قال خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام) المغربي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن هناك تنظيما قانونيا متجاوزا، ليس واردا العمل به في المغرب، هو التنظيم القانوني الذي يضيق على الحريات، مشيرا إلى أن السلطات العمومية مقتنعة تمام الاقتناع بأنه ليس هناك أفق جدي في مجال الإعلام غير أفق ممارسة ديمقراطية رفيعة المستوى. وكشف الناصري، في حديث خص به «الشرق الأوسط» في الرباط، أنه «لا نية لدينا لتقليص هوامش حرية الإعلاميين، والإعلام بصفة عامة»، وقال: «نحن مرتاحون وضميرنا مرتاح وقناعتنا الديمقراطية واضحة وضوح الشمس في النهار». وقال الناصري، وهو عضو قيادي في حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا): «ما دمت موجودا في وزارة الاتصال سأتصدى لكل من يريد أن يمس مصداقية بلادنا»، مشددا على حرصه الشديد على توفير كل هوامش الممارسة الحرة والديمقراطية. وقال الناصري إن الوزارة منفتحة على القنوات التلفزيونية الأجنبية وليست هناك قناة واحدة يمكنها أن تدعي «أننا نضيق عليها»، مشيرا إلى أنه إذا كان «حسن النية» أمرا متقاسما بين المؤسسات الإعلامية الأجنبية والمغرب «نقول: أهلا وسهلا، وإذا كان حسن النية فقط من عندنا فنحن لسنا ساذجين». وذكر الناصري أن بعض وسائل الإعلام الأجنبية، التي كانت سباقة إلى تلقين الدروس للمغرب في مجال حقوق الإنسان أصيبت بالصمم، ولم تكتب سطرا واحدا عما يحدث لمواطن كانت له الشجاعة السياسية النادرة ليقول إنه غير متفق مع جماعة البوليساريو، في إشارة إلى المنشق الصحراوي مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، المفتش العام لشرطة جبهة البوليساريو، الذي اعتقلته ميليشيات الجبهة عقب عودته إلى مخيمات تندوف في الجزائر، جراء إعلانه دعمه مشروع الحكم الذاتي الموسع للصحراء الذي قدمه المغرب. وانتقد الناصري بعض الصحافيين الأجانب العاملين في المغرب، وقال إن الكثير منهم ليسوا صحافيين بكل مواصفات الكلمة، بل هم ناشطون سياسيون لهم أجندة معينة. قبل أن يضيف: «أعتقد أنهم فضحوا أنفسهم بأنفسهم». ووصف الناصري الحقل الإعلامي المغربي بأنه يشتمل على عناصر تبعث على التفاؤل، في الوقت الذي يشتمل فيه أيضا على أخرى تبعث على التشاؤم. وقال: «ننتظر أن يفضي الحوار الوطني حول الإعلام، الذي تم تدبيره خلال الشهور الأخيرة، إلى خلاصات إيجابية نتمنى أن تكون في مستوى التطلعات، وتعطي شحنة إضافية للممارسة الإعلامية الديمقراطية الناضجة». وفي ما يلي نص الحوار: * المغرب الآن على أبواب دخول «موسم» سياسي جديد، ماذا ستقدمون لهذا الدخول على صعيد وزارتكم المشرفة على القطاع الإعلامي؟ - سنقدم استمرار المقاربة الإيجابية والبناءة، التي اشتغلنا بها منذ البدء، في التعامل مع قضايا الإعلام باعتباره أضحى اليوم الفضاء الطبيعي الذي تفرغ فيه كل الصراعات، وأفضل وسيلة للتعامل مع القضايا الخلافية التي تطرح في أي مجتمع يكون فيه التأطير الديمقراطي هو الأنجع. ونحن مرتاحون تمام الارتياح لقناعاتنا ديمقراطية، و لا أعتقد أن هناك عاقلا يمكن أن يشكك فيها، وبالتالي فإن الرغبة في بناء الحقل الإعلامي الديمقراطي المتطور والناضج على أنقاض ممارسات الماضي يقتضي مجهودا صادقا من لدن مختلف الفرقاء؛ الدولة مجسدة في الحكومة، والمهنيون الذين يشكلون جسما صحافيا يتسع لكل المشارب والأفكار، بيد أن الهدف الأساسي يظل هو: هل هناك رغبة لبناء شراكة جدية؟ نحن في الحكومة نؤكد مرة أخرى على رغبتنا في ذلك، وننتظر أن يفضي الحوار الوطني حول الإعلام، الذي تم تدبيره خلال الشهور الأخيرة، إلى خلاصات إيجابية نتمنى أن تكون في مستوى التطلعات، وتعطي شحنة إضافية للممارسة الإعلامية الديمقراطية الناضجة. * ما هو دور الوزارة في هذا الحوار في ظل الحديث عن خصخصته؟ - أنا أتحفظ على هذه المقولة التي سمعتها، ولكنني أعتقد أنها لا تقوم على أساس. لأن الحوار يضم جميع الفرقاء؛ يضم المهنيين والمؤسسات النقابية التي تمثلهم والسلطات العمومية من حكومة وسلطة تشريعية ومجتمع مدني، بمعنى أنه كان حوارا وطنيا واسعا جدا تم تدبيره بكيفية منفتحة وحرة، أي أنها كانت مستقلة عن كل المرجعيات، مستقلة عن المرجعية الحكومية، مستقلة عن المرجعية الإعلامية المهنية، ومستقلة أيضا عن المرجعية التشريعية، وهنا تكمن مصداقية هذا النقاش. وأنا أعتقد أن هذا الحوار كانت له مصداقيته الناجمة عن كون كل الفرقاء وجدوا أنفسهم فيه دون أن يسعوا إلى التأثير عليه في هذا الاتجاه أو ذاك. ونحن في وزارة الاتصال، على كل حال، أكدنا على ذلك، وكنا ننادي بهذا الحوار قبل أن يتم الشروع فيه، وأحمد الله تعالى أن الشروط نضجت لينظم هذا الحوار، ولكن في الوقت نفسه أقول إن وزارة الاتصال ليست هي التي دبرت هذا الحوار، وهو ما يسمح لنا - كوزارة - بأن ندلي بدلونا فيه، ونعبر عن آرائنا التي قد يكون فيها نوع من الاختلاف أو التباين، ولو نسبي، مع هذه الجهة أو تلك، لكن ما يهمني هنا هو أن الحوار كان متنفسا لتفريغ الكثير من المقاربات من أجل الوصول إلى خلاصات متوافق عليها. * هل أنتم متفائلون بنتائج هذا الحوار، خصوصا أنه قطع أشواطا كبيرة في بحث قضايا المشهد الإعلامي، لا سيما أننا نجد الساحة الإعلامية ما زالت تعج بالكثير من المشكلات سواء بين الدولة وبعض المنابر المستقلة، وبين الصحافيين أنفسهم؟ - هذا السؤال يضع النقاط على الحروف، ويصيب في الصميم الإشكالية المعقدة التي تختزل مجموعة من المتناقضات، ذلك أن الحقل الإعلامي يشتمل على عناصر تبعث على التفاؤل في الوقت الذي يشتمل فيه أيضا على عناصر تبعث على التشاؤم. والعناصر التي تبعث على التفاؤل تكمن في أن السلطات العمومية مقتنعة تمام الاقتناع بأنه ليس هناك أفق جدي في هذا المجال غير أفق الممارسة الديمقراطية رفيعة المستوى وفق الضوابط الديمقراطية العالمية، وهذه قناعتنا في المغرب، وهي نفس القناعة التي برهنت عليها الحكومة أكثر من مرة. وهناك عنصر ثان يبعث على التفاؤل؛ هو أن الجسم الصحافي يضم بين مكوناته عددا من المنابر والشخصيات المحترمة التي تؤمن بفضيلة الحوار وتؤمن بالرسالة الرصينة للأعلام، وهناك عنصر ثالث يحثنا على التفاؤل، هو أن المؤسسات المهنية والنقابية الممثلة للجسم الصحافي تضم من بين أعضائها أشخاصا مشهود لهم برصانتهم وجديتهم ومصداقيتهم. فهذه كلها عناصر تبعث على التفاؤل، لكن هناك عناصر تبعث على التشاؤم، وقد أشرت إلى بعضها - ولو بالتلميح - في سؤالك، وتتعلق بكون الجسم الصحافي يضم بين أحشائه عناصر لا علاقة لها لا بالفضيلة الإعلامية، ولا بالروح الديمقراطية، ولا بمستلزمات المسؤولية السياسية والإعلامية، وأحمد الله تعالى على أنهم يشكلون أقلية، حتى وإن كانوا أقلية تسيء إلى الجسم الصحافي، وتسيء إلى الممارسات الإعلامية في المغرب، وتسيء أيضا إلى البناء الديمقراطي، لكن قيل - والله أعلم - إن ذلك هو ثمن البناء الديمقراطي، وبالتالي أعتبر أن هذا يفرض علينا حدا أدنى من الصرامة الأخلاقية في التعامل مع مثل هذه القضايا دون اللجوء - بطبيعة الحال - إلى المقاربة القمعية التي أضحت مقاربة متجاوزة، لكننا نظل في حاجة إلى مقاربة بيداغوجية (تربوية) تجعل ناقصي النضج يفهمون أنهم يمتلكون أداة من مستوى عال جدا لا يجوز اللعب بها كيفما كان الأمر، وبالتالي أعتقد أن المسار سيكون معقدا إلى حد ما، لأن التلاقي بين هذين العنصرين ليس تلاقيا بسيطا، الشيء الذي يفرض علينا مجهودا تفسيريا كبيرا يجعل خطابنا، وخطابي أنا بالدرجة الأولى، مفهوما. أنا أجد بعض الصعوبة في أن أبلغ رسالتي بكل صدق وبكل ارتياح. فما هي رسالتي؟ رسالتي هي القول إن إشكالية الصحافة اليوم في المغرب قبل أن تكون إشكالية قانونية هي إشكالية أخلاقية. وهذا لا يعني أن أي تنظيم قانوني مرحب به. فهناك تنظيم قانوني متجاوز وغير وارد العمل به في المغرب، وهو التنظيم القانوني الذي يضيق على الحريات، فهذا أمر محسوم، وما دمنا بطبيعة الحال في نطاق ضوابط قانونية ديمقراطية تضمن الحرية الإعلامية، فإن السؤال البسيط المطروح يظل هو: هل الجزء المكمل للحرية الإعلامية أي الأخلاق حاضر بنفس القوة لدى الفاعلين في هذا المجال؟ وأنا أقول بكل صراحة، وأتحمل المسؤولية، حتى وإن كان تصريحي هنا سيثير غضب البعض، إن كثيرين لم يفهموا بعد ما هو مطروح عليهم من مسؤوليات، وعلينا أن نكثف الجهود في هذا المجال. وأؤكد مرة أخرى أنني أمد يدي إلى الذين يريدون أن يمدوا أيديهم إلى لنعمل معا، ونبني شراكة جدية لكنني لا أمد يدي للذين يريدون الانقضاض على الحريات الديمقراطية، وعلى البناء الديمقراطي في المغرب، والذين يتاجرون بحرية الإعلام من أجل أغراض انتهازية محضة. فهؤلاء موجودون، وأعتقد أن استمرارهم في الإساءة إلى بلادهم هو تصرف غير وطني. * إذن أفهم من كلامك أن أزمة الصحافة في المغرب هي أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة نظم قانونية؟ - بالضبط.. فما قلته يختصر بدقة حقيقة الوضع. الأزمة في المغرب هي أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة تنظيمية وقانونية. ولا يجب أن ننسى أن القانون المعمول به حاليا، الذي يجب أن نعمل على تنقيحه في بعض جوانبه، هو قانون تمت المصادقة عليه بالإجماع من البرلمانيين قبل 8 سنوات أي أنه لا يرجع إلى ما قبل التاريخ، بل هو جزء من تاريخنا الحديث. * وأين وصل الآن قانون الصحافة والنشر الجديد؟ - القانون المعمول به الآن هو القانون الصادر عام 2002، وهناك نقاش لتنقيحه، وأنا عبرت مرارا وتكرارا، بصفتي وزيرا وصيا على هذا القطاع، عن استعدادي لأعمل يدا في يد مع كل من يريد أن يشتغل بكيفية جدية من أجل إدخال الإصلاحات اللازمة على القانون في نطاق توافق متقدم، بيد أنه في الظرفية الحالية لا يمكنني أن أستبق الأحداث، وأجهض الحوار الوطني وخلاصاته، من خلال تحريك مسطرة إصلاح القانون قبل صدور الكتاب الأبيض، الذي سيتمخض عن إشغال الحوار الوطني، وبالتالي لا يمكن أن يواجهني أي أحد بالقول إنني أعمل على التسويف والإطالة إلى ما لا نهاية. وأشدد القول على أنه انطلاقا من المرجعية الأخلاقية التي تحركني لا أسمح لنفسي بأن أتجاوز خلاصات الحوار الوطني التي أنتظرها، وأنتظر أن يخرج عنها أهم شيء يكمن أولا في الوصول إلى توافقات متقدمة لا توافقات هشة تعود بنا إلى الوراء، وثانيا، أن يكون الهاجس الديمقراطي والتحرري والأخلاقي حاضرا. وبالتالي فإن هذه المرجعية الثلاثية إذا ما توفرت، واقتنع بها الجميع، ستمكننا من أن نطوي الأشواط تلو الأشواط بكل هدوء وبكل ثقة في النفس. * في سياق الحديث عن مشروع القانون الجديد للصحافة والنشر كانت بعض الأصوات قد ارتفعت داخل دائرة القرار السياسي مطالبة بتعويضه بقانون العقوبات مثلما هو متعارف عليه في عدد من الدول الغربية مثل بريطانيا، أي تعويضه بالقانون الجنائي. فكيف تنظرون إلى مسألة تعويض هذا القانون بذاك؟ - هذا نقاش مطروح في الساحة، وله أبعاد متعددة، أبعاد ثلاثية: أخلاقية، وقانونية، وسياسية، لكن البعد القانوني يظل هو الأقوى، في اعتقادي، لأن هناك مدارس فقهية متنوعة. هناك المدرسة الأنغلو *** ونية، وهناك المدرسة الفرنسية ذات الجذور الرومانية. والثقافة القانونية في المغرب هي أكثر ميلا وأقرب إلى الثقافة الفرنسية - الرومانية منها إلى الثقافة الأنغلو *** ونية، الشيء الذي يفسر نوعا من الميل الطبيعي إلى شيء من الإفراط والإكثار من الضوابط القانونية خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة للمدرسة الأنغلو *** ونية، وذلك ما يفسر إفراد قانون خاص بالإعلام، وهناك من يعتبر أنه يمكن الاستغناء عنه ما دام أن المبدأ هو الحرية، ومن يقم بخرق ضوابط القانون الجنائي، سواء كان مواطنا عاديا أو صحافيا، يطبق عليه القانون العام. فهذه مقاربة. وهذا نقاش ما زلنا لم نخضه بكيفية مؤسساتية في المغرب. وباب الفرضيات يبقى مفتوحا، لكنني أعتقد أننا في كل الحالات سنظل أقرب إلى المقاربات الكلاسيكية التي سرنا عليها في النظام القانوني المغربي، أي مقاربة إفراد قانون خاص، أي أن قانون 2002 قد يعوض بقانون آخر يقوم بضبط دقيق لكل القضايا المتعلقة بتنظيم الحقل الإعلامي في المغرب. * ننتقل إلى القطب العمومي، فهناك انتقادات قوية له، وأنت كوزير وصي على هذا القطاع كيف تتعامل مع هذه الانتقادات؟ - أتعامل معها بجدية، بطبيعة الحال، لأن كل الانتقادات عندما تكون مبنية على منطلقات جدية يجب أخذها مأخذ جد، ولكني أتعامل مع البعض منها في الوقت نفسه بنوع من الترفع كذلك، لأن الكثير من الانتقادات الموجهة للقطب العمومي التلفزيوني بالدرجة الأولى مبالغ فيها، وتقوم على نوع من التشفي الذي ليس هناك ما يبرره، والتشفي، كما يعلم الجميع، لا يقدم خدمة لتصحيح ما يجب تصحيحه. أنا كوزير وصي على القطاع أسمح لنفسي بالقول أولا، إن الكمال لله، وثانيا، إن منتوج القطب التلفزيوني العمومي معرض لأن توجه له انتقادات تصحيحية في هذه المحطة أو تلك. لكن أن يتحول النقد إلى نوع من التحطيم المنهجي انطلاقا من الإعلان عن مقاربات تبخيسية، والنيل من كرامة المشرفين على هذا القطاع وكرامة المنتجين والفنانين وغيرهم.. فهذا أمر لا يمكنني أن أقبله. ذلك أنني قرأت أشياء فظيعة كتبت في حق الإنتاج التلفزيوني، خصوصا خلال شهر رمضان الأخير، ومع ذلك أحافظ على رباطة الجأش لدي، لأن الأمر أضحى رياضة وطنية كل سنة. لقد شكل موسم رمضان، منذ أكثر من 30 سنة، موسم هروب إلى الأمام في المنابر الإعلامية، وأصبحت البرامج التلفزيونية المحور الأساسي الذي تركز عليه الصحف، وأعتقد أن ذلك يشكل نوعا من الاستهتار بالمشاهد، لأن الموضوع ما كان يستحق أن يتم التعامل معه بهذا التهويل، وبدا الأمر وكأننا أمام كارثة وطنية. في حين أن هناك مجهودا كبيرا تبذله وسائل الإعلام العمومية، وأتحمل المسؤولية وأقول إن هذا المجهود ما زال بالإمكان تطويره والذهاب به أبعد مما وصل إليه حتى الساعة. * حسب الأرقام التي تنشرها مؤسسة «ميديا متري» لقياس المشاهدة، يلاحظ أن نسبة متابعة المغاربة لقنواتهم العمومية آخذة في التراجع مقابل الانفتاح على القنوات الأجنبية. ما تعليقكم على ذلك؟ - إن الحديث عن هذا الموضوع بهذه الصيغة إنما هو التفاف على الحقيقة في شموليتها، بل هو اكتفاء بنصف الحقيقة، وإخفاء متعمد للنصف الثاني، لأن هذا الكلام يقال، وأعرف أنه يقال باستمرار وقد وصل إلى أعمدة الصحف بل إلى قبة البرلمان أيضا، وذلك أمر طبيعي، لأن البرلمانيين يقومون بمساءلة السلطات العمومية في هذا المجال، لكنني لاحظت، في كثير من الحالات، أن المعلومات التي تقدم حتى للبرلمانيين هي معلومات مبتورة، وبالتالي فإن نصف الحقيقة الضائع الذي يتم إخفاؤه بكيفية منهجية عن الرأي العام، يكمن في أننا اليوم نعيش عصرا يستحيل فيه على المؤسسات التلفزيونية الوطنية أن تدعي لنفسها القدرة على استقطاب مائة في المائة من المشاهدين، ولا حتى 90 ولا 80 ولا 50 في المائة. لقد انتهى العهد الذي كان بإمكان قناة واحدة أن تحظى بمائة في المائة من المشاهدين. والحقيقة الأساسية التي يتم اليوم إخفاؤها عن المواطنين، والتي - مع الأسف - يتعامل معها الكثير من الإعلاميين بكثير من الاستخفاف، هي أن القناة التلفزيونية «الأولى» التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون إلى جانب القنوات التلفزيونية الأخرى المواكبة لها، بالإضافة إلى القناة الثانية «دوزيم»، تصل نسبة مشاهدة أهم برامجها جميعا إلى نحو 45 في المائة، وفي بعض الحالات تصل إلى 50 في المائة، وهي من أعلى نسب المشاهدة للقنوات الوطنية في العالم. اليوم ما يتم إخفاؤه عن المواطنين هو أن هناك منافسة قوية بين القناة «الأولى» وباقي قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون بالإضافة إلى قناة «دوزيم»، وقناة «ميدي1 سات»، مع ما يناهز 600 قناة تلفزيونية عربية، تتنافس على المشاهد المغربي كما تتنافس على المشاهدين العرب عبر 22 دولة عربية. فهل هناك عاقل يمكن أن يتصور أنه رغم هذه المنافسة الشرسة وتنوع العرض المقدم أمام المشاهد المغربي سيظل هذا الأخير مشدودا أمام قنواته التلفزيونية مهما بلغت من عبقرية. هذا أمر لا يصدقه العقل، وبالتالي يجب التعامل مع هذا الموضوع بكثير من الراحة والهدوء والسكينة وبكثير من الموضوعية دون تهويل، ودون تبخيس، ودون جلد للذات، ودون محاولة للتيئيس وإبلاغ صورة من التشفي في المنتوج الوطني. ولذا يجب تحسين ما يجب تحسينه، لكن نسب المشاهدة قوية جدا، والمغاربة - خلافا لما يقال - ليسوا في خصومة مع قنواتهم التلفزيونية. * على ذكر قناة «ميدي1 سات» أشرفت وزارتكم على إعداد دفتر تحولات خاص بهذه القناة بعد تحولها من قناة خاصة إلى قناة عمومية تملك الدولة أغلب أسهمها. فما هي ظروف هذا التحول الذي طال ملكية هذه القناة؟ - الأمر يتعلق بإجراء عادي بالنسبة لأصحاب رأس المال الذين يملكون القناة، وما دامت نسبة مشاركة المؤسسات التابعة للدولة تجاوزت الأغلبية، أي أكثر من 50 في المائة، وجدنا أنفسنا أمام واقع بسيط جدا، هو أن الأمر يتعلق بقناة صار معظم رأسمالها مملوكا للدولة، وبالتالي هي قناة عمومية. وأعتقد أن هذه القناة ستقدم قيمة مضافة للمشهد الإعلامي التلفزيوني المغربي بنكهتها الخاصة، ونوعيتها المتميزة في التعامل مع الشأن الإعلامي، وقريبا ستتحول إلى بث أرضي، وستدخل تغييرا جزئيا على نوعية برامجها، بيد أنها ستظل، طبيعة الحال، مؤسسة قريبة من الاهتمام الإخباري دون أن تكون النزعة الإخبارية مهيمنة، ذلك أن جزءا من البرامج سيخصص للترفيه وللقضايا الثقافية وللبرامج المتنوعة. * ألا تخشون أن تزاحم هذه القناة باقي القنوات العمومية، وخصوصا أنها ستعتمد على الإعلان، وستقتسم معها الكعكة الإعلانية؟ - بطبيعة الحال هذه القناة ستضاف إلى المشهد الإعلامي، وستستفيد بصفة تلقائية من جزء من العائدات الإعلانية. فهذه مسألة طبيعية، لكنني أعتقد أنه ليس من حقنا أن نتصدى للتطور الذي هو سنة التاريخ. وإذا ما اعتبرنا مجيء هذه القناة الجديدة عنصرا جديدا، وقيمة مضافة للمشهد الإعلامي المسموع والمرئي المغربي، يجب أن نقتنع أيضا بأنها قد تخلق نوعا من المنافسة والمهنية كذلك، إنني أنظر إلى ذلك نظرة متفائلة وإيجابية؛ فالواقع الذي كان يفرض علينا قناة واحدة تم تجاوزه اليوم. * أطلقت وزارتكم مناقصة عمومية لإعداد دراسة تشخيصية حول وضعية الصحافة المكتوبة وسبل النهوض بها، وهي دراسة بدأت قبل شهور. فهل وصلتم إلى خلاصات معنية بهذا الشأن من خلالها؟ - ما دامت الدراسة لم تنته بعد، ونعتقد أن التعامل مع الموضوع يستلزم حدا أدنى من الجدية حتى نصل إلى الخلاصة الأساسية التي نريد الوصول إليها، وهي التشخيص الموضوعي البعيد عن كل المزايدات التي قد يكون عنوانها إما الرضا عن النفس أو جلد الذات. نحن رافضون للرضا عن النفس ورافضون أيضا لجلد الذات. نريد معرفة حقيقة الوضع. لنا تصورات أولية لكننا نريد من الدراسة العلمية أن تؤكد، أو ربما تنفي، ما نتصوره، لكننا نعتبر أن الخلاصات العلمية ستؤكد أن طروحاتنا الأولى كانت في محلها، وهي بالأساس أن عقد البرنامج الذي تم إبرامه سنة 2005 بين الدولة والمهنيين لم يتم إعماله بالصرامة اللازمة، خصوصا من لدن بعض المهنيين، بل هناك مآخذ من لدن المهنيين أنفسهم على بعض المؤسسات الإعلامية والصحافية يقوم على انتقاد نوع من التقصير في الاضطلاع بالالتزامات المنوطة بتلك المؤسسات الإعلامية. إننا نريد بلورة عقد برنامج جديد بحيث لا يكون مجرد نسخة طبق الأصل للبرنامج القديم الذي انتهت مدة صلاحيته (2005 - 2009). ما زلنا نعمل وفق آفاق عقد البرنامج الأول ولكننا نريد عقد برنامج جديد، وهذه الدراسة هي التي ستقول لنا أين هي مكامن الخلل، وما هي المواقع التي يجب أن نركز فيها على العلاجات من أجل تحسين المنتوج الإعلامي المغربي؟ * اتخذتم بعض الإجراءات الحازمة إزاء فرق التصوير التابعة للقنوات الأجنبية وبعض مراسليها المعتمدين لدى المغرب، وبررتم ذلك بضرورة صيانة صورة البلد من التلاعب بها عبر تقارير إخبارية أو إنتاجات تلفزيونية تنزع نحو الإثارة وتضخيم السلبيات، وتقديم صورة غير أمينة وموضوعية، بينما يرى البعض أن من شأن هذه الإجراءات أن تقلص من هوامش حرية الصحافة. ما رأيكم في ذلك؟ - ما دامت نيتنا ليست هي تقليص هوامش حرية الإعلاميين والإعلام بصفة عامة، فنحن مرتاحون وضميرنا مرتاح، وقناعتنا الديمقراطية واضحة وضوح الشمس في النهار، وقد أعطينا الحجج تلو الحجج في هذا المجال ولسنا في حاجة إلى الاستمرار في الإعراب عن حسن نيتنا في هذا الموضوع. المشكلة تكمن في أن الكثير ممن تعاملوا معنا مستغلين انفتاحنا الديمقراطي لم يكونوا يتحركون بنفس حسن النية الذي تعاملنا به معهم. نحن منفتحون على القنوات التلفزيونية، وليست هناك قناة تلفزيونية أجنبية واحدة يمكنها أن تدعي أننا نضيق عليها، فهذا كلام فارغ، لأن الأمر لا يتعلق بمنع التصوير، كما تقول بعض شركات التصوير، وإنما يتعلق بضرورة إخبار الوزارة حتى نعطيها رخصة التصوير، والحالات القليلة التي يكون فيها نوع من التحفظ هو عندما يكون واضحا من خلال المعلومات التي تقدم لنا أن الهدف هو الإثارة والبحث عن بعض المشكلات المفتعلة، وذلك من حقنا، لأننا في الوقت الذي نستقبل فيه بالأحضان وسائل الإعلام الدولية، لا نسمح لها - مثلنا مثل أي دولة ديمقراطية في العالم - بأن تدخل إلى عقر دارنا، وأن تطعننا من الخلف. وأنا أتحمل المسؤولية في هذا المجال وأقول إن هذا لا يمكن أن يقع، وما دمت موجودا في هذه الوزارة، فسأتصدى لكل من يريد أن يمس بمصداقية بلادنا في هذا المجال مع الحرص الشديد على توفير كل هوامش الممارسة الحرة والديمقراطية، وفي الوقت الذي أقول هذا الكلام أؤكد مجددا أن الهدف ليس هو التضييق على هذه المؤسسات الإعلامية، وإنما التنظيم العادي للحريات الممنوحة للصحافة الأجنبية المعتمدة، لذا فنحن مستعدون لإعادة النظر في تعاملنا مع هذه المؤسسات الإعلامية، نريد أن نتعامل على قدم المساواة، فحسن النية المغربي يجب أن يقابله حسن نية من لدن شركات الإعلام الأجنبية، لكن لا يمكن أن نجعل تقابلا منطقيا طبيعيا بين حسن النية المغربي وسوء النية في الاتجاه الآخر. فإذا كان حسن النية أمرا متقاسما نقول: «أهلا وسهلا»، وإذا كان حسن النية فقط من الجهة المغربية فنحن لسنا ساذجين. * ثمة مفارقة أشارت إليها وسائل الإعلام المغربية مؤخرا تتعلق بكيل منابر إعلامية أجنبية بمكيالين إزاء تعاملها مع الأخبار المتعلقة بنزاع الصحراء، وتم الحديث عن «الكتيبة الإعلامية الإسبانية» المعتمدة في الرباط التي غابت عن تغطية المؤتمر الصحافي للمفتش العام لشرطة جبهة البوليساريو في مدينة السمارة الذي أعلن فيه تأييده مشروع الحكم الذاتي في الصحراء، بينما كانت في حالة تأهب قصوى أيام أزمة الناشطة الصحراوية أميناتو حيدر. هل لديكم مقاربة معينة للتعامل مع مثل هذه المفارقات؟ - هذا بالضبط عنوان لسوء النية الذي أشرت إليه في معرض إجابتي عن سؤالكم السابق. نلاحظ فعلا أن هدف بعض وسائل الإعلام التابعة لهذه الدولة أو تلك ليس هو المتابعة الموضوعية للقضايا المطروحة بكل حرية، وإنما البحث عما من شأنه أن يسيء إلى المغرب، وأنا كوزير للاتصال والإعلام في هذه البلاد لا يمكنني إلا أن أستهجن هذا الأسلوب الرخيص لأنه بعيد كل البعد عن أخلاقية المهنة الإعلامية. فعلا لاحظنا بكثير من الاستغراب أن بعض وسائل الإعلام التي كانت سباقة إلى تلقين الدروس للمغرب باعتباره بلدا لا يحترم حقوق الإنسان، وأن تلك الناشطة الصحراوية المسكينة ذهبت وجعلت أوروبا تتباكى على مصيرها في مطار جزر الخالدات إلى آخره. إنني أتساءل كيف أن هذه الوسائل الإعلامية أصيبت بالصمم ولم يعد بإمكانها أن تكتب ولو سطرا واحدا عما يحدث لمواطن كانت له الشجاعة السياسية النادرة ليقول إنه غير متفق مع جماعة البوليساريو المتسلطة على رقاب 90 ألفا من المحتجزين في مخيمات تندوف في جنوب غربي الجزائر. وكيف يمكنهم أن يبرروا مهنيا وسياسيا وأخلاقيا إمساكهم عن الحديث في هذه الأمور. وتعليقي على ذلك هو أن الكثير من الصحافيين الأجانب ليسوا صحافيين بكل مواصفات الكلمة. هم أولا ناشطون سياسيون لهم أجندة معينة، وأعتقد أنهم فضحوا أنفسهم بأنفسهم. وعلى كل حال أنا لست هنا بصدد إثارة جدل مع أي من كان، لكن ذلك لا يمنعني من القول إنني من الذين ينتظرون أن تعود الأمور إلى نصابها، وأنا من الذين يأخذون على أنفسهم مسؤولية القول بأن المصداقية الصحافية والسياسية ليست بضاعة رخيصة، وإنما هي برهان وحجة يتم الإتيان بهما يوميا. الشرق الأوسط