التطورات التي أعقبت الانقلاب على الشرعية في مصر، واتساع وتصاعد الاعتراض الشعبي على قادة الانقلاب بسبب موجة العنف والتقتيل التي تورط فيها، واعتماد المقاربة الأمنية الاستئصالية التحريضية على أطياف سياسية تمثل قطاعا واسعا من الشعب المصري، وسيادة موجة من التردد في القرار السياسي حول أشكال إقناع «التحالف الوطني لدعم الشرعية» بقبول خارطة الطريق المقترحة، وطلب وساطات أجنبية لحل الأزمة السياسية، كل هذه المؤشرات، تؤكد أن مسار الارتداد على التحول الديمقراطي يوجد في مأزق حقيقي، وأن البديل الذي كان جاهزا للجواب عن أسئلة ما بعد الإطاحة بالشرعية لم يأخذ بعين الاعتبار حجم الممانعة الشعبية ومنهجية التعاطي معها. اليوم، توجد السلطة المنصبة من قبل قادة الانقلاب في أسوأ حالها، فلا هي استطاعت أن تهدئ الشارع، ولا هي حصنت القوى التي أعطتها الغطاء في 30 يونيو من الالتحاق بالشارع الغاضب من الإجراءات الانقلابية التي تمس بالحريات، ولا هي استطاعت أن تقنع القوى الدولية بشرعيتها وقدرتها على حل الأزمة السياسية، إذ تصاعدت موجة الانتقادات الدولية على شكل تعاطيها مع المظاهرات السلمية والتجائها إلى العنف وارتكاب مجازر دموية في حق أبناء الشعب المصري. خلاصة الموقف، أن خارطة الطريق التي اقترحها قادة الانقلاب توجد اليوم في ورطة حقيقية، وأن العقل الأمني عطل كل أجهزة الاستقبال، وامتنع عن التجاوب مع المبادرات السياسية التي أطلقتها قيادات سياسية ومدنية ذات المصداقية، وأصر على ألا خيار يعلو فوق المقاربة الأمنية في إخضاع القوى السياسية وإجبارها على «الدخول في الصف الوطني» حسب تعبير قيادات الانقلاب». الدرس المستفاد من كل ذلك، أن الانقلاب، وإن حاول أن يأخذ من الديمقراطية بعض أرديتها، ويأخذ من الثورة بعض شرعيتها، ويستعين في سبيل تحقيق ذلك بحشد في الشارع يفبركه أو يصطنعه على عينه، فإن ذلك لا يمكن أبدا أن يكون له نفس الآثار التي تكون للثورة الشعبية الحقيقية وللتعبير الديمقراطي عن الإرادة الشعبية. الفرق بين ثورة 25 يناير وانقلاب 30 يوينو، أن الأولى عبرت عن الشعب كله، وأنتجت الآليات الديمقراطية، وبدأ ترسخ مؤسسات الدولة الديمقراطية، وضمنت الاستقرار السياسي، بينما الانقلاب مزق الشعب المصري، وأجهز على المؤسسات الدستورية، وهدد المبادئ الديمقراطية، ومس بالحريات، ووظف الإعلام لخوض أوسع حملة كراهية بين فئات المجتمع، وبين المصريين وإخوانهم الفلسطينيين والسوريين، وأضاع الاستقرار السياسي، وأدخل مصر نحو المجهول بسبب الاعتقاد الخاطئ في فعالية المقاربة الأمنية في مواجهة حركة الاعتراض الشعبي للانقلاب على الشرعية. إن الخسارة التي تعيشها مصر من جراء الردة على التحول الديمقراطي، لتعطي دروسا لكل من يحاول اليوم استنساخ التجربة كليا أو جزئيا، إلى أن للديمقراطية قواعدها ومسارها المعروف، وأن أي استعارة لجزء منها من أجل تبرير الانقلاب عليها سيكون ثمنه مكلفا على الاستقرار السياسي وعلى التماسك المجتمعي وعلى سمعة المؤسسات وصورة البلاد في الخارج.