تحقيقات في قضايا تخص حوادث للسير تجر محامية بهيئة الرباط إلى الاعتقال    نزيف مستمر في شوارع طنجة.. متى يتوقف تهور سائقي دراجات سانيا؟    المغرب يفوز على النيجر ويعزز تصدره لمجموعته المؤهلة لكأس العالم    وليد الركراكي ل"اليوم24": لم أجد بعد التوليفة المناسبة في خط الدفاع وننتظر التقرير الطبي بخصوص الطالبي والصحراوي    المنتخب المغربي يفوز بصعوبة على مضيفه النيجر ويقترب من بلوغ مونديال 2026    15 حرفة تشارك في "الكنوز المغربية"    ضوابط قانونية لكاميرات المراقبة    توقيف فرنسي من أصول جزائرية    شابان ينشران محتويات رقمية عنيفة    هكذا كان أداء لاعبي المنتخب الوطني المغربي بعد الفوز الصعب على النيجر    أسود الأطلس يقلبون الطاولة على النيجر ويقتربون من المونديال    "العون والإغاثة" تطلق من طنجة تحدي كفالة 250 يتيمًا جديدًا في إطار احتفائها بثلاثين سنة من مواكبة الأيتام والأرامل    ارتفاع حصيلة حادثة السير بطنجة.. وفاة شقيق الضحية الأولى متأثراً بجروحه    بركة ولقجع يوقعان بروتوكول اتفاق لتطوير البنية التحتية الطرقية للمملكة    ضحايا الترقيات وأساتذة الزنزانة 10 تنصل الحكومة من التزاماتها يؤجج غضب المتصرفين التربويين    طقس متقلب وأمطار مرتقبة شمال البلاد نهاية هذا الأسبوع    الإفطار عند المرأة الحامل جائز في حالة مرض مزمن أو حاد    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر لهذه السنة    25 سنة معدل أعمار منتخب "الأسود"    إقبال خاص على المنتجات المحلية في شهر رمضان    من بينها "المينورسو" في الصحراء.. دعوات لإنهاء عمليات حفظ السلام "الفاشلة" لتقليل الهدر المالي    استمرار تعليق الرحلات البحرية بميناء طنجة المدينة    رحيل مخرج "وادي الذئاب" "دموع الورد".. نهاية أسطورة الدراما التركية    مجموعة "أكديتال" تتصدر معاملات البورصة متقدمة على "التجاري وفا بنك" و"اتصالات المغرب"    المجلس العلمي الأعلى يحدد قيمة زكاة الفطر لعام 1446 ه في المغرب    أمطار الخير تُعيد الحياة لفلاحة الشمال وسدوده!    بشرى لفلاحي جهة الشرق.. سدود حوض ملوية تستقبل حمولات مائية مهمة    تنظيم منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والإعلام بسيدي إفني    "غزة منا ونحن منها".. وقفات بمدن مغربية تنديدا باستئناف الإبادة الإسرائيلية    ارتفاع أعداد المعتمرين بنسبة 31 بالمائة    الإمارات تستثمر ب1.4 تريليون دولار بأمريكا    أبحاث جديدة تفسر سبب صعوبة تذكر الذكريات الأولى للأطفال    بريطانيا.. شرطة مكافحة الإرهاب بلندن تفتح تحقيقا بشأن حريق تسبب في إغلاق مطار هيثرو    الأفضلية لكرواتيا وألمانيا والدنمارك وتعادل قاتل لإسبانيا في دوري الأمم الأوروبية    عمر نجيب يكتب: القومية الاقتصادية والحماية التجارية الصارمة معالم نظام عالمي جديد..    المدارس الخاصة.. 2.5% فقط تتبنى تدريس الأمازيغية    المجلس العلمي الأعلى يرفع قيمة الزكاة في المغرب    الصيام بين الفوائد الصحية والمخاطر    أسعار الذهب تستقر عند أعلى مستوى    محاكمة الفريق الطبي لمارادونا .. شهادات صادمة عن "الإهمال القاتل"    قيس سعيّد يقيل رئيس الحكومة    منظمة الصحة العالمية تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة السل    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    من أجل فلسفة جذرية    تعاون أمني بين المغرب وإسبانيا يوقف عنصر موالي ل"داعش" في قرطبة    طوفان الأقصى: لا أمن بلا سلام    الحكومة تستعد لمؤازرة "الكسابة" بعد منع ذبح إناث الأغنام والماعز    فعاليات دينية مغربية في كوبنهاغن    استشهاد 591 فلسطينيا من بينهم 200 طفل وإصابة أكثر من 1042 خلال 72 ساعة    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    ميناء المضيق : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 28 % مع متم فبراير الماضي    جنوب أفريقيا.. مجموعة الدفاع عن استقلال كيب الغربية تتوجه إلى الولايات المتحدة لمناقشة تقرير المصير    عمرو خالد: هذه شفاعات كبرى للنبي صلى الله عليه وسلم تنجي من أهوال يوم القيامة    التوازن بين العقل والإيمان: دعوة لفهم شامل وعمق روحي.. بقلم // محمد بوفتاس    عرض الفيلم المغربي "مطلقات الدار البيضاء" بالبنين    2025 سنة التطوع: بواعث دينية ودوافع وطنية    بعد 15 سنة من العطاء…اعتزال مفاجئ للمخرج المصري محمد سامي للدراما التلفزيونية    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة من لجنة الحقيقة إلى هيأة الإنصاف والمصالحة
نشر في التجديد يوم 13 - 11 - 2003

أثارت توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المتعلقة بإحداث ما سمي بهيأة الإنصاف والمصالحة، التي صادق عليها جلالة الملك أخيرا، تجاذبا في المواقف، بين مرتاح لمضامينها، على اعتبار أن التوصية تؤكد حسب أصحاب هذا الموقف مواصلة المغرب، وفق رؤية رسمية، مسيرته الثابتة والهادئة في سبيل التصفية النهائية لملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبين موقف آخر مرتاب من بعض نقاط التوصية، خاصة منها تلك التي تتفادى الحديث عن المساءلة كما تطالب بذلك الجمعيات الحقوقية.
الموقف المرتاح إلى التوصية
يرى المتتبعون للشأن الحقوقي ببلادنا أنه بتقديم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان التوصية المتعلقة بإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة ومصادقة جلالة الملك عليها، تكون قد انكشفت الرؤية الرسمية للدولة لطي ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، على اعتبار أن المجلس المقترح للتوصية يعد إحدى الآليات الاستشارية التي اعتمدتها الدولة لتدبير لهذا الملف. ومن ثم، فإنه يمكن قراءة هذه الرؤية من خلال التوصية المذكورة، والوصول إلى أنها اعتمدت على مقاربة تتجنب إثارة المسؤوليات الفردية في انتهاكات حقوق الإنسان الماضية، خلافا للمقاربة التي تعتمدها المنظمات الحقوقية لطي صفحة الماضي التي تعتبر أن مطلب الكشف عن الحقائق فيما جرى يبقى حاسما لطي ملف الانتهاكات الحقوقية. وتذهب في هذا الإطار توصية المجلس الاستشاري إلى القول بأن مقاربتها تتعارض بصفة قطعية مع كل الدعوات إلى الضغينة والانتقام والمساءلة الجنائية، منطلقا في ذلك من الغايات النبيلة التي أكدها أكثر من مرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، في إطار مصالحة المغاربة مع تاريخهم وتجاوز الضغينة وتضميد الجراح، وبذل كل أشكال التأهيل الطبي والإنساني، ورد
الاعتبار والإدماج الاجتماعي للضحايا وذويهم، وعدم الاستغلال المركانتيلي أو الإيديولوجي للحقيقة، وإرساء ثقافة التسامح مع الإنصاف وإرساء الضمانات الكفيلة بالوقاية والحماية من عدم تكرار الماضي، وفتح صفحة جديدة تكرس فيها كل الطاقات لبناء مستقبل مغرب ديموقراطي، عصري، قوي، متفتح ومتسامح، لمواجهة المشاكل الحقيقية والملموسة لأجياله الصاعدة.
ويبدو واضحا إصرار المجلس الاستشاري على مقاربته هذه بالتأكيد على أن عمل هيأة الإنصاف والمصالحة يندرج ضمن مسلسل التسوية غير القضائية الجاري لطي ملف انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الماضي، ومن ثم، لا يمكنها (أي الهيأة) في أي حال من الأحوال بعد إجراء الأبحاث اللازمة، إثارة المسؤوليات الفردية أيا كان نوعها، كما لا يمكنها اتخاذ أية مبادرة يكون من شأنها إثارة الانشقاق أو الضغينة أو إشاعة الفتنة، على حد تعبير التوصية.
كما يستنتج، من خلال التوصية دائما، أن المقاربة الرسمية التي أعلن عنها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أرادت أن تضفي على طريقة معالجة هذا الملف بعدا شموليا لا اختزاليا يقارب ملف حقوق الإنسان بالمغرب من زاوية الانتهاكات الماضية فقط، ذلك أن المنظور الاختزالي، الذي أملته مرحلة معينة، كما تقول التوصية، قد انتهى إلى زوال لفائدة منظور شمولي لحقوق الإنسان يمكن للمغرب بل ويجب عليه أن يتبناه، وهو المنظور الذي يتعدى مسألة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية لينسجم مع منظور شمولي لحقوق الإنسان يندرج فيه ما هو اجتماعي أو اقتصادي أو مدني.
ويسجل إيجابا على هذه المقاربة الرسمية لطي صفحة الماضي أنها أعادت الحديث عن ما يعرف بملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وذلك بتضمين البنود المتعلقة بمهام هيأة الإنصاف والمصالحة بنودا ثلاثة تؤكد على ضرورة إجراء تقييم شامل لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي منذ انطلاقه من خلال الاتصال والحوار مع الحكومة، وهيأة التحكيم المستقلة المكلفة سابقا بالتعويض، والسلطات العمومية والإدارية المعنية، والمنظمات الحقوقية، وممثلي الضحايا وعائلاتهم، وكذا مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها، وبذل جميع المجهودات للوصول إلى نتائج بصددها، مع العمل على إيجاد حلول لحالات ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي التي يثبت للهيئة أنها آلت إلى الوفاة وذلك بتحديد أماكن دفنهم لتمكين أقاربهم من زيارتهم والترحم عليهم. وحددت التوصية، في هذا السياق، أجلا لا يتعدى تسعة أشهر قابلة للتمديد عند الضرورة لمدة أقصاها ثلاثة أشهر، لإنجاز هيأة الإنصاف والمصالحة لهذه المهام، مما يعني الرغبة الأكيدة في التعجيل بطي ملف الاختفاءات القسرية والاعتقالات التعسفية، وإن كان الأمر يستلزم أكثر من
هذه المدة المحددة، كما يؤكد على ذلك بعض المتتبعين للشأن الحقوقي ببلادنا.
الموقف المرتاب من التوصية
الجمعيات الحقوقية وإن كانت، في مجملها، لم تصدر لحد الآن موقفا رسميا لها من التوصية المتعلقة بإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة، إلا أن ردود الفعل الأولية للناشطين ببعض هذه الجمعيات، خاصة منها تلك التي تقع خارج المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، تعطي الانطباع بأن التوصية لم تقع موقعا حسنا لدى هذه المنظمات، ذلك أنها تأتي في ظرفية تجددت فيها، بحسب ردود الفعل المذكورة، انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان، ويستشهد أصحاب هذه الردود على ذلك بعودة ظواهر الاختطاف القسري والاعتقال التعسفي والتشدد في العقوبات التي وصلت إلى حد إقرار عقوبة الإعدام في 16 حالة، وكذا حرمان السلطات عددا من الجمعيات المستوفية لشروط ممارسة النشاط الجمعوي من حقها القانوني في ممارسة هذا النشاط. لذلك يؤكد هؤلاء الحقوقيون أنه من غير المؤكد الحديث عن طي صفحة الماضي كما تدعو إلى ذلك توصية المجلس الاستشاري والحاضر زاخر بأشكال جديدة من هذه الانتهاكات.
والتوصية وإن كانت، في رأي هؤلاء الناشطين الحقوقيين قد حملت بعضا من الإيجاب من حيث إنها أقرت بمقاربة شمولية لا اختزالية لملف انتهاكات حقوق الإنسان بإعادة فتح قضية الاعتقالات التعسفية والاختطافات القسرية، إلا أنها جاءت سلبية في عدة جوانب، أهمها أنها شكلت استنادا إلى الظهير المنظم للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (الصادر بتاريخ 15 محرم 1422 الموافق ل10 أبريل 2001) من غير أن تشكل وفق نص قانوني، كما كانت تطالب بذلك المنظمات الحقوقية، يكفل لها قوة قانونية للبحث والتقصي في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان.
وتظل أهم نقطة يسجلها هؤلاء سلبا على توصية هيأة الإنصاف والحقيقة كونها تخلو من أي حديث عن قضية الحقيقة، وسؤال ماذا جرى؟ وكيف جرى؟ ومن المسؤول عن ما جرى؟. وهي النقطة الرئيسية التي تشكل، إلى جانب ضرورة اعتراف الدولة بمسؤوليتها عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ماضيا وتقديم اعتذار رسمي وعلني للمغاربة، محط اختلاف بين توصية المجلس الاستشاري وتوصية ما يعرف بلجنة التنسيق الوطنية لمتابعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب والمنبثقة عن المناظرة الوطنية التي جرت في نونبر عام 2001 تحت شعار من أجل الحقيقة والإنصاف. وهي اللجنة المكونة من كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى الحقيقة والإنصاف، والتي انبنت مقاربتها لحل إشكالية طي صفحة الماضي على ضرورة رد الاعتبار إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ورد الاعتبار للشعب المغربي قاطبة، وذلك عبر اعتراف الدولة بمسؤوليتها عن هذه الانتهاكات وتقديم اعتذار رسمي وعلني للمغاربة. كما تأسست هذه المقاربة على إلزامية تحديد المسؤوليات وتحديد أسماء الأشخاص مرتكبي الانتهاكات ودرجات مسؤولياتهم المباشرة وغير المباشرة، وكذا
الأشخاص والأجهزة المسؤولة على التخطيط والأمر بالتنفيذ، مثلما جاء في توصية المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب المذكورة.
ولأجل تحقيق مقاربتها دعت الجمعيات الحقوقية منذ مدة إلى وضع إطار قانوني يضمن حل إشكالية طي صفحة الماضي عن طريق تأسيس لجنة، اقترح لها اسم اللجنة الوطنية المستقلة للحقيقة تعمل في إطار مقاربة عادلة ومنصفة وشاملة، حسب نص وثيقة المناظرة المشار إليها سلفا. وتقوم مقاربة اللجنة المقترحة على أساس نقط يبقى أهمها: الكشف عن الحقيقة بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال العقود الأخيرة، واعتراف الدولة بمسؤوليتها عن تلك الانتهاكات وتقديم اعتذار رسمي وعلني، ثم رد الاعتبار للمجتمع وحفظ الذاكرة.
الجمعيات الحقوقية إذن وإن كانت لم تصدر لحد الآن مواقفها الرسمية من توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلا أن الواضح أنها لم تستسغ تماما التوصية بل تعتبرها، وفق مصادر حقوقية، جاءت ناسخة للجنة الوطنية المستقلة للحقيقة التي اقترحتها لجنة التنسيق الوطنية لمتابعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب وإن كانت تحمل بعض مطالب هذه اللجنة. من ثم يرى المتتبعون للشأن الحقوقي أن المجلس الاستشاري مطالب بفتح حوار مع الهيآت الحقوقية جميعها لرأب الصدع ومراجعة مضامين التوصية بما يحقق الإجماع الرامي إلى طي صفحة الماضي دون أن تترك على الصفحة أية لطخة ما.
يونس البضيوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.