بعد سلسلة من التظاهرات الثقافية التي تطرح مستجدات القضايا الوطنية والدولية وأسئلة "المواطنة والمعاصرة" و"المجتمع المدني" تعود جمعية المسار لاستضافة الفيلسوف والمفكر الإسلامي المعروف لدى الأوساط الثقافية والسياسية والإعلامية بأوربا، في محاضرة حول موضوع (العالم العربي والإسلامي وتحديات الإعلام). كان ذلك يوم الجمعة الماضي بفندق الكندرة بالدار البيضاء، وقد عرفت هذه المحاضرة إقبالا جماهيريا متميزا من مختلف التيارات السياسية والاتجاهات الجمعوية. وحسب اللجنة المنظمة فالحضور المكثف الذي جاء لمتابعة الدكتور طارق رمضان مؤشر على نجاح هذه التظاهرة رغم المعوقات والمشاكل التي استطاعت جمعية "المسار" أن تتجاوزها بخصوص استضافة الدكتور المحاضر. وقال الدكتور "رمضان" (المولود ب 26 غشت 1962 بجنيف بسويسرا) إن مدارسة تحديات الإعلام بالمجتمعات العربية والإسلامية يطرح تساؤلات جوهرية على الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية وطبيعة علاقتها بالأجهزة الحاكمة، وطرح السؤال: أين مسؤوليتنا ودورنا المنوط بنا في ظل هذه التحديات. المفكر "طارق رمضان" أو "الأخ رمضان" كما يحب أن يناديه الآخرون مصداقا لقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، حذر من الحديث عن الإعلام باعتبارنا ضحايا له ولكن أكد على تناول الموضوع على أساس تحمل المسؤولية. وقد ساق الدكتور رمضان في معرض حديثه لمواصفات القوة في الإعلام الغربي وتأثيره في مجتمعاتنا والعالم انطلاقا عدة أمثلة تشهد على هذا الوضع، ،مما قاله الرجل "إذا أردنا أن نضع المشهد الإعلامي الراهن في الصورة فلنستحضر مشهد الشهيد محمد الدرة الذي قال عنه "شمعون بيريز" إن صورته ستفقدنا أشياء كثيرة وستضعف من حربنا الإعلامية" وأشار خفيد حسن البنا إلى أننا إن استطعنا تعميم القضية واجتذاب قوة ذكاء المتتبع نحونا فسنعمل على تغيير الأجندة السياسية وبالتالي تغيير القرار السياسي. وتطرق أستاذ الفلسفة بكوليج جنيف بسويسرا " إلى الصورة المشوهة للإسلام في الإعلام الغربي مما يثير حافظة المتتبعين من العالم الإسلامي دون رصد أية استراتيجية مدافعة ومنافسة لهذه الصورة السياسية، وأرجع هذا إلى العنصرية والخلط بين ما هو ذاتي ومؤسسي في الإعلام الغربي. وحمل المحاضر المسلمين جميعا هذه النتيجة لأنهم، في نظره، ساهموا بطريقة مباشرة في بناء الصورة المشوهة للإسلام. وذهب إلى القول مؤكدا "إما مسلمون بدون إسلام وإما مسلمون واعون بالخطاب الإعلامي المناوئ للإسلام دون أي رد فعل وإما أننا خارج التاريخ والزمن). ومن أبرز التحديات التي ذكرها المحاضر والتي تواجه مجتمعاتنا الإسلامية والعربية الهيمنة والغطرسة لخمس وكالات إعلامية غير مستقلة، أربعة منها غربية والخامسة يابانية، حيث أن 36 في المئة من الأخبار والمعلومات عبر العالم تعالج على أيدي هذه الوكالات التي في غالبيتها ألسنة إعلامية رسمية لإدارة بوش. في المقابل تعرف مؤسساتنا الإعلامية الاستهلاك فقط للمادة الخبرية والإعلامية وتقديمها وإيصالها للمتلقي على الطريقة التي تهواها السياسات الأمريكية. في هذا السياق، شدد "رمضان" وهو رئيس اتحاد مسلمي ومسلمات سويسرا علي قصور إعلامنا الذي لا يستطيع التحكم في المشهد الإعلامي إذ أنه لا يفقه آلياته ولا يستطيع على الأقل التواصل مع الآخر وتبسيط الرسالة لهم، وأضاف قائلا "إننا لا نتقن عملية الاستماع، وفي نفس الوقت لا نتقن بناء النقد المقابل، فالمشاهد يظل دائما في موقع المتسائل، إلى أي حد يمكن تصديق الأخبار الجارية؟ كيف السبيل للتأكد من مصداقيتها لحد الآن لا تزال الآلة الإعلامية بمجتمعاتنا الإسلامية عاجزة عن التبين" إنها حالة يصفها طارق رمضان بالهذيان وبداية الانهزام على إيقاع حرب نفسية وسياسات تخويفية، إنها عقلية القطيع التي تحمل نفس الخبر والمعلومة كما تفبركها المؤسسات الأمريكية. وفي محور آخر قارب الدكتور موضوع الاستقلالية والحرية في المؤسسات الإعلامية الغربية، وقال إنها تستوجب تكوينا حقيقيا يأخذ بعين الاعتبار متطلبات الشمولية الاقتصادية (اللبرالية) والشمولية الإعلامية (العولمة الجديدة) هذه الأخيرة تسخر في هجومها الإعلامي ومداهماتها لعقلية المتلقي على ثلاثة قضايا أساسية هي صورة العنف داخل المجتمعات الإسلامية، والإسلام وقضايا المرأة المضطهدة بالمجتمعات الإسلامية، والعقلية النقدية عند المسلمين. هذه المحددات تستثمرها المؤسسات الإعلامية الغربية باستعمال أحدث التقنيات السريعة التواصل لتحكمنا خارج دوالب الحكم ولتغير من قيمنا دون أية تكلفة. هكذا تبقى قدراتنا على التواصل والاندماج ضعيفة، وتدبير تفكيرنا بتواز مع توجهاتنا السياسية مختلة ودرجة مسؤولياتنا تجاه الوضع الراهن الإعلامي هشة، في ما استنتج طارق رمضان، وذهب إلى أننا سنصبح مجرد متفرجين على العالم وسيظل إعلامنا في مفترق الطرق، هذا ما يستدعي استنهاض الهمم واستشعار الخطر وتحديد نقط الضعف حتى نتمكن في عالم اليوم من التواصل أكثر حتى يفهمنا الآخر أكثر فأكثر، ثم تساءل أخيرا "إلى متى سنظل نستخدم نفس الآليات الإعلامية دون السعي إلى تطوير مواصفات الكفاءة والمهنية وتقديم الحقيقة، فالحقيقة هي مسعى كل خبر أو معلومة، وللباحث عن الحقيقة فسيجدها لا محالة في الإسلام؟". محمد لعتابي