قال مبارك بودرقة، عضو لجنة متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان السابق، إن ظاهرة الاتجار في البشر «الدعارة» لازالت في تصاعد مستمر رغم اعتماد المنتظم الدولي للعديد من الصكوك. وأبرز المتحدث خلال ندوة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في إطار فعاليات الدورة الثانية للقاءات المتوسطية حول السينما وحقوق الإنسان، أن الاتجار في البشر «الدعارة» تعد بمثابة عودة لظاهرة العبودية والرق في شكل جديد إذ تغيرت العبودية من طوابير من العبيد يشحنون في بواخر إلى طوابير من النساء والأطفال والرجال يوثقون باتفاقات وعقود مزورة ويتم تسفيرهم للعمل في سوق الجنس. وأشار مبارك بودرقة الذي أشرف على الدراسة التي أنجزها سابقا المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حول ظاهرة الاتجار في البشر، إن الفتيات المغربيات بدول الخليج يعشن أوضاعا رهيبة، قائلا، بخصوص المفارقة بالنسبة لهذه البلدان التي تعد طرفا في الاتفاقيات الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر وتعتمد قوانين تطابق المعايير الدولية «إن دول الخليج تشهد استغلالا مهينا للفتيات اعتبارا لنظام الكفيل المعمول به، إذ أن الكثير من المغربيات يفاجأن عند وصولهن إلى بلدان تلك المنطقة أنه تم خداعهن بعقود عمل مزورة من طرف مافيات الدعارة». وقال فيما يخص مكافحة الظاهرة بالمغرب، إن «تحجج المغرب بتوفره على قانون جنائي يتضمن مقتضيات تعاقب على الاتجار في البشر، للتملص من وضع إطار تشريعي خاص بتجريم الظاهرة، تماشيا، مع ما ينص عليه بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، بأنه تبرير غير مقبول. وأوضح بهذا الخصوص، أن إقرار قانون خاص بمكافحة الظاهرة يتضمن آليات تختلف عما ينص عليه القانون الجنائي، إذ أن قانون مكافحة الاتجار في البشر أضاف تغييرات جوهرية على المفهوم الدولي والاصطلاح المعرفي للاتجار بالأشخاص، كما أضاف تغييرات مخالفة للقواعد التقليدية والمتعارف عليها في آلية العقاب، حيث أن المجرم في عملية الاتجار لم يعد فردا بل جماعة إجرامية منظمة تتواجد في عدة بلدان، هذا في حين، أن القانون الجنائي يعاقب الضحية بخلاف قانون الاتجار في البشر الذي لا ينص على معاقبة الضحايا، بل يعتبرهن مستضعفات ينبغي توفير العلاج لهن، وعندما يستنفذن التقاضي أمام المحاكم الوطنية يمكنهن رفع الدعوى أمام المحاكم الدولية، هذا فضلا عن أن قانون الاتجار بالبشر يؤكد على ضرورة إحداث مؤسسات وطنية تكون مهمتها وضع تقارير حول الظاهرة، وإحداث مراكز لاستقبال الضحايا وتأهيلهن. وأضاف بخصوص معاقبة الضحية الذي ينص عليه القانون الجنائي المغربي، أن الشريعة الإسلامية نفسها تعفي الفتاة التي تمتهن البغاء كرها من العقاب، مستدلا في ذلك بما جاء في القرآن الكريم بسورة النور، الآية 32. وأكد أن المغرب عمل على الانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بمكافحة الاتجار بالبشر، إذ صادق على عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية، من بينها اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبرالوطنية، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، وكذا اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير، والاتفاقية الخاصة بالرق. لكن بالموازاة مع ذلك، فبالرغم من مصادقته على بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، إلا أنه لم يستكمل باقي إجراءات المصادقة من خلال نشرها في الجريدة الرسمية لتدخل حيز التنفيذ. وثمن من جانب آخر، المجهود الذي يقوم به المغرب للحد من أسباب انتشار ظاهرة الدعارة المتمثلة في الفقر والأمية والعنف الموجه ضد النساء والفتيات، حيث أطلق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي تستهدف الفئات التي تعاني من الفقر والهشاشة، ووضع برنامجا لتشجيع التمدرس وإستراتيجية لمناهضة العنف ضد النساء. ومن جهتها قاربت فلورانس باستي حميم، عن منظمة الأممالمتحدة للمرأة تطور ظاهرة الاتجار في البشر والتي يذهب ضحية لها أطفال ونساء، والأشكال التي اتخذتها الظاهرة خلال العقود الأخيرة، إذ الكثير من النساء اللواتي يهاجرن من أجل الارتقاء بمستوى عيش أسرهن يجدن أنفسهن في جحيم امتهان تحت الإكراه للدعارة. وأكدت أن عمل منظمة الأممالمتحدة للنساء يسير في اتجاه ضمان هجرة آمنة للنساء ومكافحة الاتجار في البشر، ودفع الدول إلى إقرار قوانين لحماية النساء، ووضع استراتيجيات للحد من الفقر. فيما اعتبرت دورين دكتل، عن المنظمة الدولية للهجرة، أن المغرب بالإضافة إلى أنه بلد مصدر للهجرة فإنه بات يعد بلد عبور ووجهة لضحايا الهجرة، مبرزة فيما يتعلق بمفهوم الاتجار بالبشر، أنه يتضمن عنصر الاستغلال ويعد ليس فقط جرما يقترف ضد الضحايا بل ضد الدولة نفسها. وشددت في هذا الصدد على الانضمام إلى المواثيق الدولية التي تعنى بمكافحة الظاهرة التي يصعب الإحاطة بها، وإقرار قانون خاص كما ينص على ذلك بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، كما شددت على أهمية تنظيم دورات تكوينية لموظفي الوزارات والمؤسسات المعنية بمكافحة الظاهرة بما فيها وزارة الداخلية والعدل وعناصر الأمن والدرك، وكذا الجمعيات العاملة في مجال الهجرة.