توقع العلامة الدكتور عبد الهادي حميتو عضو الهيئة العلمية ب «مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف»، أن يكون المصحف المحمدي الأثري المضبوط بالألوان المأثورة، جاهزا أثناء هذه السنة أو في أوائل السنة القادمة.مؤكدا في حديث ل «التجديد» أن ثلثي المصحف خضع للتدقيق والمراجعة والتمحيص لحد الآن بعد أن أنهى الخطاطون أشغال كتابته»، وأضاف «نشتغل الآن على تصحيح ما بقي منه، على أن يكون الثلث الأخير منه جاهزا بعد شهرتقريبا، ليدخل المشروع مختلف المراحل المتبقية والمتعلقة بطبعه». وهكذا لن تتمكن «مؤسسة السادس لنشر المصحف الشريف»من إنجاز المصحف الأثري بالألوان الذي وعدت بتقديمه هدية إلى الملك محمد السادس خلال شهر رمضان الماضي. إلا فيما تبقى من السنة الجارية، أو بداية السنة المقبلة على أبعد تقدير. وكان مجلس إدارة «مؤسسة السادس لنشر المصحف الشريف»، قد اتخد قرارا بطبع 10 آلاف نسخة من المصحف المحمدي المضبوط بالألوان المأثورة في البداية، والتفكير في توزيعه على المساجد ولو بنسبة مصحفين لكل مسجد في مرحلة أولى. :الدكتور عبد الهادي حميتو المصحف المحمدي الأثري مضبوط بالألوان المأثورة نعني بألوان الضبط المأثورة الألوان الأربعة المستعملة عند السلف في كتابة المصاحف الشريفة ونقطها وضبطها وهي السواد وهو الأصل الذي يكتب به النص القرآني - كما رسمه به الصحابة من كتاب المصحف الإمام الذي كتبه زيد بن ثابت ومن معه لعثمان بن عفان-، ويكتب به نقط الحروف تبعا لنقط النص به كما نقطه بذلك من نقطه من التابعين ثم الحمرة والصفرة والخضرة. وينسب النقط الأول باستعمال الألوان في ضبط المصحف، لأبي الأسود الدؤلي (نقط الإعراب)، وأما نقط الإعجام الذي يميز به بين الحروف المتشابهة في الصورة الخطية فيكتب بالسواد تبعا للأصل، وينسب وضعه إلى نصر بن عاصم تلميذ أبي الأسود، وإلى يحيى بن يعمر العدواني من تلامذته أيضا، وكلهم من علماء البصرة في العراق. وهم الذين بدؤوا النقط كما يقول أبو عمرو الداني في كتاب «المحكم في نقط المصاحف». وفيه عن يحيى بن أبي كثير قال : «كان القرآن مجردا في المصاحف، فأول ما أحدثوا فيه النقط على الياء والتاء»، ثم ظهر على أيديهم تعميم الضبط بالألوان على عامة حروف المصحف حماية لها من اللحن والتحريف، فكانوا ينقطونها نقط الإعراب، ويعنون به الشكل، ويزيدون عليه ضبط الحروف الذي يخشى دخول اللبس فيها على القارئ، فأخذوا بنقط أبي الأسود المسمى (المدور)، الذي كان قد خصه بأواخر الكلم وسماه (نقط الإعراب) فاستعملوه في شكل حروف الكلمة بحسب حركاتها وزادوا السكون فجعلوه على صورة دارة على الحرف فوقه وعلى الحروف الزائدة. ولما ظهر الخليل بن أحمد البصري (ت 175 ه) قام باختراع الشكل بالحركات ودخل في الاستعمال عوض النقط المدور، ولكن أكثر العلماء احتفظوا بالمدور في ضبط المصاحف الجامعة، وأطلقوا على الشكل المحدث إسم «شكل الشعر» تمييزا له عنه، ولم يستحبوا استعماله في المصحف. ولما ظهر الإمام نافع بن أبي نعيم (ت 169ه) من قراء التابعين بالمدينةالمنورة، وجد أهلها قد اعتمدوا النقط والضبط واستعمار الألوان للتمييز. (..) وقد نقل أبو محمد الغازي بن قيس القرطبي (ت 199ه) طريقة أهل المدينة في رسم المصاحف ونقطها وضبطها إلى الأندلس وأخذها عنه كتاب المصاحف. (..) النقط والضبط واللونين الأحمر للضبط كله والأصفر للهمزات خاصة...غير أن أهل الأندلس أضافوا للضبط لونا ثالثا، وهو الأخضر كهمزات الوصل المبتدأ بها. المصحف بالألوان : تراث مغربي أصيل لقد تم اعتماد الألوان الثلاثة في المصحف المحمدي الأثري جريا على ما كانت عليه المصاحف الخطية المغربية إلى قريب من زمننا وإلى ظهر الطباعة العصرية. وقد نهج المغاربة نهج الأندلسيين في كل ذلك. يقول الإمام الداني في المحكم: «وحرص الأندلسيون والمغاربة على أن يترسموا خطا من كان قبلهم من الأئمة المعتبرين في ضبط حروف وكلمات القرآن واستعمال الألوان فيها، وبذلوا الوسع في الاقتداء بهم ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ولم يخالفوهم إلا في الحدود التي تقتضيها حاجات الناس من البيان والإيضاح واعتبارا لسنن التدرج والتطور والتجديد». وإلى هذا الاشتراك في الاقتداء بأهل المدينة بين المغاربة والأندلسيين، أشار الإمام أبو داوود في غير موضع من ذيله على كتاب التنزيل المسمى (أصول الضبط) : «والمستحب من الألوان للضبط : الحمرة للشكل، والصفرة للهمزة، وعلى ذلك كانت مصاحف أهل المدينة في آخر زمن الصحابة والتابعين بعدهم». وتنبغي هنا الإشارة إلى أن التطور والتيسير قد أفضيا إلى الأخذ بطريقة الخليل في الضبط بالحركات عوضا عن النقط المدور، كما أفضيا إلى تعميميه على الحروف سواء في الألواح التعليمية أم في المصاحف. غاية المؤسسة من إحياء هذا التراث الذي توخته مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف من اقتراحها على الوزارة إنجاز هذا المصحف الأثري بألوان الضبط المأثورة، ليكون من جهة إحياء للطريقة المغربية الأثرية المثلى، ذات الطابع المغربي على الطراز المدني المأثور، الذي استمر عليه العمل في المصاحف المغربية إلى قريب من عهدنا، ومن جهة ثانية ليكون إحدى مآثر الريادة والسبق لبلادنا على البلدان العربية والإسلامية التي تحلى بها عهد أمير المؤمنين، وتكلل بها سعي هذه المؤسسة الناشئة ليكون أحد الأعمال العلمية المغربية الرائدة التي قدمها جلالته من خلال المؤسسة المختصة خدمة لكتاب الله و إغناء لحقل علومه وشؤون المصحف الشريف الذي شرفها بالقيام بالعناية به والسهر عليه.