يحل هذا العام الأول من أيار، اليوم العالمي للعمال، على الفلسطينيين وهم في حال لا تقل سوءا عن الأعوام السابقة حيث البطالة والفقر وقلة ذات اليد، عدا عن سوط الجلاد الذي لا يرحم. وتتفاقم يوما بعد يوم مشكلة العمال الفلسطينيين الباحثين عن لقمة العيش داخل الخط الأخضر (فلسطينالمحتلة عام 1948م)، وداخل المدن الفلسطينية الذين يمنعون من التوجه لأماكن عملهم نتيجة الإغلاقات الإسرائيلية المتكررة للأراضي الفلسطينية، حيث تنص التعليمات الإسرائيلية على وجوب حصول أي عامل داخل الخط الأخضر على تصاريح خاصة إما تجارية أو زراعية أو في أعمال البناء ينتهي مفعولها بمجرد حصول أية عملية فدائية، علما أنه حتى الآن لم يحدث أن قام عامل فلسطيني بأية عملية من أي نوع داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948م. وحسب إحصائيات رسمية فلسطينية تصل خسائر الفلسطينيين في قطاع العمل داخل الخط الأخضر شهريا إلى حوالي 10 مليون دولار، ومثل هذا المبلغ تقريبا من داخل المجتمع الفلسطيني. معاناة متنوعة وتتنوع أشكال معاناة العمال بين إطلاق النار والإهانات والشتائم والاعتقال والتنكيل والتعذيب والسجن وفرض الغرامات والتعرض للنصب والاحتيال وغيرها. وبين أشكال المعاناة المختلفة يحتار العامل الفلسطيني البسيط الذي يعمل ليطعم أطفاله بين عدة خيارات؛ فإما أن يغامر للبحث عن لقمة العيش، وهنا يكون معرضا للسجن والضرب ودفع غرامات باهظة كما حدث أمس الأربعاء مع نحو 1400 عامل اعتقلوا من قبل قوات الاحتلال، أو أن يبقى العامل جالسا في بيته تحت رحمة الآخرين، وهذا صعب بالنسبة للفلسطيني الذي تعود على أن يأكل من عرق جبينه، لذلك عادة ما يفضل هؤلاء (ضربة الحظ) ويتوجهون لأماكن العمل داخل الخط الأخضر مهما كانت النتائج. عمليات النصب والاحتيال نوع آخر من المعاناة، حيث يقوم أرباب العمل الإسرائيليين أو العملاء الذين يحملون هويات إسرائيلية، أو من أرباب العمل من عرب 48، باستغلال الحاجات المالية للعمال لاستفزازهم وتشغيلهم بأجور ضئيلة أو عدم إعطائهم أجورهم، مهددين بإبلاغ الشرطة عن وجود عمال مخالفين مما يضطر بعضهم للصمت وعدم المطالبة بحقوقهم. وتشير إحصائيات الاتحاد العام لعمال فلسطين إلى وجود نحو 11 ألف قضية في المحاكم ضد أرباب عمل إسرائيليين رفعها ضحايا فلسطينيون. ويتعرض العمال الفلسطينيون لعمليات إطلاق نار من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، كما حدث أمس مع الشهيد محمد دراغمة، عدا مع أربعة مواطنين من بلدة الشيوخ، وثلاثة من بلدة دورا قرب الخليل، والعمال الفلسطينيين السبعة في غزة الذين أشعلوا نار الانتفاضة الأولى. 360 ألف عاطل عن العمل ولا تقل فرص العمل في الأراضي الفلسطينية سوءا عنها داخل الخط الأخضر، فهي قليلة وأجورها بسيطة لا تتجاوز نصف أجر العامل في إسرائيل، إضافة لارتفاع مستوى المعيشة في المدن الفلسطينية. ويؤكد الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين استمرار معاناة قطاع العمال نتيجة استمرار الحصار على الأراضي الفلسطينية، والإجراءات التعسفية الإسرائيلية. وقال شاهر سعد رئيس الاتحاد العام لمراسل (التجديد) أن نسبة الفقر وصلت في بعض المناطق في الأراضي الفلسطينية إلى 55%. مضيفا أن قوات الاحتلال تفرض حصارا يتم بموجبه إغلاق سوق العمل الإسرائيلي في وجه الفلسطينيين من جهة، ومنع سوق العمل الفلسطيني المحلي من العيش في الحد الأدنى من الاستقرار بمنع دخول المواد الخام لسوق العمل المحلي ومنع التصدير من جهة أخرى. وأوضح سعد أن الحصار ساهم في انقطاع مصدر رزق نحو 360 ألف أسرة فلسطينية، أي توقف أكثر من 360 ألف معيل عن العمل. مشيرا إلى أن أكثر من 120 ألف من هؤلاء كانوا يعملون داخل الخط الأخضر، أما الآن فلا يتجاوزون المئات. وأضاف: يتعرض هؤلاء لأصناف شتى من الإهانة والإذلال كالمطاردة بالكلاب البوليسية وتعريتهم وسجنهم وفرض غرامات باهظة على كثير منهم، واحتجازهم من الساعة الخامسة فجرا حتى الثانية عشرة ظهرا للتأكد من ضياع اليوم. وكانت أشارت آخر إحصائيات المركز الفلسطيني للإحصاء (عام1997) إلى أن نسبة الذكور المتعلمين والمتعطلين عن العمل وصلت66.4%، في حين بلغت نسبة الإناث المتعطلات 1149 بنسبة 33.5%. التغلب على الوضع وللتغلب على المشكلات التي تواجه أسر العمال تشارك الجمعيات الأهلية والخيرية في مساعدة بعض هؤلاء المعوزين الذين يحاولون قدر الإمكان عدم إظهار وضعهم المأساوي. وفي هذا الإطار أكد سعد أنه يجري العمل على إنشاء صندوق التشغيل بالتعاون مع منظمة العمل الدولية للمساهمة في إيجاد فرص عمل للعمال الذي يتضررون من الأوضاع والحصار. وقدر سعد خسارة العمال منذ عام 1995وحتى الآن بنحو 3.8 مليار دولارا، وأن نسبة الفقر ارتفع وصلت 55% أي حوالي 1.7 مليون مواطن فلسطيني هم في عداد الفقراء. ودعا سعد المنظمات الدولية التدخل لوقف تدهور وضع العمال في الأراضي الفلسطينية، منوها إلى وجود اتفاقيات بالتعاون مع مؤسسات السلطة من بينها اتفاقية التأمين الصحي للعاطلين عن العمل. وكان قد وصل العمال مساعدات من عدة جهات إلا أنها لا تفي بالغرض، ولا ترتقي إلى حجم المشكلة، فقد وصل بعض العمال بداية الانتفاضة مبلغ 600 شيكل (نحو 132) دولار من الأمير السعودي الوليد بن طلال، كما وزع اتحاد العمال نحو 200 ألف طرد غذائي في الضفة الغربية وقطاع غزة تبرعت بها اللجنة السعودية لدعم انتفاضة القدس التي تكفلت أسر 10 آلاف عامل لمدة عام وذلك بتحويل 500 ريال لكل أسرة شهريا (130 دولارا)، ولمدة عام. كما قام الاتحاد خلال شهر آذار الماضي بتوزيع 80 ألف سلة غذائية على عمال فلسطين مقدمة من جامعة الدول العربية (التبرعات الشعبية) و"الهيئة العمانية للأعمال الخيرية" في سلطنة عمان ولجنة مساعدات عمال فلسطين، واستقطاعات رواتب موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية. معاناة غير العاطلين عن العمل أما العمال الذين تتاح لهم الفرصة العمل داخل الأخضر فيتعرضون لأصناف المعاناة المختلفة كالصلب العمال لمدة طويلة تحت أشعة الشمس أو البرد والضرب والتنكيل وإجبارهم على المشي طويلا دون أحذية. كما يجبر العمال على خلع ملابسهم والعودة إلى منازلهم بلا ملابس، ويقول أحد هؤلاء: أجبرني الجندي على خلع ملابسي بالكامل وفرض علي الرجوع إلى البلدة دون ملابس، وهو ما سبب لي حرجا شديدا..فاضطررت إلى العودة إلى المنزل مستخقفيا في الليل. ومن أشكال المعاناة توجيه طلبات للعمال بمراجعة مقر المخابرات للتحقيق معهم، أو ابتزازهم وعرض العمالة عليهم مقابل منحهم تصاريح، وغالبا ما يتضمن التحقيق عروضا بالعمالة مع الاحتلال. ولوحظ في الآونة الأخيرة كثرة توجيه الطلبات للصبية ما بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة لسهولة إيقاعهم في شباك المخابرات. عمالة الأطفال وتسببت الظروف الراهنة الصعبة في اتجاه الأطفال لمجال العمل لإعالة أسرهم، وهذا ما دفع مركز فنون الطفل الفلسطيني إلى توجيه الدعوة بضرورة وقف (تشغيل الأطفال) في المصانع والمؤسسات المحلية. وقال المركز بمناسبة يوم العمال العالمي إن ظواهر تشغيل الأطفال ترفع نسبة الجهل في المجتمع وتزيد نسبة الأفراد غير المتعلمين والمؤهلين. وأوضحت دائرة البرامج في المركز نقلا عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن ما نسبته 6.6% من الأطفال في الفئة العمرة (6 – 16) عاما يشاركون في القوى العاملة، مؤكدة أن ذلك يشكل انتهاكا صارخا لأبسط حقوق الطفل الدولية التي تنص على أنه يجب كفالة الوقاية للطفل من كافة أنواع الأعمال والقسوة والاستغلال. وشددت على أنه لا ينبغي أن يكون الطفل معرضا للاتجار به بأية وسيلة من الوسائل. كما شددت على وجوب عدم استخدام الطفل قبل بلوغه سنا مناسبا. وأكد المركز على أنه لا يجب أن يسمح بأن يتولى الطفل حرفة أو عملا قد يضر بصحته أو يعرقل طريق نموه من الناحية البدنية والعقلية أو الخلقية. ونوه مركز فنون الطفل إلى أن تجارب دول عديدة أبرزت مدى التأثير السلبي لهذه الظاهرة على البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على تلك الدول، وعلى مستقبل الأجيال الشابة فيها إضافة إلى أنها تشكل في بعض الأحيان انتهاكا صارخا لأبسط حقوق الطفل. فلسطين-عوض الرجوب