يعول المجتمع الحقوقي المغربي الكثير على اجتماع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي استهلت أشغاله أمس (الخميس) وتستأنف اليوم (الجمعة)، لأجرأة التصور الجديد للمجلس في معالجته لقضايا حقوق الإنسان بصيغتها الشمولية، بدل قصر مهامه علي المعالجة المادية والتقنية فقط لملفات انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب الماضية. هذا التصور الذي أصبغ على المجلس بعد صدور الظهير الجديد المنظم له في أبريل من عام 2001 وتعيين جلالة الملك للأعضاء الجدد بهذه الهيئة الاستشارية في دجنبر المنصرم، حاول مقاربته عمر عزيمان، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في كلمة الافتتاح التي تلاها أمس أمام المجلس، قال عزيمان إن "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في "صيغته الأولى" خطا خطوات مهمة على طريق التصفية والتسوية والمصالحة، غير أن قضية حقوق الإنسان، التي لا يمكن اختزالها في تركة مرحلة مضطربة لم تنته ولا يمكن لها أن تنتهي". والواقع أن قضية حقوق الإنسان عادت للبروز بقوة في الآونة الأخيرة بعدما تناقلت وسائل الإعلام الوطنية بمختلف مشاربها حالات الاختطاف التي قاربت العشرين حالة، فضلا عن حالات الاعتقال السياسي التي اختص المجلس في معالجة القديم منها ومطلوب منه مباشرة العمل في الراهن منها، والتي تزايدت وتيرتها بشكل حاد بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 وانخراط الأجهزة الأمنية المغربية في الحملة العالمية التي تشنها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد ما تسميه "الإرهاب الدولي". كما أن مسألة حقوق الإنسان مثلما تدعو إلى ذلك المنظمات الناشطة في هذا المجال، لا ترتبط بالحقوق السياسية فحسب، بل تتعداها لتشمل الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحق في التنمية والبيئة السليمة، كما عبر عن ذلك رئيس المجلس الاستشاري في كلمة الافتتاح دائما والذي أشار متابعا إلى أنه "يمكن اعتبار أن المنظور الاختزالي الذي أملته مرحلة معينة من تاريخنا قد انتهى إلى زوال لفائدة منظور شمولي لحقوق الإنسان يمكن للمغرب، بل ويجب عليه، أن يتبناه". ولأجرأة هذا التصور الجديد للمجلس الاستشاري جرت توسعة اختصاصاته، ففي وقت حافظ على دوره الاستشاري إلى جانب جلالة الملك فيما يعود للقضايا التي يمكن أن تعرض عليه، فإنه أضحى مؤهلا للعمل أكثر، وفق ما صرح به عزيمان، في سبيل تنمية ثقافة حقوق الإنسان والسهر على ملائمة القانون الداخلي مع المعايير الدولية في هذا المجال الحقوقي، وكذا في السهر على تقويم سياسة حقوق الإنسان، من خلال إعداد تقرير سنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب. وعلى الرغم من عدم مشاركة هيئات حقوقية وطنية فاعلة في المجلس الحالي كمنتدى الحقيقة والإنصاف والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإن التركيبة الجديدة التي عينها جلالة الملك في دجنبر الماضي اتسمت على العموم بالتعددية بهدف مدارسة مختلف الاختصاصات التي أضحت للمجلس الاستشاري، هذه التعددية التي مثلت بأحزاب سياسية وهيئات نقابية وأخرى ناشطة في مجال حقوق الإنسان وهيئات تعمل في هذا المجال الأخير بتصوره المتكامل، والجامع بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وتنموي وغيره. ولا يمكن للمجلس البتة الاضطلاع بهذه المهام الجديدة إلا بتعزيز استقلاليته وتوسيع اختصاصاته التي طالما أعابت المنظمات الحقوقية على المجلس افتقاده لهذين الشرطين، مثلما لا يمكن للمجلس الانكباب على العمل في صيغته الشمولية الجديدة بمشاركة مع المجتمع الحقوقي إلا بظفر بثقة هذا الأخير من خلال الإسراع بالطي النهائي للقضايا الثلاث المستعجلة بإنهاء حالات الاعتقال السياسي والاختطاف والمتابعات الجارية في حق عدد من المواطنين دون سند معقول. يونس البضيوي