سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مجمع الفقه الإسلامي يدعوا في دورته الرابعة عشر بالدوحة إلى:العمل بجدية لإقامة الأسواق الإسلامية المشتركة-ضرورة تقوية مناهج التعليم بالمواد الدينية، ورفض أي تدخل خارجي فيها
عرض على المجلس العلمي لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الاسلامي، في ختام دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بدولة قطر، (51) بحثا تخص: 1- بطاقات المسابقات. 2- حقوق الانسان والعنف الدولي. 3- عقد المقاولة والتعمير: حقيقته، تكييف، صوره. 4- الشركات الحديثة: الشركات القابضة وأحكامها الشرعية. 5- مسؤولية سائق وسائل النقل الجماعية في قتل الخطأ والكفارة. 6- عقود الاذعان. 7- مشكلة المتأخرات في المؤسسات المالية الاسلامية. 8- النظام العالمي الجديد والعولمة والتكتلات الاقليمية واثرها. وبعد مناقشها والتعقيب عليها من طرف العلماء والباحثون من أعضاء المؤتمر، أصدر المجمع ثماني قرارات تضمنت بعض التوصيات، قدمت "التجديد" في عددها 567 تقريرا عن الأربعة الأولى من هذه القرارات، وآخر عن القرارين المتعلقين بالموضوعين الخامس والسابع في العدد 573، واليوم ننشر الحلقة الأخيرة من هذا التقرير. العولمة تدفع لتعميم مفاهيم الحضارة المادية الغربية انتهى مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم 134 -8/14، بشأن النظام العالمي الجديد والعولمة والتكتلات الاقليمية وأثرها، إلى أن المقصود بالعولمة "في شكلها ومظاهرها سهولة الانتقال في السلع والافكار ورفع الحواجز بين الشعوب والامم، بحيث أصبح العالم اشبه ما يكون بقرية كونية صغيرة وذلك نتيجة التقدم التكنولوجي المعاصر، وما تم ابتكاره من صيغ للتعامل الدولي منها: التكتلات الاقليمية الدولية، ومنظمة التجارة العالمية، والشركات العابرة للقارات." وأوضح القرار أن القوى الكبرى ومؤثرات الحضارة الغربية المعاصرة استغلت هذه "الامكانات المتاحة لمصالحها، مما مكنها من السيطرة والهيمنة على كثير من مجالات الحياة الانسانية"، بل أخذت، وفق ما ورد في التقرير، هذه القوى تعمل على قيادة عمليات التقدم التكنولوجي لإيجاد المزيد من الآليات والصيغ التي تمكنها من زيادة قدراتها من ناحية، وزيادة سيطرتها وهيمنتها على آفاق الحياة الإنسانية من ناحية أخرى. وأفاد قرار المجمع أن ما يسمى بالنظام العالمي الجديد "يحرص على مصالح القوى الكبرى ويدفع لتعميم مفاهيم الحضارة المادية الغربية المعاصرة". وبين المجمع أن العولمة تمثل تحديا صارخا للأمة الإسلامية بما تحمله من رسالة إلهية، وما أقامته من حضارة إنسانية راشدة، حققت خير الإنسان وسعادته في كل آفاق الحياة، كما حمل علماء الأمة وساساتها ومفكريها وقادته، في ميادين الحياة السياسية والثقافية والتربوية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، مسؤوليات كبيرة لتحقيق نهضة إسلامية شاملة تدفع الأمة إلى آفاق الازدهار والتقدم. ودعا مجلس مجمع الفقه الاسلامي الدولي في هذا القرار، الذي صودق عليه بالإجماع، إلى تحصين أجيال الأمة ومختلف أبنائها في وجه التحديات التي تفرضها ممارسات العولمة المعاصرة الواقعة تحت التأثير الغربي، مما يتطلب جهودا كبيرة لبناء الشخصية الإسلامية المعاصرة القادرة على مواجهة التحديات عن وعي وبصيرة وعلى أساس من الفهم العميق للإسلام بوسطية واعتدال وتوازن، بحيث تجمع بين العلم والإيمان، وبين الأصالة والمعاصرة، وبين التمسك بالثوابت والانفتاح على انجازات العصر. وشدد المجمع على ضرورة العناية البالغة بمناهج التربية والتعليم خاصة تقوية المواد الدينية، ورفض أي تدخل فيها من القوى الخارجية. كما طالب بالامساك بزمام المبادرة في التعامل مع أدوات العولمة وآلياتها وفق خطط شمولية واعية تخاطب المجتمعات الانسانية المعاصرة، بالطريقة التي تفهم واللغة التي تدرك بعيدا عن الارتجال والسطحية، أو التنظير المحدود القاصر، بما يشمل مجالات الفكر والثقافة والإعلام، ويهدف إلى تحقيق الممارسات الابداعية والانجازات العلمية والاقتصادية التنموية التي تؤمن الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع. الأصالة والمعاصرة في الخطاب الإسلامي وفي ختام هذا القرار، أوصى المجمع انطلاقا من أن الإسلام دين عالمي جاء لخير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة وهو خاتمة الأديان الذي لا يقبل من أحد دين سواه، باستخدام كل الوسائل المتاحة للتعريف بعالمية الإسلام وما يقدمه من حلول لمشكلات البشرية وفق منهج علمي موضوعي، وبضرورة العمل الجاد على إقامة الأسواق الإسلامية المشتركة وتشجيع المشروعات والاستثمارات الاقتصادية المشتركة بين الدول العربية والإسلامية. وأوصى أيضا بالعمل على إعادة صياغة العلاقة بين العالم الإسلامي والنظام الدولي الجديد بما يؤكد استقلالية الدول الإسلامية واحترام سيادتها وخصوصياتها، بهدف المحافظة على الهوية الإسلامية لشعوبها، وبالعمل على تقوية العلاقات بين الشعوب الإسلامية، وتحقيق وحدة الصف الإسلامي في مواجهة سائر التحديات. وأكد المجمع في هذه التوصيات على عنصري الأصالة والمعاصرة في الخطاب الإسلامي، وتطوير أدواته بما يحقق توعية راشدة لأبناء المسلمين، ويقدم المواقف الإسلامية إلى المجتمع الإنساني على أساس رسالة هذا الدين في تحقيق خير الإنسانية وتقدمها، بعيدا عن الغلو والتطرف من ناحية، والتفريط والتحلل من ناحية أخرى. كما حثت التوصيات على ترسيخ مفاهيم الاجتهاد في مؤسسات التعليم الشرعي في الجامعات والكليات والمعاهد، وفي مجالس الإفتاء والمجامع الفقهية، لتكون الأمة قادرة على مواجهة القضايا الحادثة والمشكلات المستجدة، بنظر فقهي عميق وشامل يقدم الحلول القادرة والمعالجات الناجعة. العدل وعدم ظلم المذعِن من شروط صحة عقود الإذعان شرعاً وكان آخر قرار اتخذه المجمع هو القرار رقم 132 (6/14) بشأن عقود الإذعان، حيث عرفها بأنها "مصطلح قانوني غربي حديث لاتفاقيات تحكمها الخصائص والشروط الآتية: أ) تعلُّق العقد بسلع أو منافع يحتاج إليها الناس كافة ولا غنى لهم عنها، كالماء والكهرباء والغاز والهاتف والبريد والنقل العام... إلخ. ب) احتكار - أي سيطرة - الموجب لتلك السلع أو المنافع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً، أو على الأقل سيطرته عليها بشكل يجعل المنافسة فيها محدودة النطاق. ج) انفرادُ الطرف الموجب بوضع تفاصيل العقد وشروطه، دون أن يكون للطرف الآخر حقُ في مناقشتها أو إلغاء شيء منها أو تعديله. د) صدور الإيجاب (العَرّض) موجهاً إلى الجمهور، موحداً في تفاصيله وشروطه، وعلى نحو مستمر". وقال القرار أن "عقد الإذعان" يُبرم بتلاقي وارتباط الإيجاب والقبول الحُكْمين (التقديريين) وهما كلُّ ما يدلُّ عرفاً على تراضي طرفيه وتوافق إرادتيهما على إنشائه، وفقاً للشروط والتفاصيل التي يعرضها الموجب، من غير اشتراط لفظ أو كتابة أو شكل محدّد. ونظراً لاحتمال تحكُم الطرف المسيطر في الأسعار والشروط التي يُمليها في عقود الإذعان، وتعسُّفه الذي يُفضي إلى الإضرار بعموم الناس، فإن مجمع الفقه الإسلامي الدولي يوجب شرعاً خضوع جميع عقود الإذعان لرقابة الدولة ابتداءً (أي قبل طرحها للتعامل بها مع الناس) من أجل إقرار ما هو عادلُ منها، وتعديل أو إلغاء ما فيه ظلمُ بالطرف المذعن وفقاً لما تقضي به العدالةُ شرعاً. تدخل الدولة والقضاء في عقود الإذعان وقسم قرار المجمع عقود الإذعان من الناحية الفقهية إلى قسمين، فصل فيهما تدخل الدولة في عقود الإذعان، فليس للدولة أو للقضاء حقُ التدخل بأي إلغاء أو تعديل، فيما كان الثمنُ فيه عادلاً، ولم تتضمن شروطه ظلماً بالطرف المذعن، فهو صحيح شرعاً، ملزم لطرفيه، وبنى المجمع ذلك على انتفاء الموجب الشرعي للتدخل، إذ الطرف المسيطر للسلعة أو المنفعة باذلُ لها، غير ممتنع عن بيعها لطالبها بالثمن الواجب عليه شرعاً، وهو عوضُ المثل (أو مع غبن يسير، باعتباره معفواً عنه شرعاً، لعسر التحرّز عنه في عقود المعاوضات المالية، وتعارف الناس على التسامح فيه) ولأن مبايعة المضطر ببدل عادل صحيحهُ باتفاق أهل العلم. وأما ما انطوى على ظلم بالطرف المذعن، لأن الثمن فيه غير عادل (أي فيه غبن فاحش) أو تضمن شروطاً تعسفية ضارةً به.. "فهذا يجب تدخل الدولة في شأنه ابتداءً (قبل طرحه للتعامل به) وذلك بالتسعير الجبري العادل، الذي يدفع الظلم والضرر عن الناس المضطرين إلى تلك السلعة أو المنفعة، بتخفيض السعر المتغالي فيه إلى ثمن المثل، أو بإلغاء أو تعديل الشروط الجائرة بما يحقق العدل بين طرفيه"، واستناداً القرار إلى: أ) أنه يجب على الدولة (ولي الأمر) شرعاً دفع ضرر احتكار فرد أو شركة سلعةً أو منفعة ضرورية لعامة الناس، عند امتناعه عن بيعها لهم بالثمن العادل (عِوضَ المثل) بالتسعير الجبري العادل، الذي يكفل رعاية الحقين: حق الناس بدفع الضرر عنهم الناشىء عن تعدي المحتكر في الأسعار أو الشروط، وحقّ المحتكر بإعطائه البدل العادل. ب) أن في هذا التسعير تقديماً للمصلحة العامة - وهي مصلحة الناس المضطرين إلى السلع أو المنافع في أن يشتروها بالثمن العادل - على المصلحة الخاصة، وهي مصلحة المحتكر الظالم بامتناعه عن بيعها لهم إلا بربح فاحش أو شروط جائرة، إذ من الثابت المقرر في القواعد الفقهية أن (المصلحة العامة مقدمةُ على المصلحة الخاصة) وأنه (يُتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام). الوكالات الحصرية للاستيراد ومن قرارات المجلس، أنه يفرق في الوكالات الحصرية للاستيراد بين ثلاث حالات: الأولى: ألا يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة بفئة من الناس إلى المُنْتَج الذي تتعلق به الوكالة الحصرية، نظرًا لكونه من السلع أو المنافع الترفيهية التي يمكن الاستغناء عنها، أو كان هناك ضرورة أو حاجة غير متعيِّنة إليه، لوجود مثيل أو بديل له متوفر في السوق بسعر عادل، فإن من حق الوكيل المستورد أن يبيعه بالثمن الذي يتراضى مع المشتري عليه، وليس للدولة أو للقضاء حق التدخل بالتسعير عليه فيه؛ إذ الأصل في صحة العقود التراضي، وموجبها ما أوجبه العاقدان على أنفسهما به، ولأن اختصاص صاحب الوكالة بالمُنْتَج واحتكاره له (بالمعنى اللغوي للاحتكار) جائز شرعًا، حيث إن من حقه بيع ما يملك بالثمن الذي يرضى به، إذا لم يتضمن ظلماً أو إضراراً بعامة الناس، ولا يجوز التسعير عليه فيه. والثانية: أن يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة متعيِّنة بمتعلٍّق الوكالة الحصرية، وأن يكون الوكيل باذلاً له بثمن عادل، لا يتضمن غبنًا فاحشًا أو تحكمًا ظالمًا، وعندئذ فلا يجوز تدخل الدولة بالتسعير عليه؛ لأن اختصاصه واحتكاره المنتج تصرف مشروع في ملكه، لا ظلم فيه لأحد، ولا إضرار بالناس المحتاجين إليه، فلا يُتعرض له فيه. والثالثة: أن يكون هناك ضرورة أو حاجة عامة أو خاصة متعيِّنة بمتعلّق الوكالة الحصرية، والوكيل ممتنع عن بيعه إلا بغبن فاحش أو بشروط جائرة، ففي هذه الحال يجب على الدولة أن تتدخل لرفع الظلم عن المحتاجين إليه بطريق التسعير الجبري على الوكيل. إعداد : خليل بنشهبة