في سابقة خطيرة تعد الأولى من نوعها، أقدم الجيش المصري على تدمير عدد من المنازل بداخلها أنفاق تستخدم لإدخال السلع والمواد الأساسية المفقودة من سيناء لقطاع غزة على الحدود الفلسطينية المصرية جنوبغزة بواسطة مواد متفجرة «ديناميت». يأتي ذلك، في محاولة من الجيش للقضاء على بقية الأنفاق أسفل الحدود، والتي تعد المتنفس الوحيد للقطاع المحاصر، وإنشاء منطقة عازلة على الحدود بين غزة ومصر تمتد لأكثر من 500 متر من حدود غزة. ويبدو من الوقائع والشواهد الآنية أن الانقلاب العسكري الدموي في مصر دخل مرحلته الثانية، حيث بدأت القوات التابعة للفريق عبد الفتاح السيسي هجوماً تدريجياً يهدف للإطاحة بحركة حماس في غزة، بالتزامن مع تحريض إعلامي متصاعد ضدها. وتواصل آليات الجيش المصري عملها في تدمير الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون تحت الأرض لإدخال مستلزمات حياتهم، فتارة تجرف هذه الأنفاق وأخرى تفجرها وتنسف المنازل التي تنطلق منها، وثالثة تغرقها بالمياه العادمة، حيث تمكنت من تدمير معظم هذه الأنفاق. وتنتشر أسفل الحدود المصرية الفلسطينية المئات من الأنفاق، حيث يقوم العاملون فيها والذين يقدرون بحوالي عشرين ألف فلسطيني بجلب البضائع والمواد الأساسية ومواد البناء إلى قطاع غزة. وساعدت هذه الأنفاق طوال السنوات الماضية، سكان القطاع في التغلب على الحصار المحكم الذي فرضته قوات الاحتلال الصهيوني عليهم عام 2007 حيث تمكنت هذه البضائع التي يتم إدخالها من تخفيف هذا الحصار لاسيما في مواد البناء والسولار. والإجراء الذي يتم على الحدود مع غزة (هدم المنازل) هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات الفلسطينية المصرية، إذ تسود المخاوف في المنطقة أن يكون مقدمة لعمل عسكري مصري يستهدف حركة حماس، فضلاً عن أنه مقدمة لإغلاق كافة الأنفاق. ويصف المصريون من سكان المنطقة ما يجري العمل عليه بأنه "حزام أمني" يهدف إلى ضمان إحكام الحصار الخانق على الفلسطينيين من جانب القوات المصرية. غضب في رفح المصرية وتسود حالة من التوتر الشديد في مدينة رفح، وذلك مع استمرار الجيش المصري بتدمير المنازل والأنفاق ومنع التوجه إلى شاطئ البحر، في الوقت الذي تصدى سكان رفح لهذا الجيش بإشعال الإطارات في الشوارع والاشتباك معه. وقالت مصادر محلية في رفح سيناء ل«المركز الفلسطيني للإعلام» إن المسيرات انطلقت في منطقة البراهمة وأمام موقع المخابرات الحربية، احتجاجاً على إخلاء منازل المواطنين بالقوة واعتقال من رفضوا إخلاء منازلهم. وما أثار غضب المصريين في رفح هو تدمير تلك المنازل التي يعتقد أنه يوجد أسفلها أنفاق دون السماح لسكانها بأخذ أغراضهم منها, وكذلك الحديث عن فرض الجيش المصري منطقة عازلة تمتد على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة والواقع من شاطئ البحر غربا وحتى موقع كرم أبو سالم الصهيوني شرقا والتي تقدر بأربعة عشر كيلو مترا بعمق ما بين 300 إلى 600 متر. وطالب الجيش الانقلابي من المواطنين المصريين في تلك المدينة الحدودية والتي تقع منازلهم في إطار هذه المنطقة بإخلائها تمهيدا لهدمها بشكل كامل، حيث تم تسوية منازل أخرى هدمت مؤخرا بالأرض. ويشعر سكان رفح المصريون وكذلك الفلسطينيون بالتغير الكبير تجاههم منذ الانقلاب العسكري في مصر مطلع شهر يوليوز الماضي والفرق بين مرحلة حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي والنظام الجديد. وقالت وسائل إعلام فلسطينية ومصرية، أول أمس، إن الجيش المصري ينوي فرض منطقة عازلة على الحدود بين مصر وغزة. ولم يصدر أي تصريح رسمي من قبل السلطات المصرية الانقلابية ينفي أو يؤكد تلك التقارير الصحفية. وكان الجيش الانقلابي قد واصل في الأيام الثلاث الماضية تفجير عدد من المنازل الحدودية والأنفاق الواصلة بين غزة ورفح المصرية، وبدأ بإخلاء السكان الموجودين في مسافة 500 متر قرب الحدود. «مرسي» والمنطقة الحرة ودار الحديث خلال حكم الرئيس المصري المخطوف محمد مرسي عن إقامة منطقة تجارية حرة على الحدود المصرية الفلسطينية، حيث تم مناقشة ذلك ما بين الفلسطينيين والمصريين وتم تحديدها من أجل التبادل التجاري بين الطرفين وإنهاء ما يعرف بتجارة الأنفاق. ويشار إلى أن تجارة الأنفاق تدخل على مصر سنويا قرابة مليار دولار وذلك لتحول الغزيين شراء كافة مستلزماتهم من مصر بدلا من الاحتلال الصهيوني في ظل تشديد الحصار. حكومة غزة ترفض في المقابل، أعلنت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة (التي تديرها حركة حماس) رفضها التام لوجود أي منطقة عازلة على الحدود بين قطاع غزة ومصر. وقال المتحدث باسم الحكومة إيهاب الغصين، في بيان له أول أمس، إن «الحكومة ترفض أي منطقة عازلة على الحدود بين غزة والمصر (...) المناطق العازلة لا تكون بين الإخوة وحدود الدول الشقيقة». وأضاف الغصين «غزة تمثل خط الدفاع الأول عن مصر ولا يأتي منها إلا الخير»، مؤكداً أن فرض منطقة عازلة يعزز من خطورة الحصار على غزة ويفاقم من معاناة الفلسطينيين. وأعرب عن استغرابه من تقارير إعلامية تحدثت عن عزم السلطات في مصر القيام بمثل هذه الخطوة، مؤكداً أن الأنفاق يستخدمها الفلسطينون من أجل تجاوز الحصار الصهيوني وتوريد احتياجاتهم الأساسية من المواد الغذائية، ومواد البناء التي يمنع الكيان دخوله لغزة. وأعرب عن أمله ألا تكرس هذه الخطوة الحصار على غزة وتفاقم معاناة أهالي القطاع»، داعياً بدلاً من ذلك الأمر، إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين عبر إقامة منطقة تجارية حرة، وهو ما طالبت به الحكومة بشكل متكرر طوال الفترة الماضية. تشديد الحصار واعتبر المحلل والخبير الاقتصادي الدكتور ماهر الطبّاع، تعليقا على إجراءات الجيش، أن إغلاق الأنفاق بين مصر وغزة من غير بديل لتجارة حرة وانسياب السلع لغزة تشكل كارثة اقتصادية واجتماعية وإنسانية على غزة. وقال الطبّاع ل «قدس برس»: «إن الأنفاق حاليا تمر بمرحلة صعبة بعد عمليات التدمير لها من قبل الجيش المصري، حيث إن هناك حملة عنيفة على الأنفاق تم خلالها إغلاق ما يزيد عن 90 في المائة من الأنفاق التي تربط غزة بمصر». وأضاف: «في حال إغلاق الأنفاق دون وجود بديل يعود ما يشبه المربع الأول للحصار عام 2007 لاسيما في فقدان المواد الأساسية». وفيما يبدو أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب لم يجد أمامه سوى الهروب لفخ غزة بعد أن فقد كل الخيارات السياسية الداخلية بعد حشود 30 غشت الشعبية التلقائية الرهيبة. فسياسة هدم بيوت المواطنين الفلسطينيين على الحدود هي سياسة عنصرية لجيش الاحتلال الصهيوني بذرائع أمنية مختلفة، وقد أسفرت عن هدم مئات البيوت مما فصل جغرافيا وسكانيا بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية ويحول بين التواصل السكاني في المنطقة. وعندما يلجأ الجيش المصري إلى سياسات جيش الاحتلال ذاتها ويتقمص دوره في قمع وهدم منازل وبيوت المواطنين المصريين في رفح بسياسات العقاب الجماعي نفسها فهو يضع نفسه في نفس المرتبة مع جيش الاحتلال الصهيوني. و»عندما تعجز داخليا وتنفجر الأزمات في وجهك ابحث عن خصم خارجي ضعيف واستعرض عضلاتك عليه كي تحشد الناس خلفك مرة أخرى»، فهذه قاعدة من القواعد الميكافيللية في السياسة الخارجية تفسر بعض ما يجري على الحدود مع غزة. حملة تحريض وتأتي التحركات العسكرية المصرية بالتزامن مع حملة تحريضية غير مسبوقة في الإعلام المصري المؤيد للانقلاب العسكري تدعو الفلسطينيين في غزة للثورة على حركة حماس، في تدخل واضح وسافر وغير مسبوق في الشأن الداخلي الفلسطيني، بينما ينتقد الإعلام المصري ذاته غير المصريين الذين يتدخلون بالتطورات السياسية في القاهرة. وفاجأ الإعلامي المصري المثير للجدل توفيق عكاشة مشاهديه مساء السبت الماضي بتحريض غير مسبوق للفلسطينيين في غزة، حيث قال إن على الفلسطينيين أن يثوروا على حركة حماس ولأن الجيش المصري سوف يقوم بدعمهم عسكرياً من أجل القضاء على الحركة التي تقاوم الاحتلال. ومن المعروف أن عكاشة هو أحد أبرز المقربين من نظام الفريق عبد الفتاح السيسي، وهو أحد أبرز المدافعين عن الانقلاب العسكري والمحسوبين عليه، كما أن المصريين عادة ما يعرفون بأن ما يقوله هو الموقف الرسمي للجيش، حيث يتلقى الرجل التعليمات من إدارة الشؤون المعنوية، والمخابرات الحربية، وهما اللذان يمولان قناته التلفزيونية المسماة «الفراعين». ويسود الاعتقاد في الشارع الفلسطيني أن النشطاء المغمورين في غزة الذين يدعون الى التمرد، ويقودون حركة «تمرد غزة» ليسوا سوى امتداد لثورة مضادة تقودها دولة الإمارات وتهدف للاطاحة بالثورات العربية، وحكم الاسلاميين في العالم العربي، وهي على غرار حركة «تمرد» المصرية التي يقودها شاب مصري يدعى محمود بدر، ويشتهر باسم "محمود بانغو" نسبة إلى تجارته السابقة بالبانغو التي اشتهر بها، قبل أن يبني علاقة غامضة مع دولة الامارات وصلت به الى أن يلتقي بوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان. ورصد موقع «أسرار عربية» العديد من الإشارات في مصر عن حملة مدبرة للهجوم على حركة «حماس» في غزة والإطاحة بحكمها، في الوقت الذي تتحدث فيه العديد من المصادر عن أن دولة الإمارات هي التي تقوم بتدبير وإدارة هذه الحملة من خلال القيادي الفلسطيني المطرود من غزة محمد دحلان الذي يعمل مستشاراً لدى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. ويقول الفلسطينيون إن محمد دحلان الذي ظل طوال الفترة الماضية يفتعل المشاكل في سيناء لجر الجيش المصري إلى مربع المواجهة مع غزة، هو الذي يقف وراء «تمرد غزة» التي تطمح للإطاحة بحكم حركة حماس على وقع الإطاحة بحكم محمد مرسي.