كيف كانت طريقة تدريسك بالقرويين؟ ❍ كان هناك تقليد جميل في القرويين، فالطلبة كانوا ينقسمون بحكم كثرة عددهم على أستاذين، نصف الطلبة كان يدرس عندي والنصف الآخر عند الأستاذ عبد الواحد العراقي. والجميل في الأمر أن الطلبة كانو أحرص على الاستفادة، كانوا عندما ينتهون من حصة العراقي يأتون عندي في مجلس كبير، وذلك ربما لأني حفظت عن أحد علماء القرويين دعاءه «اللهم ارزقنا العلم وارزقنا الإقدار على تبليغه»، ولأنني كنت أيضا أتذكر مشكل الحساب الذي وقع لي وأنا طفل، رسخ عندي أن من واجبي أن أبلغ بحرص. كان لكل عالم أسلوبه في التدريس منهم من له أسلوب جذاب في التبليغ وبعضهم كان مغلقا يمتلك علما ولكن دون أسلوب بيداغوجي. ولذلك كنت حتى تلك الواضحات التي قالوا إن شرحها من المفضحات كنت أشرحها.ولأيامي مع الطلبة ذكريات جميلة. ماذا تذكر من تلك الذكريات؟ ❍ سأحكي لك حكاية من أغرب ما وقع لي مع الطلبة، ذلك أن بعضهم انقطع عن حضور الدراسة في القرويين.وذات يوم طرق باب بيتي اثنان منهم ما زلت أتذكر اسمهما الأول اسمه العلوي والآخر الهواري وقد أصبح ممثلا ومسرحيا. ومن حسن حظي أنني لم أكن متواجدا بالبيت فاستقبلتهم زوجتي وعندما أخبروها بأنهم طلبتي، طلبت منهم العودة في الغد. وفي الغد عندما أتوا للبيت، دخل أحدهم والآخر بقي خارج البيت، وبعد قليل أزال بذلته لأفاجأ أنها مملوءة بالمسدسات، ثم أخبرني أنه أصبح فدائيا يتابع الخونة وخاطبني بالقول «قصدناك كي تخبئ لنا المسدسات وما احتجنا من ذلك طلبناه منك». ولخطورة الأمر قال لي :»أعتذر لا أستطيع المكوث معك دقيقة أخرى لأن هناك من يتفقدني على الخارج»، قلت : من؟، قال : «صديقي الهواري، وهو مكلف بمراقبتي». قلت : «فليدخل»، قال : «إن دخل سيفزعك». ولما دخل كان يضع قناعا على وجهه «ماسك» خوفا من أن يراه من لا يريد. وقالا لي بأنه علي أن آتيهم بمسدس يوم الأربعاء، وسردوا علي الخطوات التي علي اتباعها. قالوا بأنهم سيكلفون طالبا ليلقي علي سؤالا مثيرا وخارجا عن الموضوع في الدرس، و عند خروجي من القسم سيطأ على بلغتي عند الباب، عندها سأعرف بأن ذلك هو صاحبهم وعلي أن أتبعه إلى حدود الدرب الفلاني.. وبالفعل تم الأمر بالطريقة المتفق عليها وتبعته حتى دخلنا الدرب وسلمته المسدس. وكان في الأمر مغامرة كبيرة مني، لأنه لو كان قد ضبطني الفرنسيون حينها لا قدر الله لكان هلاكي. وفي المساء وصلنا الخبر أن خطيب الرصيف «بنسودة» تم قتله لأنه كان يخطب فوق المنبر باسم بنعرفة. وهل قبلت الدخول معهم في هذه المغامرة بسهولة؟ ❍ لم يكن لدي حل آخر، وأعانتني في ذلك الزوجة التي تعاطفت معهم بقوة. ومرة أخرى طلبوا منها أن نخلي لهم منزلنا لأنهم يحتاجونه لمهمة حوالي 3 ساعات فاستجبنا، وكانوا قد أتوا بخائن ليؤدبوه داخل المنزل ولم أعرف بالأمر إلا فيما بعد. على كل حال هذا العلوي كان يدربهم على المتفجرات «البومب» فمات بإحداها رحمه الله.