ليس هناك أزمة سياسية ولا حتى أزمة حكومية، فلا التلويح أو الإعلان أو حتى اتخاذ قرار بالانسحاب من حكومة ما يشكل في حد ذاته أزمة حكومية، والمجتمعات الديمقراطية تكون أمام ما يمكن وصفه بأزمة حكومية عند استقالة وزراء حزب معين من حكومة ما، ويعجز رئيس الحكومة عن إقناع ذلك الحزب المنتسب إليه أولئك الوزراء في البقاء في مناصبهم، أو يعجز في تكوين ائتلاف جديد مع حزب أو أحزاب أخرى، وبالتالي يفقد أغلبيته في البرلمان، وإذ ذاك يمكن الحديث عن أزمة حكومية، ومبدئيا لا يوجد في الدستور المغربي شيء اسمه الانسحاب من الحكومة، وبالتالي فإن عبارة انسحاب لا مكان لها في التعامل السياسي دستوريا، وما يحدث اليوم اتجاه رئيس الحكومة يمكن وصفه بأنه بالون اختبار لرباطة جأش رئيس الحكومة في التعامل مع تصرف سياسي كهذا، والذي يندرج في خانة استهداف شخص رئيس الحكومة وتشويه صورته وأدائه في أعين الشعب المغربي، وكذا لتبخيس تجربته الحكومية لإلهائه ووزرائه عن العكوف على إيجاد حلول ناجعة وسريعة لمعضلات المغرب، وذلك بما يشل عمله ويحرمه من تصدر الانتخابات القادمة، وما يحدث يندرج في إطار مخطط ينفذ في مستويات متعددة وبفرضيات متشابكة، في مسار خطوط متوازنة تدرج فيها أحزاب وجمعيات المجتمع المدني وصحافة بل وحتى الإعلام الرسمي، للإجهاز على كل يوم وكل لحظة من عمر ولاية رئيس الحكومة بمختلف الأساليب. أما عن أفق ما يحدث وتبعات قرار حزب الاستقلال فإن واجب الأمين العام المطوق به اليوم هو أن يطلب من وزراء الاستقلال الاستقالة من الحكومة، فإن القرار المتخذ يفرض عليه أن يأمر الوزراء أو المستوزرين باسم الحزب بتقديم استقالاتهم ولا مناص من ذلك، وإلا سنضيف عطبا جديدا لأعطاب مشهدنا الحزبي البئيس، وإن التعايش سياسيا وأخلاقيا بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية أصبح في حكم المستحيل، إلا إذا فقدت السياسة كل معنى للممارسة السياسية والأخلاقية، وقرر الحزبان رفع يافطة النفاق والاعتناق بين الإخوة الأعداء على امتداد مشهدنا السياسي المهترئ، الذي لا تنقصه إلا مثل هذه اليافطة، لنكون في فاجعة الهروب السياسي الكبير، بدل العزوف السياسي الذي تتأذى منه البلاد ونؤدي ثمنه غاليا لحاضرنا ومستقبلنا.