظيمي، فإنه بعد تنصيب المحكمة الدستورية بعدما يصدر القانون التنظيمي المتعلق بها، فإنه لكي لا تعطل ممارسة الحق المذكور، طالب حنين الحكومة التعجيل بإعداد القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الفصل 133 من الدستور. يشار إلى أن الفرق النيابية سبق لها أن تقدمت ب59 تعديل على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، منها 34 لفرق الأغلبية والباقي لفرق المعارضة، وتميزت الجلسة المخصصة لمناقشة هذا المشروع بغياب غير مسبوق، إذ لم يتجاوز عدد الحاضرين من النائبات والنواب 110 من أصل 395. وقد تمت المصادقة على هذا المشروع بالإجماع.