الخلل في حرية الصحافة بالمغرب منظومي وليس مرتبطا بقطاع أو بسياسة أو بشخص. بمعنى أننا في المغرب إزاء وضع في الصحافة يراوح مكانه جراء ثقل إكراهات السلطة وضغط المنظومة. لكن لو حاولنا أن نبحث عن مكامن الخلل من الناحية العملية الصرفة لقلنا بأنها تكمن في وضعية نرى فيها أن أجهزة الدولة لا تريد أن يفتح المجال كاملا، لكنها لا تريد بالآن ذاته أن تعطي الانطباع بأنه يضيق من مجاله. لذلك ترانا نحس بأننا بإزاء طفرة حقيقية قياسا إلى طبيعة ما يكتب ويقال ويسمع لكن ثمة محذورات لا يستطيع الإعلامي الاقتراب منها, وإن اقترب يتم تحريك الآليات ضده. وهكذا نبقى معلقين بين نص يعطي الحرية وممارسة لا تتمتع بها بالجملة وإن كان ذلك قائما ببعض الأجزاء. من جهة أخرى, فحرية الصحافة لا تزال مقيدة باعتبارات عامة أخرى؛ فقانون الصحافة والنشر لا يزال يراوح مكانه، وقانون الحصول على المعلومة غير دقيق على الأقل بالصيغ التي يتم الترويج لها، والعديد من الإعلاميين لا يزالون بوضعية هشة، ناهيك عن كون العديد من المنابر لا تزال لم تتحول بعد إلى مؤسسات حقيقية. من جهة ثالثة، لا يزال الإعلام العمومي المرئي والمسموع يمارس الإقصاء والتهميش للعديد من الوجوه ذات الحضور العام المميز. بل إنه يتم التداول في لائحة من الوجوه الممنوعة بالقناتين العموميتين كما بالإذاعة وبعض المحطات الإذاعية الخاصة. هذه كلها مكامن خلل ضاغطة لا تضع الممارسة الإعلامية على المحك داخليا، بل تجعلها خلف التصنيف المتدني لحرية الإعلام بكل روافده. وهذا أمر لا يتساوق مع خطاب الانفتاح والحرية والحداثة والديمقراطية المروج لها بانتظام هنا وهناك. وبخصوص مدونة الصحافة والنشر الجديدة، أنا لم أطلع بعد على مسودة هذه المدونة ولو أن لي بالمجال بعض من الرأي. ولا أريد أن أعلق على بعض من المضامين المسربة حولها. لننتظر الصيغة النهائية. لكني أقول إنها لو تجاوزت على العقوبات السالبة للحريات وحددت قواعد اللعبة بين مختلف الفاعلين بالمجال، إعلاميين ودولة ومجتمع، فإنها لربما ستكون قدمت بعضا من عناصر الحل. ثم إنها لو نجحت في تثبيت الحد الأدنى من أخلاقيات المهنة ووضحت الواجبات والحقوق بدقة، فإنها ستكون أيضا قد أسهمت في التجاوز على العديد من مكامن الاحتقان التي تطبع القطاع. في كل الأحوال فالمفروض أن ترفع الدولة يدها عن القطاع، وتتركه ليس فقط للتقنين بل وللتنظيم بمعنى الاقتصاد الصناعي للكلمة، أي أن تحدد الحد الأدنى وتترك للفاعلين سبل تطويع الممارسة.