لا تحوز نسب القراءة عند العرب عموما بما فيهم المغاربة نسبا مهمة ولا حتى متوسطة بل يعرف الجميع أن نسب القراءة في الوطن العربي نسب مخجلة، إلا ان هذا لا يمنع من كون المغاربة يعبرون عن ارتباطهم بالمكتبة والخزانات البيتية التي يعتبرونها ضرورية في البيت من أجل القراءة خاصة ومن أجل أشياء أخرى. ففي حين تتوفر المدن على خزانات بلدية ومراكز ثقافية تختلف نسبة الاقبال عليها قال أغلب من التقتهم التجديد إنهم يتوفرون على خزانات بيتية صغيرة أو كبيرة او حتى عبارة عن رفوف تجمع كتبهم التي يرجعون إليها بين الحين والآخر. فيما يرفض جلهم التسليم بإمكانية الاستغناء عن المكتبة وموقعها في البيت لصالح المكتبات الإلكترونية او الرقمية. «» التقينا مجموعة من المغاربة من فئات مختلفة لتعرف علاقة المغاربة مع المكتبة والخزانات. لا عداء مع الكتاب ليس للمغاربة أي عداء مع الكتاب والمكتبة كما قد يتبارد إلى ذهن من يعلم حالة القراءة في البلد. بل بالعكس لا أحد ممن تستقصي رأيه في الموضوع يمكن أن تجد عنده نظرة سلبية للكتاب أو المكتبة او نافرة منهما. بل بالعكس بمجرد ما تسأل أيا من التلاميذ أو الشباب المتعلم عن موضوع كهذا –ناهيك عن الكبار- حتى يحدثك عن حبه للكتاب وتقديره له ابتداء من العبارات المحفوظة من قبيل «خير جليس» و»أمة إقرأ» إلى أشد الاشكالات في بيئتنا الثقافية المريضة. «يحيى عالم» طالب باحث يقرأ في المكتبة بشكل يومي وله اطلاع ومعرفة بكل المكتبات والخزانات في مدينته فاس بحكم ارتباطه بالقراءة والبحث قال ل»التجديد» إن له خزانة شخصية في البيت وعلاقته بالمكتبة وجدانية روحية وذهنية، إنها علاقة حميمية بامتياز، يتداخل فيها الحب للكتاب والتعلق الروحي الوجداني به، بالمشاكسة الذهنية والقلق المعرفي الذي يمكن أن يتولد ويتربى في أي كان حين مطالعة لأي كتاب أو دورية ثقافية. علاقته مع المكتبة تشاطرها شابة التقيناها تتبضع من إحدى المكتبات بالرباط، كانت تطلب من صاحب المكتبة نسخة من أحد الكتب بحجم معين يتناسب مع خزانتها الصغيرة في البيت والتي قالت إنها تؤسسها شيئا فشيئا. ولأن الخزانة غير ممتلئة الأرفف فإن عليها أن تملأ فراغاتها بطريقة ذكية وجمالية في الوقت نفسه. محدثتنا أشارت إلى أن المكتبة تعني بالنسبة لها مصدرا للمعارف والإجابات العلمية إذ غالبا ما ترجع غلى الموسوعة التي تمتلكها للقراءة عن موضوع معين.وعلى الرغم من أنها لا تقرأ كثيرا إلا أنها تطالع فيها بقدر ما يسمح لها برنامجها المنزلي واليومي. في انتظار فرصة للقراءة أقل من التقيناهم إقبالا على القراءة وارتباطا بالكتاب يعتبرون الخزانة في البيت ضرورية وغن كانوا لا يبدون تحمسا كبيرا لقراءة الكتب. «محمد» المقاول يجمع في خزانة البيت كتبا مختلفة في مجالات أغلبها دينية، إلا أن ابنته طالبة الانجليزية تشتري الكتب التي تؤسس بها خزانتها الشخصية والتي تضم كتبا أنجليزية وروايات متنوعة وكتبا سياسية. والتي عادة ما تحاول أن تقرأها حسب برنامجها الدراسي على الرغم من أنها تعاني عزوفا عن القراءة إلا أنها غير نادمة على شراء الكتب في انتظار فرصة للقراءة. حيث تعتبر أن فضاء مخصصا للكتب في البيت يعني مجالا للتثقيف ومصدرا للمعلومات كما أنه بمثابة ترفيه و استمتاع عن طريق قراءة الروايات، كما تقول ل»التجديد». «أحيانا أشتري كتبا لا أجد الوقت لقراءتها لكن رغبتي في امتلاك خزانه تحمل عددا لا يستهان به من الكتب تجعلني أقتني تلك الكتب على أساس أنني إن لم أقرأها حاليا فسأقرؤها فيما بعد..». هي واحدة من شريحة واسعة لا تتردد عن مد يدها في هذه المكتبة أو تلك وشراء هذا الكتاب أو ذاك لتجهيز مكتبة البيت في انتظار فرصة مواتية للقراءة.ّإنها حالة تشبه نوعا من القراء سماهم صاحب كتاب «القراءة أولا» قراء مولعون باقتناء الكتب فهم أشخاص مولعون بالإقتناء والحصول على أي كتاب سمعوا عنه فتجد بيوتهم وقد امتلأت بالكتب التي تتراكم في كل مكان. المكتبة والتنشئة من بين الملاحظ بهذا الخصوص أن الكثير من التمثلات عن خزانة البيت تنحو نحو اعتبارها وطيدة الصلة بالتربية، ووسيلة ناجعة للاطفال الذي يجب أن تصادف نشأتهم خزانة منزلية غنية حتى يتم إكسابهم عادة القراءة وحب الكتاب.ف»يحيى» سرعان ما انتقل أثناء جوابه إلى الحديث عن دور المكتبة المنزلية مؤكدا أن فضاء الكتب بالبيت ضروري لتربية النشء على حب العلم والمعرفة والارتباط العضوي بالكتاب والوسائط الثقافية المطبوعة، ويمكن تعديد إفاداتها المتميزة -يضيف المتحدث- من جوانب عدة، فالطفل الذي ينشأ إلى جانب الكتب ويداعب الأقلام والورق ستتربى لديه ملكة حب الكتاب و سيتربى على التفكير في سن مبكرة سيما إن لقي الرعاية والتوجيه من الأبوين. ويضيف «لا أظن بيتا يتوفر فيه الأبوان على خزانة سيعاني فيه الطفل من ضعف التوجيه وتحبيب المعرفة والثقافة، وتحضرني هنا من أعلام حضارتنا أن الامام الحافظ السيوطي وضعته أمه بالمكتبة بين الكتب وهي تساعد أباه في شؤون البحث، وبقيت جينات المعرفة متصلة بالسيوطي منذ مولده حتى صار عالما موسوعيا خلف خزانة من الكتب تحمل اسمه في مختلف المجالات» قبل أن يضيف أن «الخزانة في البيت تمنح الأسرة رقيا في المدارك وتشيع نوعا من الثقافة الواعية بين أفراد الأسرة، ولا يعني هذا بالضرورة أن يكون الجميع مشاركا ومتفاعلا مع الخزانة وما تحتويه، فكما تساعد الخزانة في البيت الطفل على تنمية مداركه بالمقابل يكفي أن يتوفر أحد أبناء الأسرة على خزانة كتب ليصبح جميع أفراد الأسرة مهتما بقضايا الوعي والثقافة» مثل هذا هو ما ذهب إليه «منعم بنحمد» الذي التقته «التجديد» في الشارع فأجاب عن سؤالنا عن بالقول: « طبعا لي خزانة في المنزل وعادة ما أرجع إليها عند الانتهاء من كتاب لتحديد الكتاب المقبل فعندما اقرأ كتابا لشخص أمضى في حياته عشر سنوات فإني أضيف عشر سنوات لحياتي خبرة. وهناك مثل يقول إنك إذا طالعت في ثلاثة كتب من نفس النوع او التخصص فإنك تصبح أقوى من 3 في المئة من الناس» لم تتح لهم الفرصة لذلك في ذاك التخصص. فأنا أعز شيء عندي في البيت هي تلك الرفوف التي أحتفظ فيها بكتبي ولي رغبة اكيدة في تطويرها لتوفير جو ملائم للأولاد وقد أريهم مفتخرا كل الكتب التي قرأتها (ضاحكا)» الرقمي والورقي عادة ما تخلخل التطورات التقنية والاختراعات التكنولوجية البنيات السابقة وتخرج الكثير من الأحجار من رقعة اللعب. وفي موضوعنا لا تشكل المكتبات الالكترونية منافسا قويا للخزانات المنزلية وحتى العمومية . «مريم» إعلامية من فاس تعترف ل»التجديد» بأن علاقتها بالمكتبة أصبحت تتراجع لأنها أصبحت تحمل الكتب من الأنترنيت ولم تعد في حاجة إلى زيارة المكتبة. وبخصوص الخزانة المنزلية وتوفير فضاء مخصص للكتاب فهي لا تعمل على ذلك حاليا على الرغم من اعتقادها بصوابية الفكرة.والسبب في ذلك تقول «لا أعمل كثيرا على ذلك ربما لأننا لم نرتق بعد إل مستوى أن يكون لدينا فضاءات خاصة بالقراءة في حياتنا و هذا راجع للتربيتنا بالأساس فنحن لم نترب على مبدأ الكتاب. بل تعودنا على أن تكون لنا أولويات أخرى قبل أن تأتي مرحلة نفكر فيها بشراء كتب و القراءة» لا يشاطر «مريم» في هذا الطرح أغلب من التقتهم «التجديد» بهذا الخصوص حيث اعتبر أغلبهم أن الكتاب الالكتروني والخزانة الرقمية لا يمكن أن تنافس الخزانات التقليدية الخارجية أو المنزلية وذلك باعتبار أن للكتاب والخزانة جاذبية خاصة وحرية في التناول والقراءة كما أن ليس له أي تأثيرات جانبية كما هو الأمر عادة بالرقمي والالكتروني. ضرورة المواكبة لا يبدي المغاربة إذن أي نفور من الكتاب أو الخزانة بل إن هناك شبه إجماع على أهمية الكتاب والخزانات المنزلية في التعلم والتثقيف والتربية وبغض النظر عن كون هذه الآراء لها انعكسات إيجابية على سلوكات هؤلاء من جهة إقبالهم على القراءة أو لا؛ إلا أنه مؤشر إيجابي ينبغي التقاطه واستثماره في الاتجاه الصحيح. فهو على الأقل دليل على صدق النية والرغبة والاستعداد لامتلاك جيل قارئ ومجتمع المعرفة. فليس أمرا سهلا أن تجد الجميع يجيب في هذا الموضوع بنعم في الوقت الذي لا شيء ولا أحد يمنعه من قول لا. فلن تجد عبارات من قبيل «لست متفقا على هذا» أو «لا اجد راحتي في القراءة» بل أدنى شيء أن يتمسك مجيبك بالقول إنه على الأقل يمتلك موسوعات يرجع إليها بين الحين والأخر أو يطالع قصصا صغيرة أو يتعذر بأن وقته غير الكافي لا يسمح له إلا بالقراءة لمدة قصيرة حسبما تسمح به الوقت. صحيح أن المجتمع القارئ ومجتمع المعرفة لا يكون بالنوايا الحسنة وصدق النية فقط؛ لكن هذا ليس دور المجتمع والقاعدة وإنما مسؤولية الجهات الرسمية والمخططات الحكومية والوزارية والاستراتيجية الثقافية والعلمية التي يعتبر استعداد الناس عنصر قوة لنجاح مخططاتها وبالمقابل لا يمكن إنجاحها إذا كانت البيئة معاكسة للتوجه.