ينبغي الإقرار هنا بأن فتح المغرب لأبوابه لزيارات المقررين الأمميين، ليس قرارا سهلا بإمكان أي دولة أن تنفتح عليه، فهناك العديد من الدول التي لا تجرؤ على مثل هذا القرار، وتتثاقل قراراتها كثيرا حينما يتعلق الأمر بالتعاون مع منظومة حقوق الإنسان، لكن المغرب، وبشكل إرادي، اختار التعاون في تنفيذ التزاماته الدولية عبر التفاعل الإيجابي مع الآليات التي توفرها هذه المنظومة الدولية. وفي هذا السياق إذن، تندرج زيارة المقررة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الاتجار في البشر بعد أن كان سباقا للدعوة. طبعا، الانفتاح لا يعني بالضرورة أن وضعية المغرب في هذا الصدد مشرفة، فالمعطيات التي توفرها التقارير الدولية الأخيرة، ومنها على الأخص تقارير مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات ومنع الجريمة، تجعل المغرب في المراتب الأولى فيما يخص الاتجار في البشر، وإنما يعني أن هناك جهودا تبذل من أجل التصدي للظاهرة، وأن هذه الجهود لا يمكن أن تتعزز وتؤتي أكلها إلا بالتفاعل مع منظومة حقوق الإنسان. حسب دراسة مصغرة قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن المطلوب من المغرب بهذا الخصوص، لا يتعدى التصدي للاتجار بالأطفال، من خلال البيع والعمل في المواد الإباحية والسياحة الجنسية، ومحاربة الاستغلال الوظيفي من خلال العمل القسري، ومكافحة شبكات المتاجرة في الرقيق الأبيض، الذي يمارس عليه الاستغلال الجنسي، أي أن المطلوب للتصدي للظاهرة في كل تفاصيلها لا يتعدى حماية خمس فئات من الضحايا: الأطفال، والنساء، وخدم المنازل والعمل القسري، وضحايا نزع الأعضاء. عمليا، هناك مؤشرات عديدة تدل على تجاوب المغرب مع منظومة حقوق الإنسان بهذا الخصوص، إذ صادق المغرب في سنة 2002 على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية سنة 2002، وعلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، وعلى بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية سنة 2009، كما وقع على البروتوكول الثاني المكمل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو. لكن، مع كل هذه الجهود المبذولة، يبقى الجانب الأهم هو التفعيل، ليس فقط من زاوية التشريع والتقنين، التي لا يختلف أحد على أهميتها ونجاعتها في القضاء على الظاهرة، أو على الأقل التخفيف من حدتها، ولكن أيضا من زاوية تفعيل البعد التربوي والديني والثقافي في الموضوع. نعم، هناك حاجة إلى تشريع قوانين أو تفعيلها لمكافحة ظاهرة الاتجار في البشر، وهناك بالتحديد حاجة إلى قانون جامع مفصل يخص هذه الظاهرة وتوابعها، وهناك حاجة لتعزيز الإجراءات العقابية في حق من يثبت تورطه في أنشطة لها صلة بالاتجار في البشر، كما أن هناك حاجة إلى تفعيل المقاربة الأمنية لتحريك التحقيقات التي تستهدف إيقاف شبكات التجارة في الرقيق الأبيض، كما أن هناك حاجة إلى تأهيل الموارد البشرية، سواء على المستوى جهاز الأمن أو القضاء، لمواكبة مستلزمات مواجهة مخاطر هذه الظاهرة وأشكال تطورها، لكن كل ذلك، لا يعفي من تحريك أبعاد أخرى تعالج الظاهرة في بنيتها العميقة. بكلمة، إن التفاعل مع منظومة حقوق الإنسان لمحاربة هذه الظاهرة مفيد، في كونه يربط المغرب بتنفيذ جملة من الالتزامات القانونية والإجرائية التي تساهم في تفعيل وتنسيق الجهود المحلية والدولية من أجل محاربتها، لكن الأهم منه ذلك، هو أن يتم الوعي بأهمية تفعيل المقاربة الدينية والتربوية والثقافية لمكافحة الظاهرة في جذورها، وأن نضع المجتمع كله بعلمائه وقيادته ونخبه الفكرية والتربوية والإعلامية في مواجهتها، بدل أن نرمي بالكرة في ملعب الأجهزة الأمنية والقضائية وحدها.