من بين الأمور الملفتة في الولاياتالمتحدةالأمريكية تلك السطوة والنفوذ اليهودي المنتشر في أركان المجتمع والاقتصاد الأمريكي. فرغم أن نسبة اليهود لا تزيد عن ال3 في المائة من سكان أمريكا (وهي أقل نسبة مقارنة مع معتنقي الديانات السماوية الأخرى)، فإن ما يملكونه في هذا البلد الذي انفرد أو يكاد بالهيمنة والتأثير على العالم يجعلهم أكثر الجماعات الدينية تحكما في العالم؛ كما توضح ذلك الإحصاءات المعروفة. حيث أن 50 في المائة ممن اعتبروا أفضل مائتي مثقف في الولاياتالمتحدة خلال العقود الأربعة الماضية من اليهود، و20 في المائة من أساتذة الجامعات الرئيسية هم من اليهود، و40 في المائة من الشركاء في المكاتب القانونية الكبرى في نيويورك وواشنطن من اليهود، و59 في المائة من الكتاب والمنتجين للخمسين فيلما التي حققت أكبر إيراد بين عامي 1965 و1982 من اليهود، وحوالي 58 في المائة من المديرين والكتاب والمنتجين لاثنين أو أكثر من المسلسلات التي تبث في وقت الذروة هم من اليهود. هذا إلى جانب أن عددا كبيرا من ملاك الصحف الأميركية الكبرى هم أيضا من اليهود. ولأن نفوذ اليهود في أمريكا يجعله مؤثرا في الحياة العامة وفي رسم السياسات الداخلية والخارجية، خاصة أن اللوبي اليهودي الذي يتمثل أساسا في «إيباك» (AIPAC) ال (American Israeli Public Affairs Committee) يعد أكبر اللوبيات التي تنشط في دهاليز صنع القرار بأمريكا، فإنه من الأهمية بمكان التعرف على هذه الجماعة الدينية التي تنسج خيوط اللعبة في كل الميادين في العالم، حتى أن دراسة سابقة لجامعة «هارفارد» أثارت جدلا واسعا خلصت إلى أن اللوبي اليهودي في أمريكا لديه مشروع هيمنة مزدوج؛ من جهة يسعى لتعزيز مواقعه داخل المؤسسة الحاكمة الأميركية وهو بالمناسبة جزء لا يتجزأ منها وينسجم معها ويتقاطع مع مصالحها، ومن جهة أخرى يسعى لتعزيز مواقعه العالمية. في هذا الصدد، نعيد ملخص ما جاء في الدراسة االستطلاعية حول «يهود أمريكا» أصدرها مركز «بيو» الأمريكي لأبحاث الأديان والحياة العامة مؤخرا، التي نشررتها جريدة التجديد 90 % من اليهود يعلمون أبناءهم الدين من المفارقات المثيرة التي أشارت إليها الدراسة الاستطلاعية أن اليهود يحرصون على تلقين أبنائهم تعاليم الدين اليهودي حتى ينشئوا مرتبطين بالهوية اليهودية دون غيرها، وذلك على الرغم من أن حوالي 22 في المائة من اليهود يقدمون أنفسهم على أساس أنهم علمانيون أو لادينيون، إذ كشفت المعطيات أن 90 في المائة من اليهود يعلمون أولادهم الدين اليهودي، وأوضحت أن ثلثي اليهود ممن يقدمون أنفسهم على أنهم علمانيون يقولون إنهم يربون أطفالهم على الدين اليهودي أو جزء منه أي يعلمون الدين كله أو جانبا منه. حِرْصُ اليهود على تعليم أولادهم تعاليم دينهم لا يتغير وإن كان أحد الوالدين يعتنق دينا آخر؛ إذ 20 في المائة من الأزواج اليهود الذين لهم شريك حياة لا يعتنق اليهودية يقولون إنهم يقومون بتلقين أطفالهم اليهودية، وحوالي 25 في المائة يؤكدون أن تربية أطفالهم تتم جزئيا من الدين، بينما ما يقرب من ثلث اليهود (37 في المائة) يكشفون أن تربية أبنائهم لا علاقة لها بالدين اليهودي على الإطلاق. يشار إلى أن الاستطلاع أظهر أن الزواج المختلط لليهود ارتفع بشكل كبير على مدى العقود الخمسة الماضية، حيث أظهرت العينة العشوائية المستطلعة آراءها أن عدد اليهود الذين تزوجوا من شريك غير يهودي بلغ ما يقرب ستة من كل عشرة منذ سنة 2000، مقارنة مع سنة 1980 حيث كان شريك أربعة من كل عشرة يهود غير يهودي، وسنة 1970 حيث 3 من كل عشرة تزوجوا من شريك غير يهودي. وحدة الانتماء والعقيدة اليهود الأمريكيون يقولون إنهم فخورون بأغلبية ساحقة باعتناق اليهودية ولديهم شعور قوي بالانتماء للشعب اليهودي، وذلك وفقا لنتائج دراسة استطلاعية جديدة رئيسية صادرة عن مركز «بيو» الأمريكي لأبحاث الأديان والحياة العامة، رغم أن الاستطلاع أشار أيضا إلى أن الهوية اليهودية تنحو نحو التغيير شيئا ما، بسبب أن واحد من كل خمسة من اليهود (22 في المائة) يصف نفسه الآن بأن هويته ليست يهودية. وانخفضت نسبة اليهود في الولاياتالمتحدةالأمريكية بمقدار النصف تقريبا منذ أواخر 1950، وتشغل حاليا أقل من 2 في المائة. وفي الوقت نفسه، فإن عدد الأمريكيين من أصول يهودية مباشرة أو خضعوا للتنشئة الدينية، ومع ذلك يصفون أنفسهم بأنهم لادينيين أو ملحدين ارتفع بشكل طفيف بحوالي 0.5 في المائة. الدراسة الأمريكية أظهرت أن الطبيعية المتغيرة للهوية اليهودية تبرز بشكل حاد عندما يتم تحليل نتائج المسح من خلال الجيل. حيث أن 93 في المائة من اليهود في جيل الشيخوخة يؤكدون ارتباطهم الديني باليهود، بينما 7 في المائة يصفون أنفسهم بأنهم لا دينيين. على النقيض من ذلك، من بين اليهود في أصغر جيل من البالغين في أمريكا –جيل الألفية- 68 في المائة منهم يحددون انتمائهم الديني لليهود، في حين أن 32 في المائة يصفون أنفسهم بأنه لا دين لهم، ويحددون انتماءهم لليهودية على أساس النسب أو العرق أو الثقافة. اليهودية الإصلاحية لا تزال أكبر طائفة! أظهر الاستطلاع أن اليهودية الإصلاحية لا تزال أكبر حركة طائفية لليهود في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث أن ثلث ( 35 في المائة ) من جميع اليهود الأمريكيين يتعاطفون مع حركة الإصلاح، في حين ينتمي 18 في المائة إلى حركة اليهودية المحافظة، و10 في المائة مع اليهودية الأرثوذكسية و6 في المائة مع مجموعة متنوعة من مجموعات أصغر، مثل إعادة البناء وتجديد الحركات اليهودية، بينما حوالي ثلاثة من كل عشرة يهود أمريكا (30 في المائة) يقولون إنهم لا يتعاطفون مع أي طائفة يهودية خاصة. وأشارت الدراسة الاستطلاعية إلى أنه داخل كل الحركات الطائفية الثلاث، اتجاه اليهودية يبقى أقل تقليدية، حيث وجد الاستطلاع أن ما يقرب من ربع الأشخاص الذين ينتمون إلى الأرثوذكسية أصبحوا محافظين أو في الاتجاه الإصلاحي، في حين أن 30 في المائة من المحافظين أصبحوا من اليهود الإصلاحيين، وتركت 28 في المائة من تلك التي أثارت الإصلاح صفوف اليهود بالدين تماما. وتفيد بعض التقارير التحول في الاتجاه المعاكس. على سبيل المثال، أصبحت 7 في المائة فقط من اليهود التي أثيرت في حركة الإصلاح المحافظين أو الأرثوذكس، وأصبحت 4 في المائة فقط من تلك التي أثيرت في اليهودية المحافظة الأرثوذكسية. ومن أجل استيعابٍ أكثر للطوائف اليهودية كما تبينها الدراسة؛ نعود إلى أصل نشأة كل طائفة على حدة. فاليهودية الإصلاحية ظهرت في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث يقول المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري في إحدى مقالاته «يوجد جانبان في اليهودية: واحد إنساني يقبل بالآخر ويحاول التعايش معه وهو جانب أقل ما يوصف أنه كان هامشيا، وجانب آخر غير إنساني عدواني يرفض الآخر تماما. ولكن في القرن التاسع عشر ظهرت حركة الاستنارة اليهودية واليهودية الإصلاحية التي أكدت الجانب الإنساني وعمقه وحذفت من الصلوات اليهودية أية إشارات لإعادة بناء الهيكل وللعودة للأرض المقدسة. بينما اليهودية الأرثودوكسية فهي من أهم الطوائف اليهودية في العصر الحديث، تستعمل للدلالة على الطوائف الدينية المتمسكة بالقوالب القديمة أو الأصلية للدين. ومن خصائص اليهودية الأرثودوكسية؛ التمسك الصارم بالجزء التشريعي من التلمود، التقبل المحدد بالحضارة الحديثة، الإيمان بأن الأساليب الحديثة لدراسة الكتب المقدسة خاطئة ومكفرة، ولكن بعض اليهود الأرثودوكس يقبلون هذه الأساليب، تعليم تقليدي وتقبل لأركان اليهودية. أما اليهودية المحافظة (وتسمى أيضاً الماسورتية) فهي طائفة يهودية لها موقف متقبل للثقافات والحضارات الحديثة، وتلتزم بالتقاليد والقوانين اليهودية. والوصف بال«محافظة» ليس دليلاً بأن متبعي هذه الطائفة محافظين سياسيا بل يدل بأنهم يحاولون أن يحافظوا على التقاليد اليهودية، ولا يصلحونها أو تركونها. ولذلك قرر حاخامات المحافظين أن يعيدوا تسمية هذه الطائفة باليهودية الماسورتية. يهودية «إسرائيل» أفادت دراسة «بيو» أن سبعة من كل عشرة من اليهود ( 70 في المائة ) يقولون إنهم شاركوا في وجبة عيد الفصح في العام الماضي، و53 في المائة يقولون إنهم صاموا يوم الغفران في عام 2012. وبغض النظر عن التغيرات في الهوية اليهودية في أمريكا، فإن 94 في المائة من اليهود في الولاياتالمتحدةالأمريكية (بما في ذلك 97 في المائة من اليهود المتدينين أو 83 في المائة من اليهود الغير المتدينين) يقولون إنهم فخورون بيهودية «إسرائيل». ويقول ثلاثة أرباع اليهود في الولاياتالمتحدة (بما في ذلك 85 في المائة من اليهود المتدينين و 42 في المائة من اليهود غير المتدينين) أيضا إن لديهم «شعور قوي بالانتماء للشعب اليهودي «، والارتباط العاطفي ب» إسرائيل» لم يتضاءل بين يهود أمريكا في العقد الماضي. وأفادت الدراسة، أن حوالي سبعة من كل عشرة من اليهود الذين شملهم الاستطلاع يقولون إنهم يشعرون إما «تعلق جدا» (30 في المائة) أو تعلق إلى حد ما (39 في المائة) إلى «إسرائيل»، دون تغيير أساسي منذ 2000-2001. بالإضافة إلى ذلك، أوضحت الدراسة أن 43 في المائة من اليهود كان في «إسرائيل»، بما في ذلك 23 في المائة زاروها أكثر من مرة. و40 في المائة من اليهود يعتقدون أن الأراضي الفلسطينية التي احتلتها «إسرائيل» أعطيت للشعب اليهودي من قبل الله. وفي الوقت نفسه، أعرب العديد من اليهود الأميركيين عن تحفظات بشأن نهج «إسرائيل» تجاه عملية السلام. فقط 38 في المائة يقولون إن الحكومة الإسرائيلية تبذل جهودا مخلصة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين. وحوالي 12 في المائة يعتقدون أن القادة الفلسطينيين يسعون بإخلاص للسلام مع «إسرائيل». وفقط 17 في المائة من اليهود الأميركيين يعتقدون أن استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية مفيد لأمن إسرائيل؛ فيما يقول 44 في المائة إن بناء المستوطنات يضر بأمن «إسرائيل». المحرقة رمز لهوية اليهود! أفادت الدراسة الاستطلاعية أن من أهدافها الرئيسية استكشاف الهوية اليهودية، والنتيجة جاءت أن أغلبية كبيرة من اليهود الأمريكيين يقولون إن تَذكر المحرقة (73 في المائة) وقيادة الحياة الأخلاقية ( 69 في المائة ) ضرورية لتدينهم وهويتهم اليهودية. فيما حوالي (56 في المائة) يقولون إن العمل من أجل العدالة والمساواة من أهم الأمور التي يجب السعي إليها. و حوالي أربعة من كل عشرة يقولون إن الانتماء لدولة «إسرائيل» ( 43 في المائة) ضرورية لهويتهم اليهودية. وكشفت الدراسة أن مراقبة القانون الديني ليس مركزيا لمعظم اليهود الأميركيين. فقط 19 في المائة من البالغين اليهود الذين شملهم الاستطلاع يقولون إن مراقبة الشريعة اليهودية ضروري لما يجري لسائر اليهود. ويقول معظم اليهود إنه يمكن للشخص أن يكون يهوديا حتى لو كان هذا الشخص يعمل في يوم السبت أو لا يؤمن بالله، بينما يقول 60 في المائة من اليهود الأمريكيين أن الشخص لا يمكن أن يكون اليهودي إذا اعتقد بيسوع المسيح. وأوضحت الدراسة أن اليهود يميلون إلى أن يكونوا أقل تدينا من الشعب الأمريكي ككل مقارنة مع العدد الكلي للسكان، على سبيل المثال، هم أقل عرضة للقول إنهم يحضرون الشعائر الدينية الأسبوعية أو أنهم يؤمنون بالله بيقين مطلق. وفقط 26 في المائة من اليهود الأمريكيين يقولون إن الدين مهم جدا في حياتهم، مقارنة مع 56 في المائة من عامة الناس. 41 % من إجمالي عدد اليهود في أمريكا من المعطيات الهامة التي أكدتها دراسة سابقة لمركز «بيو» الأمريكي لأبحاث الأديان والحياة العامة، حول «المشهد الديني العالمي: تقرير عن حجم وتوزيع المجموعات الدينية في العالم اعتبارا من سنة 2010»، والتي تقدم خريطة جغرافية وعددية لجميع الأديان السماوية وغير السماوية، أن اليهود أقل المجموعات الدينية على الإطلاق، وعدد المنتسبين إلى دين موسى لا يتجاوز 15 مليون في أنحاء المعمور بأكمله، وهو رقم لا يعادل حتى منتسبي بعض المذاهب الدينية! والمثير، أن اليهود إلى جانب البوذيين وحدهم من يتركزون بنسبة كبيرة كأقلية، إذ أظهرت الدراسة، أن 41 في المائة فقط يتركزون كأغلبية على شكل كيان في أرض فلسطين، بينما يعيش 59 في المائة منهم أقلية في باقي دول العالم، في مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يقيم بها 41 في المائة من إجمالي عدد اليهود (حوالي 6 ملايين نسمة) وهو ما يشكل 1.8 في المائة من ساكنة أمريكا، وتتوزع النسبة المتقية لليهود كالآتي؛ حوالي 1.5 مليون في دول أوروبا و470 ألف بقارة أمريكاالجنوبية و200 ألف بدول آسيا والمحيط الهادئ و10 ألف بإفريقيا جنوب الصحراء.