في كل عام، و خاصة مع حلول فصل الشتاء، نكتشف من جديد، أو نعيد اكتشاف، نوع جديد من "الجاليات المغربية"، فبالإضافة إلى الجالية الكلاسيكية بالخارج التي أجلتها الأوضاع الاجتماعية في غالب الأحيان و الظروف السياسية في البعض الأخرى، فها نحن نكتشف جالية أخرى، و هي جالية لم تبرح حدود المملكة، إنها جاليتنا بالداخل التي أجلتها و حاصرتها الأحوال المناخية بالتواطؤ مع الأحوال و "الأوحال" السياسية و التنموية في المناطق الجبلية النائية، من مثل دواوير إقليم خنيفرا و إملشيل و ميدلت و أزيلال و غيرها مما لم تصل بعد صراخاتهم أسماع الدولة و لا أسماع الإعلام كإمين لاون جماعة توندوت إقليم سكورة أو الدواوير المجاورة أو جماعة إغرم نكودال و ما حولها من الدواوير المنتشرة على الجهة الجنوبية لجبل طبقال، كما القرى المنسية في قرون جبل "مكون" التابعة لجماعة أسمرير و غيرها و هي مناطق كثيرة مجلية في منآها لا يخرجها إلى الواقع سوى حالات الطقس حيث حينها فقط تبدأ بعض وسائل الإعلام في الحديث عن مأساتها مع أحوال الطقس... و عليه، فحينما نتحدث عن جاليتنا بالخارج، علينا أن نضيف إليها جالية أخرى و هي "جاليتنا بالداخل"، و في الحقيقة فهذه الجالية، أي جالية قرون الجبال أبعد من باقي الجاليات المتفرقة في القارات الخمس، و علينا أن ننشئ لها هي أيضا هيئات مثل تلك التي أنشئت "للخارج" و التي لا نرى لها دورا على كثرتها و تعددها سوى في المناسبات لتسجيل الحضور، و هكذا علينا أن نحدث "الوزارة المكلفة بمغاربة المناطق النائية" و "المجلس الأعلى لجالية القرى الجبلية" و "مؤسسة محمد الخامس للمغاربة المقيمين في قرون الجبال" و ... و ذلك على غرار الهيئات المحدَثَة للجالية بالخارج، علما أن جلاء الجالية المغربية سكان قرى و دواوير الجبال أبعد بكثير من جالية الخارج، فعلى الأقل تعيش جاليتنا بالخارج داخل و ليس خارج بلد الضيافة، كما تستفيد كليا من الخدمات التي توفرها بلدان الإقامة، بل تعيش في ظروف معاشية و اجتماعية أفضل من مغاربة الداخل، و على أي حال فهي لا تزال مرتبطة بالعالم عن طريق التقنيات الحديثة التي توفرها لها بلدان الإقامة، أما جاليتنا الداخلية بالمناطق المذكورة فإنها تعيش فعلا خارج الوطن لوجودها خارج برامج الدولة و اهتمامات الحكومية المتعاقبة على الحكم، و لو أولتها الدولة ولو نسبة ضئيلة من الاهتمام لما كانت اليوم في مثل هذه الأوضاع المأساوية بكل المقاييس، و هي أيضا معزولة فعلا عن العالم الحقيقي و معزولة عن العالم الافتراضي، و بكلمة موجزة، ملؤها الأسى، فهذه الجالية خارج التغطية سوى من تغطية الثلوج المتهاطلة التي تزيدها مأساة جديدة إلى مأساتها. إذا كانت الجالية بالخارج تعاني البعد الجغرافي و ما يتولد عنه من شوق للوطن و أهله فإنها تعيش على أمل معانقة الوطن في أقرب مناسبة عطلة أو زيارة، أما جالية الداخل فهي تعاني من الداخل البعد الجغرافي و العزلة المناخية و اللجوء السياسي و الحصار الاقتصادي و الحكرة الاجتماعية دون أدنى أمل في تحسن الأحوال في المستقبل المنظور.