في الجزء الأول من هذا الحوار تحدث الأستاذ سعيد خيرون، النائب البرلماني بدائرة العرائش، عن موقع العدالة والتنمية، في الخريطة السياسية والمحلية والجهوية، وعن تصوره للعمل السياسي، وعلاقته ببعض القضايا المحلية التي تشغل الرأي العام المحلي، وأسرار التفاف المواطنين حول العدالة والتنمية. وفي الجزء الثاني، يتناول شروط الحزب ومعاييره في عقد تحالفات انتخابية خلال الانتخابات الجماعية المقبلة، وكذا تصوره للتواصل مع سكان دائرته الانتخابية البرلمانية. كما يتحدث الأستاذ خيرون عن وصاية وزارة الداخلية على الجماعات المحلية وتأثيرها في عمل وأداء هذه الأخيرة. تعرف البنية التحتية الثقافية بالإقليم سلسلة من الهدم والإجهاز، نموذج مسرح "إسبانيا"، مسرح "بيريس كالدوس"... سينيما "إيديال"... فإلى ماذا تردون هذا؟ وهل تطرحون آليات وبرامج للتصدي والحفاظ على ما بقي من هذه المعالم التاريخية؟ سؤالكم هذا هو مثال حي على ما صرحت به قبل قليل. نعم عرف الإقليم تفريطا حقيقيا وبشعا في بنيته التحتية الثقافية كمسرح "إسبانيا" ومسرح "بيرس كالدوس"، بل ونعتبر الأمر جريمة في حق الثقافة والمثقفين، ولذاكرتنا الإبداعية بالإقليم، وأود هنا أن أذكر أن حزب العدالة والتنمية بالقصر الكبير، ومن خلال مستشاريه بالمجلس البلدي، نبه إلى خطورة الموضوع أكثر من مرة، منذ بداية معالجة مسرح "بيرس كالدوس"، دافع الحزب بقوة على ضرورة المحافظة على هذا المرفق الثقافي في الوقت الذي كان حزب الأغلبية التقدمي يعمل كل ما في وسعه لمحو هذه الذاكرة الثقافية، بل إنه خلال إحدى دورات الحساب الإداري طالبنا بإعادة تخصيص الفائض السنوي لاقتناء المسرح، وقد صوتت الأغلبية الاتحادية "التقدمية" ضد ذلك، ويؤسفني أن أقول إنه لحسابات سياسية ضيقة لم يساند أي طرف، حزبيا كان أو من المجتمع المدني، نداءاتنا وكل ما أقول موثق بالمحاضر قبل أن تبرز إلى الوجود جمعيات كجمعية أصدقاء "بيريس كالدوس"، ولا بد من الإشادة بمجهودهم، حيث أصدروا العديد من البيانات في الموضوع دون جدوى، في ظل صمت مريب وحقيقي لباقي الأطراف أمام زحف "هولاكو الإسمنت"، كما أشار إلى ذلك بيان أصدقاء المسرح. ويرجع هذا الأمر إلى طبيعة عقلية مسيري المجلس المحشوة بكل تأكيد بالإسمنت ومأذونيات البيع، وبالتالي فلا مكان في عقولهم لكل ما له علاقة بالإبداع والثقافة والجمال، وعلى كل حال ، نود من جانبنا أن نؤكد بأننا على استعداد دائم للحفاظ على ما بقي من هذه المعالم التاريخية، وأقترح تشكيل لجنة تضم مختلف الهيآت والأحزاب، والقيام بجرد لهذه المعالم، والتحرك لدى المسؤولين بغرض صيانتها والمحافظة عليها، وموازاة مع ذلك، العمل على توعية المواطنين بأهمية هذه المعالم، وإبراز قيمتها الثقافية والتاريخية. مع بداية العد العكسي للانتخابات الجماعية، كيف ستكون طبيعة تحالفاتكم؟ كما تعلمون التحالفات في معناها الواسع هي سعي حزبين، أو أكثر، إلى دعم موقعهما بخصوص توجه سياسي معين أو اتخاذ مواقف إزاء بعض القضايا، كما تهدف هذه التحالفات إلى تطبيق برامجها في أرض الواقع حينما تصبح في موقع السلطة التنفيذية محلية كانت أو وطنية. وبالتالي فإن انشداد الانتباه إلى طبيعة التحالفات الحزبية يكون أكثر قوة وإثارة للنقاش عشية كل انتخابات مهما كان نوعها. بالنسبة لنا لابد من الإشارة إلى أن ما يحكم نظرتنا إلى طبيعة التحالفات هي أولا القواسم المشتركة على مستوى التصورات والأهداف التي يمكن أن تترجم إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ، ثانيا مراعاة الظروف الخاصة التي تجري إبانها الانتخابات. وبطبيعة الحال فإن نزاهة ونظافة الأشخاص الذين يمثلون الأحزاب المفترض عقد تحالفات معها يبقى شرطا جوهريا ولازما. وأنا من هذا المنبر أؤكد استعداد حزب العدالة والتنمية هنا بإقليم العرائش للتنسيق مع كل الغيورين على مصلحة الوطن والمواطنين، بما فيهم أولئك الذين تفصل بيننا وبينهم مسافة واضحة على مستوى المرجعيات الفكرية. وعلى كل حال سنعقد يوما دراسيا في موضوع " التحالفات واستراتيجية المشاركة"، وإذاك ستقرر الأجهزة الحزبية في طبيعة التحالفات الممكنة . يلاحظ على حزب العدالة والتنمية وتنظيماته الموازية، إعطاء الأولوية للأخلاقي على الاقتصادي والاجتماعي، كيف تفسرون ذلك؟ في البداية لابد من توضيح أمر قد يستشف من صياغة السؤال، ذلك أن السؤال يوحي إلى كون المجالين الاقتصادي والاجتماعي يعتبران ثانويين أو هامشيين في تصوراتنا أو برامجنا، وهذا الأمر نود التأكيد على عدم صحته، ويكفي الرجوع إلى برنامجنا الانتخابي لتقفوا على أهمية المجالين المذكورين في إرساء دعائم المشروع المجتمعي الذي ننشده، أما ما يتعلق بالجانب الأخلاقي في أدبياتنا وبرامجنا، فأعتقد أنه بالرجوع إلى ما يشغل الجميع الآن من ضرورة وأهمية تخليق الحياة العامة يعزز سعينا إلى إيلاء المجال الأخلاقي أهمية كبرى، ذلك أننا نعتبر أن الاختلالات الأخلاقية هي إحدى العوامل الأساسية في إعاقة جهود الإصلاح وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. بالنسبة لنا في حزب العدالة والتنمية يعتبر الإنسان مفتاحا أساسيا للتغيير، ليس باعتباره المستفيد النهائي من عمليات الإصلاح، بل أيضا لكونه مرتكز أي إصلاح منشود، وبالتالي فالتساؤل عن أي إنسان نريد يجد جزءا هاما في الجواب عنه في عملية التخليق، التي تتوجه نحو الإنسان فردا كان أو جماعات أو مؤسسات. أما بالنسبة للاقتصادي والاجتماعي، وأشير بالمناسبة فقط إلى أن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي طالب بوضع سقف أجور مسؤولي المؤسسات العمومية والإدارات العامة، كما أن تعديلاتنا المتعلقة بالميدان الجبائي، وخصوصا الضريبة على القيمة المضافة المتعلقة بالسكن الاجتماعي، بحيث اقترحنا إخضاعها ل 7% عوض 14%، كما أن مقاربة الحزب لتحرير قطاع التبغ وخوصصة شركته وقضايا الخوصصة عموما، فقد أوليناها أهمية بالغة خدمة للصالح العام.. وهذه فقط أمثلة تحضرني الآن . ترسخ في ذهن الناخب عبر سنوات من الممارسة البرلمانية ابتعاد النائب البرلماني عن هموم ومشاكل الناخبين بعد فرز نتائج الاقتراع، هل يفكر الأستاذ سعيد خيرون في إضافات جديدة لعمل النائب البرلماني؟ في تدخلي أمام المؤتمر المحلي الثاني لحزب العدالة والتنمية بالعرائش، ذكرت بنقطتين كنا قد التزمنا بهما أثناء الحملة الانتخابية، فإضافة إلى الدفاع عن برنامجنا الانتخابي والعمل على تنفيذ ما أمكن منه من موقعنا الحالي، أكدنا على تعهدنا بالتواصل مع المواطنين وتبني مشاكلهم وقضاياهم على مستوى الإقليم، والعمل على معالجتها حسب إمكاناتنا، وانسجاما مع طبيعة المهام والصلاحيات المخولة لنا قانونا. وهكذا قمنا بزيارة كافة الجماعات القروية والحضرية تقريبا لتقديم الشكر للمواطنين للثقة التي وضعوها في حزبنا وللمزيد من الاطلاع على مشاكل المنطقة وحاجياتها، وهي كثيرة بطبيعة الحال، وسنعتمد للالتزام بوعودنا آليات متعددة، من قبيل تنظيم أيام مفتوحة مع المواطنين وتوزيع مطبوعات نعرض فيها حصيلة عملنا، إضافة إلى قيامنا بالفعل بفتح مكتبين خاصين بالنائب البرلماني بكل من مقري الحزب بالعرائشوالقصر الكبير لاستقبال المواطنين وتسلم الملفات التي تشغلهم بغرض معالجتها لدى الجهات المعنية. ونرجو من الله تعالى أن يوفقنا إلى المزيد من الوسائل والآليات للقيام بواجبنا وأن نكون عند حسن ظن المواطنين. التغيير هو أمل كل المغاربة، أنتم كحزب جديد ألا تظنون بأن المشكل أبعد من ذلك؟ وهل أنتم قادرون على تحقيق مطامح المواطن الذي وضع فيكم الثقة؟ بالنسبة لحزب العدالة و التنمية ليس حزبا جديدا... (أقاطعه) نقصد حزبا جديدا كمنظومة سياسية إسلامية تدخل لأول مرة معترك الانتخابات. إن الظروف الصعبة التي تجتازها بلادنا على كافة المستويات، تدعونا إلى المساهمة، إلى جانب بقية مكونات المجتمع، في الإصلاح والتغيير الذي ينشده الشعب المغربي ككل. هذا التغيير الذي يحتاج في نظرنا إلى إخلاص وجهد ومثابرة وعمل دؤوب وخطط مدروسة وأولويات واضحة في الزمان والمكان، والتغيير إذ هو عملية تراكم، فإننا لن ننتظر حتى تهيأ كل الشروط الإيجابية للانخراط في المساهمة في الإصلاح. أما ما يتعلق بقدرتنا على تحقيق مطامح المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فينا، فإننا نؤكد استعدادنا الدائم لذلك، خصوصا وأننا لم نلتزم أمام المواطنين بوعود مثالية تدغدغ عواطفهم. لقد كنا واضحين وصريحين إلى أبعد الحدود، وهو الأمر الذي زاد في اعتقادنا من التفاف المواطنين ومنحونا ثقتهم، ونرجو من الله تعالى أن نكون عند حسن ظنهم بنا. إضافة إلى ذلك، نحن نعتقد أن الاشتغال على مستوى الجماعات المحلية هو المحك الحقيقي لكل الوعود التي تتقدم بها الأحزاب إلى المواطنين. ورغم بعض المعيقات التي تصاحب عمل الجماعات المحلية، سواء كانت ذات طبيعة قانونية أو غيرها، فإنه من الممكن باعتقادنا تقديم الكثير من الخدمات في الوقت الراهن من العمل النيابي البرلماني. ردد بعض مناضلي حزب العدالة و التنمية أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة انتقادات لبعض الأحزاب السياسية المنافسة من قبيل اتهامهم بالإلحاد و العمالة ل"إسرائيل". ما تعليقكم على ذلك؟ بدون تردد أقول إن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، ففي مدينة القصرالكبير، حيث الحدة في المناقشات السياسية والتنافسية أكثر من مدينة العرائش، لا شيء من هذا حصل، ولأول مرة أسمع هذا الكلام، هذا لم يكن أبدا في خطابنا أو في أدبياتنا، وأخلاقنا لا تسمح لنا بذلك، أنا أستغرب لمثل هذا الكلام ولا أدري صراحة ما الهدف من مثل هذا السؤال ؟ على مستوى تدبير الشأن العام المحلي، نعرف أن وصاية السلطة التابعة لوزارة الداخلية هي معيق من معيقات إنجاز برامج الأحزاب، وأيضا إصلاحاتهم على مستوى المجالس المحلية. بطبيعة الحال، هناك مجموعة من المشاكل: الشغل، البنيات التحتية... فكيف تتعاملون مع هذه الوصاية؟ أود أن أشير في البداية إلى أن الوضعية المزرية التي توجد عليها أغلب جماعاتنا القروية والحضرية لا يرجع السبب فيها فقط إلى وصاية وزارة الداخلية، بل إن جزءا هاما من المسؤولية يقع على المنتخبين أنفسهم، إما لضعف تكوينهم أو لانتهازيتهم وفساد ذمتهم أو لجميع ما سبق، وهو الأمر الذي يجعلهم (طيعين) لسلطة الوصاية دون جهد يذكر من هذه الأخيرة. ونحن نعتقد أن الميثاق الجديد، وهو لا يختلف كثيرا عن القديم من حيث الجوهر، رغم العديد من سلبياته، إضافة إلى عدم تمتع الجماعات باستقلال مالي حقيقي، فإنه بالإمكان تقديم الكثير من الخدمات للمواطنين، شريطة توفر الكفاءة والأمانة واعتماد الشفافية والوضوح في تسيير وتدبير شؤون المواطنين، ورغم تلك الوصاية، فإننا مؤمنون بقدرتنا على معالجتها في اتجاه خدمة الصالح العام. هل هناك تنسيق بين البرلمانيين الأربعة بدائرة العرائش؟ ليس هناك أي تنسيق بين البرلمانيين الأربعة، من جهتي أنا مستعد لكل مبادرة تنسيقية تستهدف المصلحة العامة للمواطنين بإقليم العرائش. يشهد الإقليم تصاعد موجات الإجرام، دونما طرح مقاربة اجتماعية أمنية للموضوع. كيف تنظرون للأمر؟ ولماذا لم تطرحوه على مستوى البرلمان؟ هذا الموضوع بكل تأكيد له أهمية خاصة، لأن المستهدف هنا هو حياة المواطنين وممتلكاتهم، الأمر الذي ينعكس سلبا على أمنهم وسكينتهم، وهذا أسوأ ما يمكن أن يعيشه الناس. والملفت للنظر أن هذه الظاهرة بدأت تأخذ منحى جديرا بالاهتمام، سواء من حيث تصاعد وتيرتها أو نوعيتها، ولننظر مثلا إلى ما يحدث الآن في مدينة الدارالبيضاء، كما يجب التنبه إلى المسيرة الجماهيرية الشعبية في مدينة فاس، والتي خرجت تندد بتدهور الوضع الأمني، ولهذه الظاهرة طبعا أسباب كثيرة أهمها في نظرنا : ضعف التدين والأخلاق في المجتمع، ارتفاع مظاهر التفكك الأسري الناتج عن الطلاق والمشاكل العائلية، وشيوع الأمية والبطالة والفقر في المجتمع, يضاف إلى كل هذا، وكأنه لا يكفي ما بدأنا نسجله بقلق كبير، ألا وهو هذا الإصرار على ترويج ثقافة الميوعة والانحلال الخلقي والإباحية الجنسية، متسترة تحت دعاوى وأشكال متعددة، وهو ما نتج عنه مظاهر انحراف متعددة كتعاطي المخدرات والمسكرات ومختلف أشكال الإجرام. نستنتج من كل هذا أن "الجناة" هم في الواقع ضحايا لسياسات اعتمدت في هذا البلد العزيز تميزت بالفشل الذريع في معالجة التحديات والأخطار التي يعيشها المواطنون. أنا أتفق معكم على أن المعالجة يجب أن تعتمد مقاربة اجتماعية اقتصادية وأمنية وأضيف بعدا آخرا لعله الأهم وهو البعد التربوي، وهذه مسؤولية الحكومة باعتيارها جهازا تنفيذيا بالدرجة الأولى، ثم تأتي مسؤولية بقية الأطراف من معارضة في البرلمان إلى دور العلماء والخطباء والمربين وهيئات المجتمع المدني، دون أن ننسى الدور الخطير الذي يقع على كاهل المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة. بالنسبة لنا في حزب العدالة والتنمية، نؤكد على المعالجة الشمولية، وهو ما تجدونه مسطرا في البرنامج الانتخابي، أما مسألة طرح الموضوع في البرلمان، فبكل تأكيد سيتم طرحه عبر أسئلة أو من خلال مناقشته في اللجن المختصة، وقبل ذلك فنحن نسعى لدى من يهمه الأمر من سلطات إقليمية أو محلية لإثارة الانتباه إلى الموضوع والمساهمة في معالجته بمقترحاتنا، وهو الأمر الذي نقوم به بالفعل. وأود أن أؤكد في النهاية أن الموضوع أعمق وأعقد من أن يعالج من خلال بضعة أسطر.