يصف لنا ابن الأبار وابن عبد الملك المراكشي في الذيل والتكملة ما يشبه أن يسمى باسم «دار نشر المصحف» وذلك في ترجمة الخطاط محمد بن عبد الله بن غطوس الأنصاري الأندلسي من أهل بلنسية ومن أهل المائة الهجرية السادسة، قال ابن الأبار: « وكان يكتب المصاحف وينقطها، وانفرد في وقته بالإمامة في ذلك براعة خط، وجودة ضبط، ويقال: إنه كتب ألف نسخة من كتاب الله – عز وجل – قال: ولم يزل الملوك فمن دونهم، يتنافسون فيها إلى اليوم، وكان آل على نفسه أن لا يخط حرفا من غيره، ولا يخلط به سواه، تقربا إلى الله وتنزيها لتنزيله، فما حنث – فيما أعلم – وأقام على ذلك حياته كلها، وخلف أباه وأخاه في هذه الصناعة التي تميزوا بها، وكان معروفا فيها وفي إبداعها، آية من آيات خالقه، مع الخير والصلاح والانقباض عن الناس والعزوف عنهم، رأيته على هذه الصفة، وتوفي سنة 610 ه واستفدت منه بعضا من مرسوم الخط، ولقيته عند معلمي أبي حامد». وقال ابن عبد الملك في الذيل والتكملة، في ترجمة أحمد بن سعد بن بشير أبو جعفر القزاز من أهل غرناطة (ت 675 ه): «كان آخر المكتبين، متقدما في المعرفة بهجاء المصحف وضبطه، مبرزا فيهما علما وعملا، لم يكن في عصره ولا بعده من يضاهيه في ذلك ولا من يقاربه».وقال أبو العباس أحمد المنجور يصف أحد أصحاب الشيخ محمد بن غازي وهو محمد بن عبد الله العدي الفاسي (ت 975 ه) الذي كان أشبه بمجمع لتصحيح المصاحف:»وكان له خط رائق، ونَسَخَ نُسَخاً عديدة من كتاب الله عز وجل للسلاطين وغيرهم، والناس يتغالون في نسخه، وكان يقصد لتصحيح نسخ القرآن الكريم من حيث المتن والرسم والضبط «. (فهرس أحمد المنجور).وقال في سلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر الكتاني، في ترجمة الحاج المعطي التادلي الفاسي (ت 1262 ه): «وكان له خط رائق حسن، فكان ينسخ المصاحف والدواليل ويبيعها ويتقوت منها، حتى نسخ منها عددا كثيرا، وقد ذكر عنه أنه كتب بيده خمسمائة مصحف».وقال في سلوة الأنفاس في ترجمة محمد بن أبي القاسم القندوسي (ت 1278 ه ): «وكان له خط حسن جيد كتب به عدة من الدواوين، وأخبرت أنه كتب مصحفا في اثني عشر مجلدا قل أن يوجد نظيره في الدنيا». وفي المورد في العدد الرابع المجلد 15 في ترجمة الخطاط المغربي محمد بن عبد القادر التادلي الرباطي والد أبي إسحاق إبراهيم التادلي شيخ الجماعة بالرباط قال ولده:»وكان متقنا للخط، فكان يضرب به المثل بخطه، وجل كتبه التي كتبها المصاحف ودلائل الخيرات، وعندي من ذلك مصحف ودليل». وفي قريب من عصرنا ظهر الخطاط المبدع أحمد بن الحسن زويتن الفاسي ( توفي عام 1381 ه - 1961م) فكان كما قال أستاذنا محمد المنوني – رحمه الله – في كتاب تاريخ المصحف الشريف بالمغرب: «علما لامعا في جودة الخط ووفرة منتسخاته، وهو الذي رشح لكتابة المصحف الشريف المطبوع على الحجر بالقاهرة باعتناء الفاضلين الحاج المهدي الحبابي ومحمد الحبابي الفاسيين عام 1347 ه – 1929 م. ثم كتب الخطاط نفسه مصحفا شريفا ثانيا برسم مكتبة الحاج عبد السلام بن شقرون بالقاهرة». في الحلقة القادمة : (إرهاصات فكرة إنشاء دار للطباعة تتولى شؤون طبع المصحف الشريف بالمغرب بدل طباعته بالمشرق)