بعد ميلاد جمعية "اليقظة والفضيلة" سارعت يومية (أوجوردوي لوماروك) إلى متابعة الحدث وتضخيمه والنفخ فيه. وصورته على أنه انشقاق في حزب العدالة والتنمية، وانقلاب على حركة التوحيد والإصلاح، وفي حوارين متباعدين في النشر متقاربين في الإنجاز حاولت الجريدة تصوير الأمر بين الدكتور أحمد الريسوني رئيس الحركة والدكتور عبد الكريم الخطيب الأمين العام للحزب على أنه خلاف وخصام كبير. غير أن ذلك السعي خاب وخسر. ففي حوارها مع الريسوني الذي قدمناه في عدد الأمس تبين أنه لم يكن صافيا، ولذلك كتب الريسوني بخصوصه توضيحا تجدونه في هذا العدد، أما حوارها مع الدكتور الخطيب الذي تقدمه اليوم، فقد فاجأها الرجل بصراحته واعتزازه بأعضاء "التوحيد والإصلاح". حوار رغم نشره يوم الخميس فاتح ماي 2003 فإن إعادة نشره ضروري لاستكمال الصورة، وهذا نصه: ما هو الهدف من تأسيس جمعية موازية لحزب "العدالة والتنمية" تحت اسم "اليقظة والفضيلة"؟ هي جمعية أنشئت من لدن أطر من حزب العدالة والتنمية وقدماء الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، ليس من أجل مساندة عمل الحزب فقط، ولكن من أجل محاولة تجميع مختلف الحساسيات الإسلامية بالمغرب. فلا توجد أي خلفية وراء هذه المبادرة. في هذه الحالة لماذا سارع بعض وجوه العدالة والتنمية مثل مصطفى الرميد إلى إظهار رفضهم لهذه الجمعية لدرجة إثارة مدى مشروعيتها؟ حسب علمي، إنشاء الجمعيات بالمغرب ينظمه ظهير قانون الحريات، ووحده الأمين العام للحكومة من له الصلاحية ليحسم في مشروعية جمعيتنا أو عدم مشروعيتها. فهل جانب الرميد الصواب عندما لم يساند هذه الجمعية؟ أقوال الرميد تسبق دائما أفكاره. ماذا يعني ذلك؟ أريد القول إن أفكار مصطفى الرميد لا تفهم جيدا أحيانا. مثلا، عندما تحدث عن البعثات التعليمية الأجنبية بالمغرب، لم يطلب إغلاقها. محاميكم مطالب إذن بتوضيح مواقفه، أليس كذلك؟ أظن أن الرميد مندفع شيئا ما. في رأيكم، لماذا لم تعجب هذه الجمعية مصطفى الرميد وعبد الإله بن كيران؟ لا أعرف، ولا أستطيع قراءة أفكار الناس، إلا أنه عندما فتحت الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية يديها سنة 1997 للتيار الإسلامي المعترف به، فقد كانت تهدف إلى تجميع كل الحساسيات حول الدستور والولاء والاعتراف بمكانة أمير المؤمنين في الدستور المغربي. "اليقظة والفضيلة" يمكن اعتبارها إذن نوعا من التصحيح؟ نعم إن شئتم. ولكن "العدالة والتنمية" من جهته، لم يحد عن خطه أبدا. الجمعية الجديدة تمثل رافدا جديدا سوف يمنحنا الفرصة للانفتاح خاصة على البادية. جريدة "التجديد" التي يرأسها الدكتور أحمد الريسوني رئيس حركة التوحيد والإصلاح، لم تتحدث عن خبر إنشاء الجمعية الجديدة. ربما لم يقدر الريسوني أهمية هذه الجمعية وما ستقدمه من خدمة للحزب، سيعرف ذلك مع مرور الأيام. ألا يمكن أن يكون الرجل قد شعر بأن هذه الجمعية موجهة ضد حركته؟ جمعيتنا ليست موجهة ضد أي أحد مهما كان، ولا أفهم لماذا يعاب على الجمعيات الإسلامية أن تتجمع للدفاع عن الإسلام في حين أن ذلك مباح لليسار الذي يسعى للتجمع في قطب لاديني. لكن ألا تقصد جمعيتكم موجهة هيمنة حركة التوحيد والإصلاح على هيئات الحزب؟ بكل موضوعية، لا يتعلق الأمر بما تقول. هذه جمعية تسعى إلى أن تجمع حول "العدالة والتنمية" كل الطاقات التي تريد أن تناضل في بنية جديدة. "اليقظة والفضيلة" غرفة جديدة أضيفت للحزب، وفي سني الآن ليس لي سوى طموح وحيد أن أقوم بدور المنسق بتجميع مختلف الحساسيات حول الإسلام، والملكية الدستورية والإمامة. فلماذا سميتموها "يقظة وفضيلة"؟ أنا شخصيا، اقترحت اسم "الأنصار"، غير أن إخواني توجهوا إلى "اليقظة والفضيلة"، وهاتان خصلتان ينبغي أن تشيعا في كل الميادين. اليوم توجد حركة نشيطة بالمغرب تسعى إلى تدمير نسيجنا الاجتماعي وعاداتنا وتقاليدنا. ويجب أن نحافظ على تماسك الشعب المغربي والدفاع عن جذوره التي أثمرت عبر القرون خصوصية جميلة للمغرب وسكانه. هل حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي أو إسلاموي؟ حزب العدالة والتنمية حزب مسلم، وبالنسبة لي اعتباره إسلاميا هو بمثابة سبة. حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي لأنه يستغل الدين لأغراض سياسية؟ هذا ليس صحيحا على الإطلاق. هدفنا الوحيد هو تخليق المجتمع الذي نعيش فيه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولن يتم ذلك إلا بالعودة إلى قيمنا وتقاليدنا. ولكن بعض وجوه الحزب تتخذ مواقف عمومية متطرفة، وكمثال على ذلك رئيس فريق العدالة والتنمية مصطفى الرميد الذي دعا إلى تطبيق الحدود وقطع يد السارق ومنع الخمور. هل أنت موافق على مثل هذا؟ إن أول كلمة أنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي (اقرأ). والشريعة جاءت بعد ذلك عندما نشأت المدينة الفاضلة المبنية على المساواة والأخوة والتضامن. الشريعة كانت تهدف إلى الدفاع عن القيم. اليوم نحن أبعد ما نكون عن المجتمع المسلم. لنحاول أولا إعادة بناء قيمنا الأساسية وديننا في إطار من الاحترام الدقيق لحقوق وواجبات كل فرد، ويعد ذلك نتحدث عن أشياء أخرى. ما هو وزن حركة التوحيد والإصلاح في بنية "حزب العدالة والتنمية"؟ أغلب أعضاء الحزب قادمون من الحركة التي يرأسها الدكتور أحمد الريسوني، ويوجدون بالأمانة العامة للحزب، والقرارات تتخذ إما بالإجماع أو التصويت. أليس تأثير "التوحيد والإصلاح" في "العدالة والتنمية" كبيرا؟ أجل هو كبير، ونحن سعداء بذلك، وبفضل هذا التأثير فنحن موقنون بأن الحزب لن ينحرف. هل أنتم موافقون للإيديولوجيا التي ترفعها "التوحيد والإصلاح"، وكمثال على ذلك، فإن بعض أعضاء هذه الحركة يعلنون أنهم غير ملزمين بالمذهب المالكي الرسمي؟ أعتقد أن الأئمة أبا حنيفة وابن حنبل والشافعي كلهم كانوا مسلمين. المذاهب لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ورأت النور بعده بزمن لتعريف كل جهة بمذهب خاص. المغرب اختار المذهب المالكي، ونحن جميعا مالكيون. لكن ذلك ليس بمانع لنا عن التوفيق بين كل المذاهب وأخذ أحسن ما لديها لننتفع به هنا. أحمد الريسوني ممن يعتقدون ألا مشرع إلا الله، وذلك ما يعني أن الرجل لا يعترف بالقوانين التي يتواضع عليها الناس. هل توافقه على هذا الرأي؟ كل مسلم حسب الإسلام لا يمكنه إلا أنه يسلم تسليما للقوانين الربانية. غير أنه يمكن تكييفها مع العصر الذي نعيش فيه، وقوانين الإنسان حسنة إذا كانت لا تعارض قوانين الله. هل أنت ممن يساند منع بيع الخمور والمتاجرة فيها؟ أجل، فالإسلام حرم الخمور، وللرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث في ذلك تمنع بيعها وشربها وحملها... وحتى في عهده كان بعض الناس يشربونها، والمسلم إذا لم يقتنع بأمر الله في الخمور، فكيف نستطيع أن نفرض عليه طاعة قوانين البشر؟ أنا شخصيا لا أفتش في الحياة الخاصة للناس، وهل يشرب الخمر في مسكنه أم لا. لاحق لي في أن أقوم بدور المفتش. لكن لا يجب أن يصبح شارب الخمر خطرا يهدد المجتمع وأمنه العام. ولابد من معاقبة الذين يرتكبون أفعالا شنيعة بسبب أم الخبائث. كيف تنظر إلى مؤسسة إمارة المؤمنين؟ في نظري، هذه المؤسسة شيء هام جدا لأنها تمثل الأمة الإسلامية، وهذا شيء إيجابي لبلدنا علينا المحافظة عليه وتطويره. وفي هذا السياق سوف ألتمس من صاحب الجلالة محمد السادس أن ينشئ إلى جانب الديوان الملكي ديوانا آخر خاصا بالإمامة يهتم بالقضايا الآنية، وكنت شخصيا استقبلت سابقا زعماء جماعات دينية سينغالية وموريتانية قدموا إلي رسالة موجهة إلى جلالة الملك، يعبرون فيها عن رغبتهم في مبايعته باعتباره أميرا للمؤمنين. في بلادنا اليوم يوجد من يسعى إلى التضحية بعناصر مكونة لشخصيتنا على مذبح اللادينية. ولكن الإسلام دين مدني باعتباره خاليا من الكنيسة والإكليروس ولأنه لا واسطة بين الإنسان والله، وكل فرد بما كسب رهين. لماذا يثير حزب العدالة والتنمية الخوف؟ إنما نخبتنا المتغربة هي المتخوفة لأن الغرب أنفق جهدا كبيرا في التخويف من الإسلام، كل ما في الأمر أنه ينبغي الاجتهاد في فهم النصوص حسب حاجات وروح عصرنا. هل حزب العدالة والتنمية حزب مخرب؟ ليس إطلاقا، "العدالة والتنمية" حزب ديمقراطي يؤمن بالديمقراطية ويسعى إلى الاشتغال في تطابق مع الإسلام. يؤخذ على الحزب استغلال الدين لأغراض سياسية؟ لماذا لا يخاف الناس في الغرب من الأحزاب الكاثوليكية؟ ولماذا لا يثار الخوف إلا عندما يتعلق الأمر بأحزاب تدافع عن الإسلام وتشتغل من خلاله؟ نحن في العدالة والتنمية نسعى إلى مجتمع نظيف، وعلى من لا يريد أن يحترم تعاليم الدين أن يتحمل مسؤوليته أمام خالقه، ذلك ما يهمنا. لكن حركة التوحيد والإصلاح تشتغل بالدعوة، هل يمكن أن نقوم بذلك في بلد مسلم؟ هناك المسلمون الجغرافيون والمسلمون الملتزمون، وتوجد حركة عالمية للدعوة. هل كنتم تأملون في مشاركة الحزب في الحكومة؟ لا، لأنه حزب صغير في الحكومة لا يمكن أن يطبق برنامجه. وما هو هذا البرنامج؟ برنامجنا هو تخليق مجتمعنا، وذلك ما لا يستطيع أن يفعل حزبنا الآن. >هل ينتظر الحزب حصوله على الأغلبية حتى يحكم؟ حزب العدالة والتنمية، يريد تطبيق برنامجه. ونتمنى أن يكون مرشحونا في مستوى الانتخابات الجماعية المقبلة، وأن يكونوا نشيطين في خدمة المواطنين في الديمقراطية المحلية. نسب إليكم البعض أنكم صرحتم بأن المغرب مهدد بانقلاب عسكري هل قلتم ذلك حقا؟ لا لم أقل ذلك إطلاقا، والذين نسبوا إلى هذا القول لم يسمعوا إلا ما أرادوا. أنا قلت إنه لا ينبغي أن نثق ثقة عمياء في أي كان، وإنه على المسؤولين الأمنيين أن يساهموا في إشاعة الاستقرار بدل التشويش على الجو العام. انحرافات "السلفية الجهادية" ألا تقلقكم؟ هذا توجه إسلامي، لا يعيش زمنه، ولكن ينبغي رده إلى الصواب بالتي هي أحسن. ومناداتهم بالعنف، ألا تثيركم؟ إنهم أعضاء يفكرون مثل ما يفكر أعضاء مختلف التيارات الإسلامية، ولكن بالنسبة للذين يرتكبون جرائم قتل يستحقون العقوبة بالقوانين الجاري بها العمل، لأنه لا حق لأحد في استعمال العنف لتطبيق العدالة بنفسه. حسن السرات