هناك حقيقة تاريخية تفيد أن في الحروب تكتشف حقيقة مواقف الأفراد والجماعات، وإنها تمثل منعطفا أساسيا في فهم الصراعات المحلية والدولية.وإذا طبقنا هذه القاعدة المهمة على العدوان الذي تشنه الولاياتالمتحدةالأمريكية وأذنابها من بعض الدول الغربية على شعبنا في العراق، فإنه تتكشف لنا جملة حقائق أجملها في الآتي: إن العدوان وإن كان تشنه قوى أجنبية إمبريالية، معروفة بعدائها التاريخي والحضاري للعرب والمسلمين، إلا أنه من الواضح أن العدوان ينطلق من أراض عربية وأجواء عربية وبحار عربية، وأن الأساطيل الغازية تمر من قنوات مائية عربية. معنى هذا أن العدو الحقيقي للشعب العراقي هم الحكام العرب، ولولا تحالفهم مع الأمريكان لما كان للغزاة موطئ قدم على أرض العراق. إن الحكام العرب الذين تحالفوا مع الأمريكان بفتح أراضيهم وأجوائهم وبحارهم وقنواتهم المائية للأساطيل الغازية لا يتعظون من دروس التاريخ البعيد والقريب، فيكفي أن نذكرهم بما وقع لأسلافهم بعد الحربين العالمية الأولى والثانية، إذ خلال الحرب العالمية الأولى كان العرب هم أكبر قوة مساندة للحلفاء في حربهم ضد الألمان، وقبل أن تضع الحرب أوزارها كوفئوا أحسن مكافأة، كيف ذلك؟ إنهم كوفئوا بصدور وعد بلفور المشؤوم الذي أعطى فلسطين لليهود على حساب الحقوق الشرعية والتاريخية والحضارية والدينية للعرب في فلسطين المقدسة. ليس هذا فحسب بل انعقد مؤتمر سايكس بيكو الذي قسم المنطقة العربية إلى عشرين دولة، يبلغ عدد سكان بعضها بالكاد عدد سكان حي من أحياء مدينة الدارالبيضاء، أما الحرب العالمية الثانية (وهي بمنطق الأشياء ليست حربا عالمية بل هي حرب غربية بامتياز) فهي الأخرى عرفت تحالف الحكام العرب مع الحلفاء الغربيين في مواجهة نازية هتلر، وكانت مكافأتهم هذه المرة هي صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة يهودية وأخرى عربية، وقامت "إسرائيل" في المشرق العربي كخنجر مزروع في خاصرة الأمة إلى يومنا هذا. بعد كل تلك الخدمات التي قدمها أولئك الحكام للحلفاء الغربيين في بداية وأواسط القرن الماضي، وبعد كل تلك المكافآت التي كوفئوا بها، هل انتهى الأمر عند ذلك الحد؟ الأمر لم يكن كذلك بالمرة، حيث سقطت أغلب تلك الأنظمة سقوطا مريعا، وقامت على أنقاضها حكومات أخرى ترفع شعارات جديدة وتلبس أقنعة جديدة، وهي التي تتحالف اليوم بدورها ناسية دروس التاريخ تلك مع أعداء الأمس الذين هم أعداء اليوم (الأمريكان والبريطانيون والإسبان...). لقد صدرت تقارير ونشرت مقالات وألفت كتب ونظمت ندوات ووضعت مخططات من طرف كبار منظري البيت الأبيض/الأسود، تناقش وضع المنطقة بعد نهاية العدوان واستثباب الأمور للأمريكان في العراق، ولم يعد سرا أن مخططهم الاستراتيجي يتضمن: تقسيم العراق إلى ثلاث دول، واحدة في الجنوب الشيعي وثانية في الوسط الغربي السني وثالثة في الشمال الكردي. زعزعة الاستقرار في المملكة العربية السعودية وصولا إلى تقسيمها إلى عدة كيانات ضعيفة، تقبل بعودة اليهود لا سمح الله إلى أراضي أجدادهم بالمدينة المنورة. جعل إسرائيل القوة العظمى في المنطقة بما يؤدي إليه ذلك من فرض تسوية مذلة مخزية على الفلسطينيين، يكون عنوانها الأبرز هو التنازل عن القدس والسماح لليهود بهدمه وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه. أمركة المنطقة كلها عبر فرض أجندة أمريكية صهيونية في مناهج التعليم والسياسات الثقافية والتربوية، وصولا إلى "تحديد" الآيات القرآنية التي يجب أن تدرس للناشئة وتلك التي يجب أن لا يطلعوا عليها، وتلك التي يجب على الفقهاء أن يستشهدوا بها في دروسهم وخطبهم والتي عليهم أن يتجنبوها إرضاء للأمريكان. إن المخطط رهيب جدا، وبعض الحكام متواطئون مع الأمريكان ومتحالفون مع الغزاة، ومحكمة التاريخ ستحاسبهم حسابا عسيرا، أما الشعوب فواجبها أن تتحرك لتدافع عن دينها وكرامتها وحاضرها ومستقبلها، وذلك بالحيلولة دون سقوط بغداد، عاصمة الخلافة الإسلامية لعدة قرون، في يد هولاكو العصر، جورج بوش الصغير. بقلم: إبراهيم بوغضن