أعلن أخيرا رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عن مشروع توصية تتعلق بتسوية ملف انتهاكات الماضي، المتعلقة بالاختفاء والاعتقال التعسفي. وتتحدث بعض المصادر عن أن هذه التوصية، التي أحاطها تكتم شديد من لدن إدارة المجلس وأعضائه، تهم إحداث هيأة لتصفية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ماضيا، تجمع في نفس الوقت بين إنصاف المتضررين وتتجنب إثارة المسؤوليات الفردية، وذلك خلافا للمقاربة التي تعتمدها المنظمات الحقوقية لطي صفحة الماضي، التي تعتبر أن مطلب الكشف عن الحقائق في ما جرى يبقى حاسما لطي ملف الانتهاكات الحقوقية. مقاربة المجلس الاستشاري لإشكالية طي صفحة الماضي بإعلان عمر عزيمان، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عن مشروع توصية تتعلق بتسوية ملف انتهاكات الماضي المتعلقة بالاختفاء والاعتقال التعسفي، وذلك خلال كلمة الافتتاح للدورة العشرين للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، يعاد طرح إشكالية طي صفحة الماضي، التي تتنازعها مقاربتان: مقاربة المجلس، الداعية إلى تجنب إثارة المسؤوليات في ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ماضيا، ومقاربة المنظمات الحقوقية التي تعتبر أن إثارة هذه المسؤوليات هو الطريق نحو كشف الحقيقة كاملة وطي صفحة الماضي معها كلية. وتبدو مقاربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان واضحة في مسألة طي صفحة الماضي من خلال الرأي الاستشاري المعلن في أبريل عام ,1999 والمرتكز أساسا على تجنب الاعتراف الرسمي بمسؤولية الدولة في الانتهاكات الحقوقية المرتبطة بجرائم الاختفاء والاعتقال التعسفيين، وعدم إثارة قضية تحديد المسؤوليات التي من شأنها أن تحيي روح الكراهية في صفوف المجتمع المغربي. ولعل هذه المقاربة المتبصرة كما يصفها البعض، هي ما رمى إليها رئيس المجلس الاستشاري في كلمته الافتتاحية، حين أعلن عن مشروع التوصية سالفة الذكر، إذ تحدث قائلا: «ويسعدني، هنا أيضا، أن أحيي أعضاء اللجنة التي قامت بإعداد هذا المشروع على ما حققته من نتائج في غاية الأهمية بفضل تحليهم بالصبر والحكمة والتبصر وبعد النظر». وطي صفحة الماضي من هذا المنظور الذي يعتمده المجلس لا ينفي اهتمام الأخير بضرورة تصفية ملف الاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية، وجبر كل ضرر لحق بضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما ترتكز مقاربة المجلس الاستشاري لموضوع الانتهاكات الحقوقية، خاصة بصيغته الحالية الموسعة الأطراف والتخصصات، على عدم النظر إلى الملف الحقوقي ببلادنا بمنظور اختزالي يقارب ملف حقوق الإنسان بالمغرب من زاوية الانتهاكات الماضية فقط، كما أكد على ذلك عمر عزيمان إبان انطلاق أشغال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بداية هذا العام، قائلا إن «المجلس في صيغته الأولى قد خطا خطوات مهمة على طريق التصفية والتسوية والمصالحة، غير أن قضية حقوق الإنسان، التي لا يمكن اختزالها في تركة مرحلة مضطربة، لم تنته، ولا يمكن أن تنتهي». وتحليل هذا القول يفيد أن مقاربة المجلس الاستشاري لا تقف في دراستها لإشكالات الوضع الحقوقي ببلادنا عند مسألة انتهاكات الماضي، إنما تتعداها لتنسجم مع منظور شمولي لحقوق الإنسان يندرج فيه ما هو اجتماعي واقتصادي ومدني. ولأجرأة هذا التصور واقعيا جرت توسعة اختصاصات المجلس واعتماد تركيبة تتسم بالتعددية التي مثلت بأحزاب سياسية وهيئات نقابية وأخرى ناشطة في مجال حقوق الإنسان بالمغرب. الجمعيات الحقوقية وإشكالية الحقيقة على الطرف النقيض من مقاربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لقضية طي صفحة الماضي، يقف موقف الجمعيات الحقوقية، وعلى رأسها تلك المكونة لما يعرف بلجنة التنسيق الوطنية لمتابعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، والمنبثقة عن المناظرة الوطنية التي جرت في نونبر عام 2001 تحت شعار من أجل الحقيقة والإنصاف. وتنبني مقاربة هذه اللجنة الحقوقية، المكونة من كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى الحقيقة والإنصاف، لحل إشكالية طي صفحة الماضي على ضرورة رد الاعتبار إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، ورد الاعتبار للشعب المغربي قاطبة، وفي نظرها لن يكون لهذا الاعتبار معنى إلا باعتراف الدولة بمسؤوليتها عن هذه الانتهاكات، وتقديم اعتذار رسمي وعلني للمغاربة. كما تتأسس هذه المقاربة على إلزامية تحديد المسؤوليات وتحديد أسماء الأشخاص مرتكبي الانتهاكات ودرجات مسؤولياتهم المباشرة وغير المباشرة، وكذا الأشخاص والأجهزة المسؤولة على التخطيط والأمر بالتنفيذ، مثلما جاء في توصية المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب. وبدا إصرار الهيأة على مقاربتها هذه واضحا حين وقفت بقوة في وجه التصريحات التي أكد فيها المحجوبي أحرضان، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مستهل هذا العام، أن «صفحة الماضي قد تم طيها تماما». وقالت الهيأة، في بيان استنكاري لها، إنها «تؤكد أن مسؤولية الفاعلين السياسيين تتعاظم يوما عن يوم بخصوص عدالة مطلب الكشف عن الحقيقة، التي تعتبر أساس الطي العادل والمنصف ومدخل القطع مع ما حصل في الماضي من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان». ولأجل تحقيق مقاربتها دعت الجمعيات الحقوقية منذ مدة إلى وضع إطار قانوني يضمن حل إشكالية طي صفحة الماضي عن طريق تأسيس لجنة، اقترح لها اسم اللجنة الوطنية المستقلة للحقيقة تعمل في إطار «مقاربة عادلة ومنصفة وشاملة»، حسب نص وثيقة المناظرة المشار إليها سلفا. وتقوم مقاربة اللجنة المقترحة على أساس نقط يبقى أهمها: الكشف عن الحقيقة بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال العقود الأخيرة، واعتراف الدولة بمسؤوليتها عن تلك الانتهاكات، وتقديم اعتذار رسمي وعلني، ثم رد الاعتبار للمجتمع وحفظ الذاكرة. وتختص اللجنة المقترحة أيضا بالبحث والتقصي حول الأحداث والوقائع التي شكلت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وكل الانتهاكات الناتجة عن فعل للدولة أو الأشخاص أو المجموعات العاملين لفائدتها أو برضاها في الأحداث ذات الطبيعة السياسية الاجتماعية منذ استقلال المغرب، وعلى وجه الخصوص الانتهاكات المرتبطة بالاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والمحاكمات غير العادلة والقتل أو التعذيب المفضي إلى الموت أو المتسبب في أضرار أو عاهات جسدية جسيمة ونفسية، وكذا الإعدام الخارج عن نطاق القانون والنفي والإبعاد القسري والترحيل وغيرها من الانتهاكات. في الختام تبقى إذن مقاربة إشكالية طي صفحة الماضي تتراوح بين موقفين: موقف يؤكد على الدعوة إلى الكشف الكامل عن حقيقة ما جرى وتحديد المسؤوليات فيها، بما يقتضيه ذلك من متابعة المسؤولين ورد الاعتبار المادي والمعنوي للمتضررين، على اعتبار أن ذلك هو المدخل الوحيد للإنصاف وطي صفحة الماضي، وبين موقف يؤكد على ضمان حقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة، يبتعد عن تحديد المسؤوليات ومنطق المحاسبة تجنبا لإثارة ونكإ جراحات الماضي. يونس السلاوي