إنه لأمر غريب كيف يعمل الكثيرون على تهريب النقاش حول برنامج "مسار" بإنزال "طائرة " منظومة "مسار" في "حديقة" أزمة قطاع التربية و التكوين بالمغرب، فعدم معرفتهم ب"مسار" و أهدافه جعلتهم يقومون بتعويم النقاش و الفرار به الى الحديث عن أزمة التعليم و مشكل التربية و التكوين بصفة عامة، ليجتروا نفس السمفونية المشروخة حول أزمة قطاع التربية والتعليم ، وهي أزمة تُقِرُّ بها أعلى سلطة في الدولة و يشعر بها أبسط مواطن في أبعد نقطة نائية في البلاد. و هذا ما يكشف بدوره عن أزمة لدى نخبنا السياسية و التربوية و الاعلامية المفلسة.و إنه لأمر عجيب كيف يسعى البعض الى تحميل التظاهرات الاحتجاجية للتلاميذ ما لا تحتمل من قراءات سياسية و خلاصات ايديولوجية، حيث يعتبرون كل "صيحة " في الشارع شرارة لاندلاع الثورة الموعودة و الانتفاضة الموهومة ضد النظام ، حيث يشرع هذا البعض في التصفيق و التهليل لها دون حتى أن يدرك مضمونها الاحتجاجي، و لا أهداف التلاميذ من ذلك الاحتجاج. منظومة "مسار" : "مسار" في أصله منظومة معلوماتيةستدمج و ستجمع بين ثلاثة برامج معلوماتية تشتغل بهم وزارة التربية الوطنية منذ موسم 2006 2007 ، و ستطور خدماتها، و هي برنامج:"esise " الخاص بإحصاء التمدرس و فضاءات الاستقبال و الدعم الاجتماعي، و برنامج " gresa" الخاص بقاعدة المعطيات الأساسية للمؤسسات التعليمية، و برنامج " massir" الخاص بالموارد البشرية. و هذه البرامج لا تميز بين التعليم العمومي و الخصوصي، حيث تتوفر المؤسسات الخصوصية كما العمومية على أقنان الولوج الى هذه البرامج، و تقوم بمسك معطياتها بهافي أوقات معينة من كل سنة . و نفس الأمر يسري على منظومة "مسار". فهذه المنظومة ستوفر لصانعي القرار التربوي معطيات دقيقة و شاملة و غنية حول القطاع التربوي، وستوفر على الادارة التربويةالكثير من الجهود و الطاقات، سواء على مستوى المؤسسات التعليمية، أو على مستوى النيابات و الأكاديميات، أو على مستوى الادارة المركزية، كما ستكون منظومة "مسار" من الآليات التي ستساهم في دعم اللامركزية و اللاتمركز في التدبير التربوي و الاداري بوزارة التربية الوطنية، وتجعل منظومة "مسار" المؤسسة التعليمية محورالمعظم العمليات التربوية و الادارية، وهذا ما يفرض ضرورة تأهيل الادارة التربوية تقنيا و اداريا و دعمها بالموارد المالية و البشرية اللازمة، و هذا ما سيدفع بالوزارة كذلك الى إعادة النظر في معايير اختيار المديرين. فالمديرون هم مركز الثقل في تنزيل هذه المنظومة المعلوماتية، و هم أول من شرع في العمل بها بعد دورات تدريبية عليه طبعا، من خلال مسك معطيات مؤسساتهم، و لذلك غير مفهوم كيف يحتج التلاميذ و الأساتذة على"مسار "، و هم الذين لا علاقة لهم بها إلى حد الآن ، حيث لم تصل بعد مرحلة اشتغال الأساتذة على برنامج " مسار" باستثناء مسك نقط الفروض، التي ليست سوى عملية في غاية البساطة، و معظمهم كان يقوم بها في برامج معلوماتية أخرى قبل "مسار"، و عليه قد يكون احتجاج السادة المديرين مقبولا و مفهوما، لانهم يشتغلون على مسار، و تواجههم العديد من العراقيل التقنية و المهاراتية في العمل به ، أما التلاميذ و الأساتذة فاحتجاجهم لا معنى و لا تفسير له،فالتلاميذ لا علاقة لهم بالبرنامج الا في مرحلته النهائية عندما سيكون لأباءهم و أولياء أمورهم "كلمة المرور" للاطلاع على كل نتائجهم الدورية والسنوية فيه و مراقبة تغيُّباتهم و وضعيتهم عبره. كما لا يمكن أن تكون نتائج منظومة" مسار" الايجابية واضحة و ملموسة حتى يتم استكمال تنزيل جميع حلاقتها،و من أهمها على الاطلاق وثوقية المعلومة الاحصائية"la fiabilité de l'information d'éducation"، وهي حجر الزاوية في كل عملية تشخيص و تخطيط تربويين، فسابقا كان بعض المديرين يزودون النيابات بالمعلومات التي يرغبون فيها، و يحجبون ما يريدون منها، حيث يتلاعبون بالمعطيات التربوية حسب مصالحهم،و في بعض الأحيان بالتواطؤ مع المسؤولين في النيابات. ثم إن منظومة "مسار"تمنح للتلميذ رقما وطنيا بمجرد تسجيله في السنة الأولى ابتدائي، و يكون هذا الرقم الوطني ملازما للتلميذ أينما تسجَّل و انتقل،و طيلة مساره الدراسي و الجامعي، و هذا ما يسمح بتتبع مسار "أفواج" التلاميذ "les cohortes" بالدراسات و البحوث و التقييم طيلة مسارهم الدراسي. و لا يدرك أهمية و ضرورة هذه الخدمة إلا الباحثين المشتغلين و المهتمين بمجال الديموغرافيا المدرسية، التي لا زالت بلادنا متخلفة فيها. ثم إن برنامج "مسار" سينصف التلاميذ المُجِدِّين و المجتهدين ،و يحررهم من ضغط بعض الأساتذة المتاجرين بالنقط و الامتحانات، و سيقوي مكانة الأساتذة النزيهين و المتفانين في عملهم، و يضمن الشفافية في التقويم و التقييم، مما يكفل نسبيا نوعا من تكافؤ الفرص بين المتمدرسين. فالمحتجين على برنامج “مسار” ، أو بالأحرى الذين دفعوا بالتلاميذ الى الاحتجاج على شيء لا يعرفون عنه أي شيء ، يعلمون أن المراحل المستقبلية في تنزيل منظومة تدبير التمدرس “مسار” تتجاوز إلزامهم على انجاز الفروض في وقتها ، و تفرض عليهم نوع من الشفافية في تقويم التلاميذ، حيث لا تسمح لهم لا بتضخيم النقط و لا بتقزيمها من خلال الأنشطة. و حيث ستأتي المرحلة التي من المفروض فيها على الأستاذ ملء دفتر النصوص في “مسار” في نهاية حصته ، مما سيقلص من التغيُّبات المتواطئ عليها مع الإدارة، و مما سيفرض كذلك على هيئة التفتيش القيامبواجبها في التأطير و المراقبة التربوية، كما ستسمح المراحل الأخيرة من تنزيل “مسار” بتوفُّرِ أباء التلاميذ و أولياء أمورهم على إمكانية الولوج إلى موقع "مسار"، للاطلاع على نتائج أبناءهم و تتبعها و مراقبة تغيباتهم . و لكل هذا دُبِّرَ الاحتجاج على “مسار” من طرف بعضمن الأساتذة و بعض من المديرين، الذين ألفوا “الريع التربوي ” و المتاجرة بالتغيبات و المضاربة بالفروض و النقط، مستغلّين عدم فهم و وعي التلاميذ بأهدافهم الحقيقية. و من هؤلاء من يعيش على فُونْطازْمْ تفجير"انتفاضة" شعبية و إنجاز "ثورة" موهومة، تكون ركيزها الأساسية "الحركة التلاميذية"، بعدما فشل في تثوير الطبقة العمالية و في استنهاض الفلاحين. "الحركة التلاميذية" : "الثوريون الجدد" يتحدثون عن تبلور حركة تلاميذية خلال الاحتجاج "الموجه " ضد برنامج "مسار"، ويكتبونو بنوع من النوسطالجيا الى تجربة "النقابة الوطنية للتلاميذ"، التي أسستها فصائل "اليسار الجديد" في النصف الأول من السبعينيات من القرن الماضي ، متجاهلين أن استدعاء تلك التجربة من الماضي يقتضي كذلك استحضار سياقاتها المجتمعية و السياسية و الديموغرافية -المدرسية على الخصوص، و ما تشكله التطورات التي عرفتها من عوائق بنيوية تحول دون الحديث عما يمكن وصفه ب "الحركة التلاميذية" . ففي الستينيات و السبعينات كانت أعمار معظم التلاميذ كبيرة جدا، حيث لا يحصل الكثير من المتمدرسين على شهادة الباكالوريا الا عندما تصل أعمارهم الخمسة و عشرون سنة، أي أنهم بالغين وراشدين و عاقلين و واعين، حيث يسمح النظام التربوي للتلاميذ بالتكرار بلا حدود و بالتسجيل المتأخر في المدرسة، و كان العديد من المتمدرسين متزوجا و هم لازالوا تلاميذ في السنة الخامسة أو السادسة ثانوي مثلا (حسب التنظيم التربوي لتلك المرحلة)، و هذا العُمْرُ والرشد و النضج و الوعي يسمح بتوجيه التلاميذ فكريا و تأطيرهم نقابيا و سياسيا. أماالنظام التربوي حاليافيفرض تسجيل التلاميذ بالسنة الاولى ابتدائي في سن السادسة، و لا يسمح بالتكرار الا مرتين فقط، طيلة المسار الدراسي للتلميذ، من الابتدائي الى التأهيلي، مما يعني أن الاغلبية الساحقة للتلاميذ ستحصل على البكالوريا في أقصى حد قبل سن العشرين، و هذا ينتج عنه عدم النضج الكافي للتلاميذ و قلة وعيهم بالقضايا السياسية والاجتماعية ، و بالتالي ضعف انخراطهم و انضباطهم في التنظيمات المدنية، مما يحول دون تأسيس "حركة تلاميذية" في مستوى "الحركة التلاميذية" لمرحلة السبعينيات.و لذلك ليس مستغربا أن نرى أشكالا احتجاجية مائعة للتلاميذ ، و تظاهرات تطالب بتكريس الفساد و الريع التربويين أكثر مما تريد تغييرهما ، حيث يتكتل التلاميذ من أجل الدفاع عن الغش في الامتحانات، و من أجل الدفاع عن التغيب، و من أجل مواجهة الأساتذة و العصيان ضد الادارةالتربوية ،و غيرها من السلوكات غير المدنية ، و هذا ما يعبر عنه أحد الشعارات التي تم رفعها في التظاهرات الاحتجاجية ضد برنامج مسار ، وهو " هذا عيب هذا عار ، الكسول في خطر". و ختاماهكذا تحول تنزيل برنامج معلوماتي تقني، اقتنته وزارة التربية الوطنية، قصد تيسير العمليات التدبيرية والادارية والتربوية ، كما اقتنت برامج أخرى، و كما تقتني الحواسيب و السبورات المعدنية و غيره من اللوجيستيك التربوي، تحول الى حصان طروادة لدى بعض النخبالمأزومةو المفلسة لتصريف مكبوتاتها السياسية، عبر أضعف حلقة في منظومة التربية و التكوين و هي التلاميذ.