يعد الاعتقال الإداري أسوأ أصناف الاعتقال التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني من مختلف الأعمار، حيث يحتجز المعتقل بسبب ما تسميه قوات الاحتلال "الملف سري" غير الموجود أصلا، لمدة ثلاثة أو ستة أشهر تجدد وفق مزاج ضابط في جيش الاحتلال. نبذة تاريخية وقد جدد جيش الاحتلال العمل بالاعتقال الإداري مع بدء انتفاضة الأقصى أواخر عام 2000، حتى وصل عددهم الآن حسب نادي الأسير الفلسطيني إلى حوالي 1400 أسير في سجني النقب الصحراوي، وعوفر قرب مدينة رام الله، وهما عبارة عن معسكرين لجيش الاحتلال غير خاضعين لمصلحة السجون الإسرائيلية، أي أنهما يفتقدان لأدنى مستويات الخدمة. ويعتبر الاعتقال الإداري سياسة قديمة حديثة انتهجتها قوات الاحتلال ولا زالت ضد المواطنين الفلسطينيين. ويؤكد فهمي شاهين، أحد ناشطي حقوق الإنسان في الجمعية الفلسطينية لحماية الإنسان والبيئة (القانون) أن قوات الاحتلال استخدمت هذه السياسة منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، إلا أن عام 1980 شهد توقف استخدام الاعتقال الإداري حيث تم إطلاق سراح آخر معتقل فلسطيني إداري من السجون الإسرائيلية يوم 2/3/1982 وهو "علي عوض الجمال" من سكان مدينة جنين. ويوضح شاهين ل"التجديد" أن قوات الاحتلال أعلنت في عام 1985 العودة لتطبيق الاعتقال الإداري، ثم صعدت هذه السياسة مع دخول الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. مشيرا إلى أن قوات الاحتلال أصدرت العديد من الأوامر العسكرية لتسهيل عملية الاعتقال الإداري منها القرار رقم 1228 الصادر بتاريخ 17/3/1988، والذي أعطى صلاحية إصدار قرار التحويل للاعتقال الإداري لضباط وجنود أقل رتبة من قائد المنطقة. وأضاف أن قوات الاحتلال افتتحت معتقل "أنصار 3" في صحراء النقب لاستيعاب أعداد كبيرة من المعتقلين الإداريين حتى وصل مجموعهم لأكثر من 250 ألفا على فترات مختلفة. الاعتقال الإداري والقانون وعن تكييف قوات الاحتلال لإجراءاتها مع القانون قال شاهين: تستند إجراءات الاعتقال الإداري المطبقة في الأراضي المحتلة إلى المادة (111) من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ التي فرضتها السلطات البريطانية في سبتمبر /أيلول 1945 والتي اتخذت في حينه بحق اليهود والعرب على حد سواء، وكانت "غولدامائير" و"موشيه دايان" و"مئير شمغار" ممن اعتقل إداريا أثناء الانتداب البريطاني. وأضاف: أصدرت قوات الاحتلال (12) أمرا عسكرياً تتعلق بالاعتقال الإداري ويتولى وزير الدفاع إصدار هذه الأوامر بموجب نظام الطوارئ المذكور سابقا، وليس له صلاحية بتفويض صلاحياته ويحق للمحكمة المركزية بالقدس المحتلة النظر في الأمر والاستئناف به على أن يصدق من قبل محكمة الصلح الإسرائيلية. وتابع شاهين أن القادة العسكريون يتولون إصدار هذه الأوامر في الضفة الغربية بموجب الأمر العسكري (378) لمدة 96 ساعة بعدها يتأكد الأمر من قائد المنطقة. وعن مدى قانونية الاعتقال الإداري قال: الاعتقال الإداري يتنافى مع أبسط المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي منها المادة (10) و(11) و (42) ومن اتفاقية جنيف الرابعة، حيث نصت المادة (10) على أنه "لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه". كما نصت المادة (11) على أن" كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه". وأضاف: أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نصت المادة (9) فيه على أنه" لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً، كما يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريع بأية تهمة توجه إليه" وغيرها. ونوه شاهين إلى أن دولة الاحتلال قد صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1991، ولكنها تراجعت عن تنفيذ الالتزامات المنصوص فيها في المادة (9) على اعتبار أن إسرائيل تعيش حالة طوارئ منذ إنشائها عام 1948م. توقيف حتى إشعار آخر من جانبه أكد عيسى قراقع، رئيس نادي الأسير الفلسطيني ومقره الرئيسي بيت لحم (وهو هيئة شبه رسمية تتولى متابعة قضايا المعتقلين) أن قوات الاحتلال اتخذت منذ بدء انتفاضة الأقصى وحتى الآن من سياسة تمديد الاعتقال الإداري أداة للضغط على المعتقلين ومحاربة نفوسهم، حيث يتم إبلاغ المعتقلين بقرار التمديد عند صدور قرار الإفراج وبعد أن يستعد المعتقل للخروج من السجن ويودع أصحابه. وأضاف متحدثا لمراسل"التجديد": وصل تمديد الاعتقال البعض إلى نحو أربعة عشر شهرا متتالية، حيث تتكئ قوات الاحتلال قانونيا في التمديد على الفقرة "ب" من المادة (87) من القرار العسكري رقم (378) لعام 1970الذي يقول: "إذا كان لقائد المنطقة أساس يدعو إلى الاعتقاد عشية انتهاء مفعول الأمر الصادر أن أسباباً تتعلق بأمن المنطقة أو سلامه الجمهور مازالت تستوجب حجز الشخص المعتقل في المعتقل ويجوز له بأمر موقع بإمضائه أن يأمر من حين إلى أخر بتمديد مفعول أمر الاعتقال الأصلي". ملف سري وعن كيفية الاعتراض على الحكم أوضح قراقع أنه يتم أمام قاض عسكري أولا ثم أمام ما تسمى محكمة العدل العليا، منوها إلى أن سرية المواد -التي تشكل أساس الاعتقال الإداري- تجعل من هذه المحاكم محاكم صورية، صاحب القرار فيها هو ضابط المخابرات الإسرائيلي، حيث لا يسمح غالباً لمحامي الدفاع بالاطلاع على بنود هذا الاتهام. وأضاف: شهدت سجون الاحتلال اعتقال الفلسطينيين إداريا إما لأقوال وآراء أدلوا بها، أو لاعتناقهم أفكار وأراء سياسية معارضة، كما تم تحويل عدد من المعتقلين إلى الاعتقال الإداري بعد انتهاء مدة محكوميتهم في السجون التي وصلت إلى سنوات كما حدث مع محمود شبانه من الخليل الذي حكم عام 1994م بالسجن لمدة ست سنوات ونصف، ثم سجن إداريا لمد عامين، ثم أفرج عنه وأعيد للاعتقال بعد سبعة شهور، والآن يقضي السجن الإداري الرابع (كل تمديد 6 شهور). أوضاع صعبة وأشار قراقع إلى أن المعتقلين يعضون واقعا نفسيا وإنسانيا صعبا، ونقل عن محاميه أن أسرى سجني النقب وعوفر حيث المعتقلين الإداريين، يعانون من نقص في كمية الطعام ورداءته ونقص في الملابس وعدم متابعة الحالات المرضية التي تستدعي المتابعة الحثيثة وحرمانهم من زيارات الأهل منذ فترة طويلة. وأضاف أن الطعام يفتقد إلى التنوع الغذائي، والخدمات الصحية والطبية. مشيرا إلى أن الوصفة العلاجية الوحيدة لكافة الأمراض هي "الأكامول" رغم وجود جرحى بين هؤلاء المرضى هم في أمس الحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة. وطالب قراقع المنظمات الدولية والإنسانية سرعة التدخل لوضع حد لمعاناة مئات المعتقلين واستمرار سياسة التمديد أحلام السجناء حتى أصبحوا يعيشون واقع الإحباط والمعاناة كل لحظة. الخليل-عوض الرجوب