خارطة جديدة للمنطقة، ومكافحة للإٍسلام، ومزيد من الأمن لإسرائيل!!! تتزايد احتمالات قيام آلة الحرب الأمريكية بشن هجوم على العراق، ويبدو أن هذا الاحتمال يتعزز بسبب القناعة الموجودة لدى الإدارة الأمريكية تجاه (ضرورة) خوض هذه الحرب، ووضع قواعد جديدة للسياسة في المنطقة تحمي من خلالها الوجود الصهيوني، ويحافظ فيها على مصالح الولاياتالمتحدة، ومن ثم القيام برسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط يؤخذ في الاعتبار بها المتغيرات العالمية وانعكاساتها وتأثيرها الجوهري في النظم السياسية والاقتصادية في العالم: كالثورة التكنولوجية، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وتحول الأنظمة الاشتراكية إلى اقتصاديات السوق، وقيام منظمة التجارة العالمية، وبروز التكتلات الاقتصادية العملاقة. ويرافق تحضير الولاياتالمتحدة لغزو العراق حملات شديدة التوجيه ضد العالمين العربي والإسلامي، وتستهدف بشكل أساسي النظم القائمة بغية إرغام بعضها على ابتلاع رفضه لهذه الحرب وإن كان على استحياء . ويتم ذلك، أيضاً، من خلال فرض رؤى أمريكية تقولب ممانعة هذه النظم للحرب بالاستتباع والإلحاق بالولاياتالمتحدة. ويظهر ذلك جلياً من خلال مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية التي أعلن عنها وزير خارجيتها كولن باول، وحظي هذا الإعلان بميزانية قدرها (29) مليون دولار، وهي تكفي للإنفاق على البرامج الدعائية للمشروع إلا أنها لا تصنع مشروعاً ديمقراطياً حقيقياً. ويظهر من خلال هذا الإعلان أن الهدف الأساسي منه إلحاق هذه النظم بالمنظومة الأمريكية عن إرادة مفروضة بقوة السلاح والتهديد باستخدام القوة ولطف الخطاب المستند إلى غطرسة القوة ضد العرب والمسلمين على قاعدة "تكلم بلطف واحمل عصا غليظة"، وخصوصاً أنه يأتي في ظل ميزان قوى مختل لغير صالح العرب والمسلمين، ويحمل طابعاً صليبياً مستنداً إلى فكرة صدام الحضارات التي أطلقها صموئيل هانتنغتون، والتي تكوّن على أساسها تحالف عنصري جديد ضد العرب والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، يضم الإدارة الأمريكية بوجهها النازي والمؤيدة من التيار الصهيوني المسيحي المتطرف الذي يمثل امتداداً للحركة الصهيونية التي لها نفوذ هائل في الحياة الأمريكية، وباتت سياجاً يحمي الفكرة الصهيونية في سطوتها وسيطرتها على القرار الأمريكي. وتعززت هذه الصورة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بخلق الولاياتالمتحدة لعدو جديد لها المتمثل بالإسلام (الحركة الإسلامية)، وعملت بشكل جدي على تنميط صورة الإسلام الذي ينتج أناساً إرهابيين متطرفين سمتهم الأساسية العنف والتطرف والإرهاب ومصادرة حرية الآخرين. والحرب على العراق، وبالمحصلة النهائية على الأمة العربية والإسلامية، تأتي في هذا السياق. ويبدو أن الحرب على العراق قد اتخذ قرارها، فعلى الرغم من نفي العراق لحجج الإدارة الأمريكية القائلة بامتلاكه أسلحة دمار شامل إلا أنها مصرة على استمرارها بالتلويح باستخدام القوة ضده. ويتحدث مراقبون أنه لو وصل العراق لتقانة أسلحة الدمار الشامل لكان استعملها عام (1991) عندما هوجم، أو على الأقل عرفت واشنطن أنه سيستعملها. ولهذا فإن هذه القضية بالذات لا تمثل أولوية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وعلى هذا فإن الإدارة الأمريكية ترى أنه يمكن الوصول إلى السعودية ومصر وسوريا ولبنان وإيران عبر العراق بسهولة أكثر وكلفة أقل، ويبدو أن هذا هو الهدف الأساسي لهذه الحرب. فالهجوم على العراق، واحتلاله، يجعله مركزاً لتخويف إيران وسوريا، ويمكن من خلاله التحرك باتجاه السعودية ودول الخليج لأحداث تغييرات تتوافق مع السياسة الأمريكية، كما أنه يمكن من خلاله التحرك باتجاه سوريا ولبنان، والسيطرة التامة على كل فلسطين والقيام بعمليات تهجير واسعة النطاق ضد الفلسطينيين، وخصوصاً أن قادة الكيان الصهيوني باتوا مقتنعين أن تغييرات جذرية قد حصلت بعد انتفاضة الأقصى التي أدت إلى إسقاط أوسلو ومن ثم فإنهم يعتقدون أن الظروف بعد الحادي عشر من أيلول قد تغيرت وأن اتفاقية أوسلو وملحقاتها لم تعد مقبولة. وعلى الرغم من محاولاتها المتكررة للدفع باتجاه الحرب ضد العراق إلا أن إسرائيل تُظهر قلقها الواضح من احتمال تقسيم العراق إلى عدة أجزاء، لأن ذلك ليس من مصلحتها، وكذلك ليس من مصلحة تركيا أن يكون لإيران أي تدخل في أي جزء من أرض العراق في حال تقسيمه، وتهتم إسرائيل في الفترة الحالية من الناحية الأمنية في المنطقة العراقية الدفاعية الأمامية في الغرب، والتي تقع على مسافة غير بعيدة من الأردن والتي من الممكن أن يُطلق منها صواريخ ضدها (على مدى 600 كلم) أو صواريخ العباس (900 كلم)، وهذا ما استدعى من إسرائيل في المقابل تعزيز شبكتها الدفاعية بدعم أمريكي. وبطلب من الإدارة الأمريكية، أعد الدكتور ماكس زينغر (المختص في تحليل السياسات، ومؤسس معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية والسياسية)، وثيقة ترسم سيناريوهات محتملة للعالم خلال العقدين المقبلين، وأهم هذه السيناريوهات هي: 1. أن الولاياتالمتحدة ستقوم بهجمات عدة ضد دول وربما يؤدي ذلك إلى سقوط حكومات إسلامية، وستمتلك العراق ومصر وإيران والسعودية سلاحاً نووياً، وأن دولاً أخرى ستمتلك أسلحة بيولوجية تستخدم في النزاعات فيما بينها. وأن إسرائيل ستبقى موجودة بعد (18) عاماً، إلا أنها ستواجه خطراً كبيراً على وجودها. وقد تتعرض للإبادة بواسطة السلاح النووي الإسلامي الذي سيتوافر بكثرة في الشرق الأوسط. 2. سيتعزز دور (الإسلام الكفاحي) وسيمتد في دول عديدة مثل الجزائر وتونس والمغرب، وستزداد حالة العداء لأمريكا في المنطقة العربية، إلا أنه سيرفض في دول إسلامية في آسيا. ووفقاً لهذا السيناريو فإن مصر ستكون الدولة الوحيدة التي لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة على الرغم من أنها ستمتلك سلاحاً نووياً ومثلها إيران والعراق والسعودية. 3. يتحدث زينغر بتفصيل عن هذا السيناريو، ويقسم الدول إلى: مؤيدة (للإسلام الكفاحي) ودول معارضة له. وأن الإسلام الكفاحي سيسيطر على الدول العربية (900 مليون نسمة) وإسناد الجاليات الإسلامية في أوروبا وإفريقيا، وسيرفض في تركيا ووسط آسيا (400 مليون نسمة). 4. في هذا السيناريو، يتحدث زينغر عن سقوط الإسلام الكفاحي بسبب القمع والاستبداد والعنف الموجود بين العرب، وكذلك عن انهيار أنظمة العراق وإيران. وبحسب زينغر أيضاً فإن الديكتاتوريين سيبقون مسيطرين على العالم العربي. وتتضمن الوثيقة التي أعدها زينغر أيضاً، خطة لمكافحة الإسلام الكفاحي يقسمها لعشرة مراحل منها حل الصراع العربي الصهيوني، وذلك ب: حل مشكلة اللاجئين من خلال إعادة توطينهم، وحظر استخدام الإرهاب، وتشجيع التعددية في أوساط الفلسطينيين، وإقامة حدود واضحة وآمنة لإسرائيل، ودولة فلسطينية ملتزمة بأمن إسرائيل... ويفترض زينغر أنه من الممكن العمل على إخضاع الفلسطينيين حتى يخضعوا للحل الذي تريده إسرائيل. ومن هنا، فإن المنطقة متجهة لمرحلة شديدة السواد وفق السيناريوهات التي ترسمها الإدارة الأمريكية، وتحاول فرضها ليس على العالم العربي والإسلامي فحسب بل على العالم كله، ولكن تبقى إرادة الممانعة، والإصرار على التغيير، وفرض الوجود قادرة على إفشال هذه المخططات والبقاء على ساحة الحياة... هيثم أبو الغزلان-كاتب فلسطيني [email protected]