تتضارب القراءات التي تناولت دعوة المغرب لانعقاد لجنة القدس بمراكش اليوم، فمنها من حاول أن يقرأ في الحدث مؤشرات لعودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران ويستدل على ذلك بحضور إيراني عالي المستوى يضم وفدا برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف وهو أول وفد بهذا المستوى يزور المغرب منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ سنة 2009، وهناك من يقرأها في سياق انطلاق مسلسل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويستدل في ذلك، بتصريح وزير الخارجية والتعاون السيد صلاح الدين مزوار على هامش مشاركته في اجتماع الوفد الوزاري المنبثق عن لجنة متابعة مبادرة السلام العربية، بكاتب الدولة في الخارجية الامريكية جون كيري بباريس والذي أكد فيه أن اجتماع لجنة القدس سيكون فرصة لتأكيد الموقف المغربي والعربي الداعم لمسلسل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل حل شامل وعادل ضمن إطار الثوابت الراسخة. ومهما تكن القراءات السياسية لهذا الحدث، فإن موضوع القدس حين يطرح لاسيما ضمن لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس، فإن الجانب المبدئي هو الذي يخيم على أجوائها، والذي يتمثل أساسا في الحفاظ على الهوية الإسلامية والحضارية للقدس الشريف ومواجهة خطر تهويدها ومواجهة المخططات الصهيونية التي تستهدف تغيير الخصائص الديمغرافية للمدينة خلال تهجير المقدسيين، والخصائص الدينية، من خلال تهويد القدس وتغيير المعالم الإسلامية والمسيحية للمدينة وهدم المنازل الفلسطينية وتوسيع الاستيطان وإنشاء المعالم الصهيونية في أفق التهويد الكامل للمدينة في 2020 كما هي مزاعم المخطط الصهيوني، ثم القضاء على الصمود الفلسطيني في المدينة بالرهان على إضعاف الاقتصاد والتنمية الفلسطينية في المدينة، والاعتماد على الضمانات الدولية لجعل القدس عاصمة أبدية للدولة العبرية. هذه الركائز الأربعة للمخطط الصهيوني، والتي تتأسس على أساطير توراتية صهيونية تبرر عمليات الحفر في أساسات المسجد الأقصى المبارك لتقويضه وبناء معبد الهيكل مكانه، تجعل مسألة الدفاع عن القدس وحمايتها مسألة دينية ومبدئية وليست محل مساومة أو تفاوض. ولذلك، بغض النظر عن القراءات التي تحاول أن تربط بين المسارات وتستحضر التوقيت في عملية التحليل لتتحدث عن استئناف دور مغربي في الأفق، فإن التحديات المتعاظمة التي يطرحها مسلسل التهويد الصهيوني للقدس، وحجم النداءات التي انطلقت من مختلف فعاليات الأمة، من العلماء والدعاة والمثقفين والسياسيين ومن الجمعيات الخيرية والإغاثية ومن المقدسيين الذين يعانون التضييق في قلب المدينة، أصبحت اليوم تضاعف مسؤولية لجنة القدس والآليات التي تشتغل بها، لاسيما وكالة بيت مال القدس التي سجلت ضعفا كبيرا لمساهمة دول المؤتمر الإسلامي في صندوقها. نعم، لقد قامت هذه الوكالة بجهد مقدر في حماية المقدسات والحفاظ على بعض معالم المدينة، كما قامت بجهود معتبرة في إقامة مشاريع تنموية يساهم مفعولها في مقاومة مخططات التهجير للمقدسيين، لكن تعاظم التحديات، ومخاطر مخطط التهويد الصهيوني بات يتطلب اليوم مجهودا أكبر، ومساهمة فعالة من الجميع لجعل وكالة بيت مال القدس تكون في مستوى الاستجابة لبعض متطلبات المقدسيين. انعقاد لجنة القدس في هذه الظرفية، بعد تأخر دام أزيد من عشر سنوات أي منذ 2002، يحتمه اليوم المدى الخطير الذي وصل إليه مخطط التهويد الصهيوني للمدينة، وعدم اكتراثه بكل الاتفاقات الدولية في توسيع عملية الاستيطان، وتهجير المقدسيين وتغيير معالم المدينة. ما ينتظره المقدسيون اليوم من لجنة القدس اليوم هو أكبر من لفت الانتباه إلى هذه الوضعية الخطيرة، والتنبيه إلى مخاطر المخطط الصهيوني على الخصائص الدينية والديمغرافية للمدينة. ما ينتظره المقدسيون من لجنة القدس بجميع أعضائها أن ينتقلوا من مرحلة الوعي بالمخاطر، إلى تفعيل آليات الدعم والحماية، وتقوية أداء وكالة بيت مال القدس، والاتفاق على استراتيجية عربية إسلامية لمواجهة المخطط الصهيوني في بيت المقدس.