في الشوارع، في الأسواق، في المحلات التجارية، وحتى في المنتديات الإلكترونية والإذاعات، تروج وصفات جاهزة لعلاج العديد من الأمراض، يقول عنها مروجوها إنها "دقة ببطلة" في علاج الأمراض المستعصية والعلل التي لم يتمكن الطب الحديث من التخفيف من معاناة أصحابها. أحيانا تكون وصفات جاهزة تباع في كل مكان، خلطات يقولون بثقة إنها تشفي من المرض، وأحيانا يلجأ المواطن إلى شراء مكونات الوصفة وتجهيزها بنفسه بحثا عن تخفيف ما ألم به من داء وطلبا للعلاج مما تنتجه الطبيعة وتهبه لنا نحن أبناءها. مؤخرا تعالت الأصوات تطالب بتقنين التداوي بالأعشاب بالنظر للفوضى التي يعرفها القطاع، ولأن الوصفات العلاجية المستندة على الأعشاب أصبحت تروج على أثير الإذاعات والمواقع الإلكترونية ولكونها متاحة أمام المواطنين، فلا يكاد يخلو حي من "عطارين" و "عشابة" ومراكز للعلاج بالاعشاب. موضوع التداوي العشوائي بالأعشاب وصل إلى البرلمان بغرفتيه، حتى أن وزير الصحة أكد على ضرورة محاربة ما أسماه ب "الظاهرة" قائلا إنها تسببت في حدوث حالات تسمم نجمت عنها وفيات. الوزير أعلن للرأي العام خلال جلسة الأسبوع الماضي في مجلس المستشارين أن المركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية سجل سنة 2013 سبع وفيات وحوالي 300 حالة تسمم نتيجة الاستهلاك العشوائي لمستحضرات الأعشاب. الوردي تحدث عن عزمه سن قانون لمحاربة التداوي العشوائي بالأعشاب وإطلاق عمليات تحسيس بخطورة هذه الظاهرة، لكنه قال إن وزارته ليست وحدها معنيا بهذه القضية بل من الضروري تظافر جهود الجميع بما في ذلك المجتمع المدني والمواطنون. وصفات على الأثير تجد وصفات الأعشاب التي تبثها الإذاعات الوطنية إقبالا من المواطنين، الذين يتصلون على الأثير لعرض أمراضهم طالبين الدواء والعلاج، ولم يتوقف الأمر عن الإذاعات بل إن هذه الوصفات وجدت لها انتشارا كبيرا في الانترنت وخاصة في المنتديات النسائية والطبية. ومن الغريب أن مقدمي هذه البرامج وحتى بعض المحلات التي تقدم نفسها على أنها "طب بديل" تقدم وصفات جاهزة لكل الأمراض وحتى المستعصية منها، وهو ما يدغدغ مشاعر المرضى ويدفع الباحثين عن أمل في العلاج إلى الجري وراء هذه الوصفات. السياتيك، السكري، العقم، الشلل، جلطات الدماغ، قصر القامة، امراض الجهاز الهضمي، تصلب أوعية وشرايين القلب، هذه نماذ الأمراض التي يعرضها المستمعون على الإذاعات، "الحل سهل خذي ورقة وقلم واكتبي الوصفة التالية وأجيبني بعد مدة" هكذا يخاطب "خبير الاعشاب" المستمعين، وهذه الوصفات التي تتداولها النساء والرجال في مجالسهمن فكل واحد ينقل التجربة لغيره. هذا الوضع دفع عددا من الاطباء إلى مراسلة وزير الصحة لوقف هذه البرامج، واصفين ما تبثه بأنه يسبب "مخاطر كبيرة" على صحة المواطنين، وتجاوبا مع هؤلاء وجهت وزارة الصحة مراسلة إلى الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، لمطالبتها بالتدخل لوقف هذه البرامج الإذاعية التي تسوق على أنها طبية، ويتم خلالها تقديم وصفات تعتمد على مكونات نباتية أو مائية، والتي يتم تسويقها على أن لها نتائج ومردودية إيجابية على صحة المستمع/المريض، في الوقت الذي تبين أنها تسببت في العديد من حالات التسمم كما سجل المركز الوطني لمحاربة التسممات واليقضة الدوائية. وزارة الصحة طالبت، بالنظر لخطورة هذا الوضع "الهاكا" بوضع حد لهذه البرامج المنافية في مضمونها للقوانين المؤطرة لهذا المجال، حفاظا على صحة وسلامة المستمعين/المواطنين، الذي يعمدون إلى استعمال وتجريب ما ينصحون به خلال البرامج الإذاعية المذكورة، الأمر الذي تكون له عواقب وخيمة على صحتهم. هذه المراسلة لم تجد لها صدى لحد الساعة ولم تجد لها أثر في الإذاعات التي لا زالت تبث برامج من هذا القبيل، كما لم تجد الدعوة التي اطلقها منذ شهرين رئيس الجمعية الوطنية للعشابين المخضرمين والمتجولين بالمغرب في نفس الموضوع. دعوة للتقنين وإذا كانت وزارة الصحة والأطباء والجمعية الوطنية للعشابين المخضرمين تطالب بوقف بث وصفات التداوي بالأعشاب على أثير الإذاعات الوطنية، لما في ذلك من خطورة على صحة المواطنين بالنظر للمعلومات المغلوطة وغير العلمية التي تقدمها للمواطنين، فإن "اتحاد العشابين بالمغرب" كان قد وجه مذكرة مطلبية لوزارة الصحة وعدد من الجهات الأخرى لحثها على توفير أرضية قانونية لسد الفراغ الحاصل بخصوص التداوي بالأعشاب في المغرب، وبالتالي تنظيم المهنة من خلال حصرها على العشابين المدربين والمراكمين للتجربة والخبرة في مجال الأعشاب، لتفادي الأضرار بصحة المواطنين، وتعريض صحتهم للخطر بواسطة التسممات الناتجة عن استعمال الأعشاب السامة. وطالب الاتحاد في هذا الصدد بالضرب على يد كل "المتطفلين" و "الدخلاء" على ميدان التداوي بالأعشاب الطبيعية، والذين يخلطون ما بين التداوي والعلاج والشعوذة، الشيء الذي يتسبب في تسمم عدد من المواطنين بواسطة الأعشاب، لسوء التعامل معها واستعمالها أو لسوء اختيار الجزء الصالح منها. الدعوة إلى تقنين المهنة ومحاربة "المتطفلين" و"الدخلاء" عليها، يتفق فيها "اتحاد العشابين بالمغرب" و"الجمعية الوطنية للعشابين المخضرمين والمتجولين بالمغرب" وتنتظر التفعيل من طرف الجهات المختصة لحماية صحة المواطنين.