هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري، الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العدراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير الأسبق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. «على الرغم من أنني ولدت في المدينة القديمة بالبيضاء، فإن العائلة انتقلت إلى درب السلطان (درب اليهودي أو درب مارتيني) وعمري لم يتجاوز6 أشهر، وهذا يعني أنني رأيت النور الحقيقي في هذا الحي، واكتشفت الحياة وعشت الطفولة بين أزقته، قرب جامع «الفقيه السي حمو» في«العوينة الوسطانية» عاش الطفل جمال الدين مصطفى، وهذا هو اسمي الحقيقي. في هذا الفضاء عرفت اسما كبيرا في عالم كرة القدم، ويتعلق الأمر ب»الصوبيص» حارس المنتخب الوطني في الستينيات والسبعينيات، وعرفت أحمد ولد البياض اللاعب الشهير». بهذه الكلمات يحكي الفنان مصطفى الزعري عن علاقته بحي درب السلطان. ويضيف الزعري: «في منطقة «الحبوس» كانت هناك مدرسة حرة تسمى «النجاح»، كانت تعرف بأساتذتها وأطرها الوطنيين، من بينهم عبد القادر الصحراوي والمدير الفقيه السي التاني رحمه الله، وهو أحد المناضلين، اعتقل وعذب، كما ضمت المدرسة الفقيه السوسي والسي بن علي، هذا إلى جانب مناضلين آخرين كانوا يعلموننا مبادئ المعرفة وقيم المواطنة الحقيقية. في أواخر الأربعينيات، انتقلت العائلة إلى حي«كارلوطي» ( زنقة الريف) قرب فندق «البشير». في هذا الحي تعرفت على الفنانة الكبيرة الشعيبية العدراوي والفنانة الكبيرة نعيمة المشرقي والفنان عبد القادر مطاع والفنانة الكبيرة الحاجة الحمداوية والفنان الكبير مصطفى الداسوكين.. وفي هذا الحي جمعتني صداقة طفولية مع اللاعب الدولي الراحل مصطفى بيتشو، كنا أصدقاء، رغم أننا لم نكن نتنبأ بمستقبلنا الفني والرياضي، كما كان يقطن بهذا الحي الأشهب وأحمد بن أحمد الدراجان، هذا فضلا على تعرفي على اللاعب الرجاوي الشهير بهيجة». ويواصل الزعري مسلسل النبش في ذكرياته بدرب السلطان، قائلا: «في سن ال17 من عمري انتقلنا إلى حي «بوشنتوف» بدرب السلطان وقطنا في منزل صغير اشترته والدتي رحمها الله. في هذا الحي توطدت علاقتي بمجموعة من اللاعبين، منهم ولد حمان، مصطفى ميلازو، كما عرفت لاعبين كانوا يقطنون بدرب «اسبانيول» القريب منا، من بينهم: بْتي عمر، البنيني... ومن الأشياء التي ما زلت أتذكرها أن الأطفال كانوا يلقبونني- في درب كارلوطي- ب«السقيريم»، لأنني في صغري كنت أرفض أن أعطي ولو«فنيدة» واحدة لأي كان، وفي حي «بوشنتوف» لقبت بالنمس، لأنني كنت «قبيح بزاف وتنجري بزاف»، ولا يمر يوم واحد دون أن أختلق مشكلة مع الجيران، لهذا كانت أمي التي تكفلت بعناء تربيتي، لأنني كنت يتيم الأب, حينما تسمع بمشكل تسببت فيه، تنادي علي: «جي أهاداك النمس».. ومن جملة الحوادث التي تعرضت لها، أنه بعد قضاء يوم في المسبح في سنة 1951، سرت رفقة مصطفى الروبيو في الطريق إلى درب كارلوطي مشيا على الأقدام، لأننا لم نكن نتوفر على ثمن تذكرة الحافلة، فدخلنا حديقة «مردوخ»، فسرقنا شيئا ملفوفا، فقصدنا مطرح النفايات الموجود ببوشنتوف، وبعدما فتحنا ذلك الشيء وجدنا نقودا وأقمصة ومسدسا حقيقيا، واتفقنا أن يأخذ هو النقود وآخذ المسدس، فحملت المسدس إلى المنزل. وبعدما حكيت لخالي الذي كان بمثابة الأب بالنسبة إلي أشبعني ضربا (دكني عصا)، وأخذ مني المسدس وبنى عليه حائطا (دار عليه البوصلانة)، وبنى بعد ذلك الطابق الثاني، قبل أن نبيع الدار فيما بعد». وللزعري في درب السلطان حكايات فنية، يقول عنها: «بحكم أنني كنت شقيا، أراد خالي أن أبتعد عن المشاكل بإلحاقي بأحد النوادي. في سنة 1962 كنت أقصد مقر فرقة «الأخوة العربية» لعبد العظيم الشناوي، لاكتشاف العالم المسرحي، وأتعرف على كيفية وضع الديكور والكاميرا. وفي يوم من الأيام لم يحضر أحد الممثلين، فمنحني عبد العظيم الدور، من هنا دخلت المجال، وأتذكر أن الفنان الكبير الطيب لعلج نصحني بالتعلم، وهذا ما فعلته، إذ التحقت بالمعهد، فوجدت الحسين بنياز وصلاح الدين بنموسى. ومن بين الأساتذة كان الطيب الصديقي والطيب لعلج... بعد هذه الفترة عدت إلى فرقة عبد العظيم الشناوي، قبل أن أطلب من عبد القادر البدوي الالتحاق بفرقته، وقضيت معه عشر سنوات. خلال هذه المدرسة اشتغلت رفقة عبد القادر البدوي، عبد الرزاق البدوي، عائشة ساجد، نعيمة إلياس، الزيراوي، الداسوكين، أمينة بركات... وأتذكر أنني التقيت بالداسوكين سنة 1974 فرأيت فيه الموهبة، فأخذته إلى فرقة البدوي ونجح معها، قبل أن نكون ثنائيا اشتغل لعدة سنوات، ولتأتي مرحلة نهاية الثنائي، بعدما اختار الداسوكين الميدان المسرحي واتجهت نحو الإنتاج التلفزيوني والسينمائي».