الالتزام بالزي الشرعي والجمع بين الفن والتأصيل الإسلامي له لم يعد أمرا تحتكره الفنانات المصريات اللاتي عرفت أخبارهن في المشرق والمغرب حتى أصبحن تيارا كبيرا، لم يعد ذلك خاصا بأهل المشرق، ولكن فنانات المغرب أيضا التحقن بمركب نور الصحوة الإسلامية، وتغلبت الفطرة فيهن على غزوات التغريب والتهريب العلماني. وهاهي الفنانة جهاد غوالمي التي عرفها المشاهدون المغاربة في الجزء الأول من مسلسل "من دار لدار" ومسلسل "الساس" وبرنامج الكاميرا الخفية وأفلام أخرى، هاهي تجاهد الهوى والضعف، وتقرر الالتزام باللباس الشرعي في يونيو 2002. جهاد غوالمي لا تخفي أن الداعية المقتدر عمرو خالد كان سببا في هذا المنعطف الجميل والمراجعة العاقلة. كما تتمنى من الفنانات المغربيات توجيه فنهن لخدمة المجتمع المغربي. جهاد غوالمي من مواليد القنيطرة، حاصلة على دبلوم المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط. تعمل الآن مدرسة لمادة المسرح بمدرسة التقدم الابتدائية بالقنيطرة. بعد مرور ما يناهز سنة على ارتدائها للحجاب، التقت >التجديد< بالفنانة القديرة، جهاد غوالمي فخصتها بالحوار التالي: في البداية نرحب بالفنانة جهاد غوالمي، ونبارك لها ارتداءها للحجاب الشرعي، فما هي الأسباب الكامنة وراء ارتدائك للحجاب؟ بسم الله الرحمان الرحيم، بداية أشكر جريدة "التجديد" على هذه الالتفاتة الطيبة، ارتدائي للحجاب هو استجابة لنداء الله تعالى الذي دعا المؤمنات في غير ما آية إلى التستر وعدم الكشف عن المفاتن، والحجاب جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة الشاملة التي تسمى بالتكاليف الشرعية. فكما أن الله تعالى حث على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان... فكذلك دعا المرأة باعتبارها كائنا مكلفا إلى ارتداء الحجاب وعدم الوقوع في التبذل. هل يعني هذا أن ثمة دوافع ذاتية محضة هي التي وراء هذا التحول في حياتك؟ نعم هي دوافع ذاتية صرفة. لأن كلام الله الذي يخاطب به عباده ينبغي العمل بمقتضاه وليس الإعراض عنه. هل تعرضت لردة فعل حينما ارتديت الحجاب؟ من الطبيعي جدا، أن تكون هناك ردة فعل، سواء من المقربين أو من غيرهم. فمنهم من شد على يدي، وبارك لي، وهنأني، وشجعني على المضي في هذا المسار، وهم الأكثرية، وهؤلاء هم الذين أوليهم اهتمامي. وهناك من تأسف، واعتبر ذلك خسارة خاصة للفن، وهؤلاء فلا أكترث بمواقفهم. ولهؤلاء أقول: إن الحجاب لا يعتبر انطواء أو انكماشا على النفس. أو الاستفراد بأفكار غريبة ما أنزل الله بها من سلطان. لكنه انخراط بوعي وإيجابية في المجتمع وأداء للرسالة الملقاة على كاهلنا. وإصلاح له سواء من خلال القيام بأدوار فنية شريفة أو من خلال المجالات الأخرى. وإنني أنتهز هذه المناسبة لأذكر بما قاله الأستاذ عمرو خالد، إن المرأة التي تحترم نفسها، وتريد أن تحفظ عفتها هي المرأة التي تستجيب لنداء ربها. ولا أخفيكم، أنني تأثرت غاية التأثر بالأستاذ، وقد تركت دروسه القيمة وقعا قويا على مشاعري ودفعتني إلى مراجعة سلوكاتي وحياتي. على ذكر الأستاذ عمرو خالد الذي أصبح يتمتع بصيت عالمي، ونجح خطابه في اختراق جهات عديدة، ومن أهم المواقع التي امتد إليها خطابه عالم الفنانات. فهل ستتصدر الفنانة جهاد قافلة الفنانات بالمغرب. رغم أن فكرة أن أتصدر قافلة الفنانات المحجبات بالمغرب لم تدر بخلدي، ولو أنها كانت حاضرة بصورة أو بأخرى، إلا أنني أتمنى لأخواتي الفنانات أن يقتفين أثري. أما تأثير كثير من الفنانات المصريات بالداعية عمرو خالد، فالواقع أنه لا مجال للمقارنة بيننا وبين أخواتنا الفنانات بمصر العظيمة لكنني أقول: إنني قرأت بعض الحوارات خاصة للفنانة صابرين، فكان لهذا الحوار دوره في تعزيز كثير من القناعات الذاتية والأفكار الشخصية. ما هو موقف الوسط الفني من ارتدائك للحجاب، خاصة وأنك تتعاملين مع مجموعة من الفنانين الشباب؟ الواقع أنني منذ أن ارتديت الحجاب (كان ذلك في يونيو الماضي) لم يكن احتكاكي قويا مع الوسط الفني. رغم أن جسر التواصل ما زال قائما ومستقرا. ولا أخفيك أن أغلبهم تأسف وتحسر لأن ارتدائي للحجاب كان مفاجئا لهم، رغم أن أدواري التي شخصتها في جميع المسلسلات والأفلام (الجزء الأول من "من دار لدار" "الطريق المجهول" "الساس" "الكاميرا الخفية" "هواجس بعد منتصف الليل" "ابن الثلج") كانت نظيفة وكنت راضية عليها وهذا ما يبررون به أسفهم. وقد أكدت لهم أن الحجاب لن يكون حائلا دون أن أواصل مشواري الفني لكن شريطة أن تكون أدواري متناسبة مع شكلي الحالي، وأن يكون الموضوع هادفا. لأن الحجاب ارتديته بعد قناعة راسخة، ولا أستطيع أن أتنازل عن قناعتي. عفوا، أقاطعها: المقصود من السؤال أن هناك من تكلف الربط بين الحجاب الذي أصبح كثير الانتشار في وسط الفنانات وبعض الأيادي الخفية. بالقطع لا، وأصارحك أن الأمر ببساطة استجابة لنداء الله عز وجل الذي خاطب المرأة في سورة النور وفي غيرها من السور. هل لك رغبة في مقاطعة عالم الفن أم أنك ستواصلين مشوارك الفني بفرض قناعتك ومواقفك؟ الفن ليس حراما هو أشبه ما يكون بالكأس. والعرب تقول: >كل إناء يرشح بما فيه< ولذلك قد يصير الفن حراما إذا تحول عن أهدافه النبيلة. أما إذا ظل محافظا على دوره الإصلاحي والتوعوي، فإنه ولاشك يكون حلالا. فهناك مسلسلات وأفلام دينية، وأفكار هادفة حتى وإن لم تتطرق إلى الجانب الديني، فهذه المجالات قد تسمح لي بإبراز كفاءتي المهنية، رغم أن هذا النوع من الإبداعات الفنية ضئيلة جدا بالمغرب. هل تعرضت لإغراءات بعد ارتدائك للحجاب استدراجا لك لإزالته أو التراجع عن قناعتك؟ لم يحصل هذا، وحتى إن تعرضت لهذه الإغراءات فأنا واثقة من نفسي، وقناعتي راسخة، ونحمد الله أننا بالمغرب نتمتع بقدر كبير من الحرية، حيث يمكن لأي فرد أن يمارس حريته بشرط أن يكون على اقتناع بذلك. هل الفنانة جهاد تملك مشروعا فنيا مستقبليا؟ أرجو من الله تعالى أن يساعدني على إنشاء فرقة مسرحية تشاطرني آرائي وأفكاري وهي تحقيق مسرح هادف. فأرجو أن تتيسر الظروف لأتصل ببعض الفنانات قصد بلورة أعمالنا ومحاولة إخراج هذا الوليد من طور الكمون إلى طور الواقع. كلمة أخيرة أرجو أن توجهيها إلى الوسط الفني؟ أتوجه إلى أخواتي الفنانات خاصة اللواتي يمارسن العمل الفني، وقبل ذلك، فكلمتي ليست دعوة إلى التخلي عن ممارسة الفن، ولكن أدعوهن إلى المساهمة في تطويره نحو فائدة المجتمع، وأن تكون الممارسة هادفة يستفيد منها بلدنا. كما أقول لهن إن الحجاب يأتي بعد إصلاح الذات من الداخل، وتهذيب أخلاقها، والبحث عن أعمال فنية جيدة لا ابتذال فيها، بعد ذلك يأتي التفكير في الحجاب فهو الحلقة الأخيرة. حسن إبراهيم الخليل