كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، لأن الصلاة كانت ملاذ كل مستضعف استنصر بالله (نعم المولى ونعم النصير) الأنفال 40. ولأن الصلاة صلة بين العبد وربه، يفزع إلى الصلاة ليقوي الصلة بالله القوي، وليستغيث بالله المغيث وليطلب النصر من النصير سبحانه، وليستعين بالمعين عز وجل. وليلجأ إلى من لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) الأنفال9. من لجأ إلى الله كفاه، ومن تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة، ومن كان مع الله كان الله معه، ألم تقرأ قوله تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) النحل 128 وقوله عز وجل: (والله مع الصابرين) الأنفال 66، وقوله عز من قائل (واعلموا أن الله مع المتقين) التوبة 36. إن أهل التقوى وأهل الإحسان في كل أمر، وأهل الصبر مع الله وبالله ولله هم أحق الناس بمعية الله سبحانه، وبقدر ما تكون مع الله يكون الله معك. (إن الله معنا) أي بالنصر والرعاية والحفظ والكلاءة، لقد كان الله حقا مع رسوله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة، إذ هو وصاحبه في الغار أبو بكر الصديق إذ يقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما). وما النصر إلا من عند الله ينزله متى شاء، وبالكيفية التي يشاء، وعلى من يشاء من عباده، وله سبحانه سنن في نصره من يستنصره، من أخذ بها استحق النصر من الله، ومن تخلف عنها تخلف عنه نصر الله عقوبة له. ولقد عاتب الله المنافقين وهم عائدون من معركة تبوك في السنة التاسعة للهجرة على ما كان منهم من تخاذل في نصرة دين الله ومؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الروم. فأنزل الله عز وجل هذه الآيات من سورة براءة يقول فيها: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) الآية 40 من سورة التوبة. كان الله مع رسوله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة بنصره، وكان معه برعايته، وكان معه بحفظه، وكان معه بكلاءته. ولأن الله معه، فلن يتسرب الحزن إلى قلب عامر بالله، كما لا يعشش الخوف في قلب مملوء بحب الله وقوة الصلة به واستشعار معينه، وإلى ذلك يشير الله عز وجل في خطابه لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام: (قال لا تخافا إني معكما أسمع وأرى) طه 46. والمهاجر إلى الله في كل زمان ومكان قد استصحب الله معه في هجرته، وكانت هجرته إلى الله فكيف لا يكون الله معه؟ وكيف يتسرب الحزن إلى قلبه؟ فقد كفاه الله بمعيته ولو تخلف عنه العالم، وكفاه الله من الحزن ولو اجتمع عليه الخلق يريدون مضرته. وفي الحديث: "وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" رواه الترمذي. والهجرة ماضية إلى يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: "الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة وتوتي الزكاة، ثم أنت مهاجر، وإن مت بالحفر" مسند الإمام أحمد. وفي حديث آخر في مسند الإمام أحمد "المهاجر من هجر السوء فاجتنبه". عبد الجليل الجاسني