أصدر المجلس العلمي لمجمع الفقه الإسلامي الدولي،المنبثق عن منظمة المؤتمر الاسلامي، في ختام دورته الرابعة عشرة،المنعقدة بمدينة الدوحة (دولة قطر)، ثماني قرارات تضمنت بعض التوصيات، تخص مجمل الموضوعات المدرجة في جدول الأعمال، بعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حولها، مضافا إليها اقتراح تكوين بعض الندوات لتعميق البحث في عدة أغراض ذات صلة بالموضوعات المعروضة. واستمرت جلسات العمل وعددها ثماني جلسات صباحية ومسائية على مدار ستة أيام (من 8 حتى 11 ذي القعدة 1423 ه الموافق 11 حتى 16 يناير 2003م)، وكانت الموضوعات المدرجة للدراسة كالتالي: 1- بطاقات المسابقات. 2- حقوق الانسان والعنف الدولي. 3- عقد المقاولة والتعمير: حقيقته، تكييف، صوره. 4- الشركات الحديثة: الشركات القابضة وأحكامها الشرعية. 5- مسؤولية سائق وسائل النقل الجماعية في قتل الخطأ والكفارة. 6- عقود الاذعان. 7- مشكلة المتأخرات في المؤسسات المالية الاسلامية. 8- النظام العالمي الجديد والعولمة والتكتلات الاقليمية واثرها. وبلغ عدد الدراسات العلمية الفقهية المقدمة من ثلة من العلماء والفقهاء (51) بحثا. وإثر عرضها، ناقشها المجلس مادة مادة وقام بالتعقيب عليها أصحاب الفضيلة العلماء والباحثون من أعضاء المؤتمر. ونقدم في هذه الحلقة من ركن "فاسألوا أهل الذكر" تقريرا عن الأربعة الأولى من هذه القرارات. تحريم المراهنة بين طرفين فأكثر على نتيجة فعل لغيرهم كان القرار الأول في هذه الدورة هو القرار 127 1/14 المتعلق بشأن بطاقات المسابقات حيث أفتى المجمع بتحريم المسابقات التي يتصاعد فيها مقدار الجائزة أو ينخفض بالخسارة اللاحقة للفوز. بالإضافة إلى تحريم المراهنة بين طرفين فأكثر على نتيجة فعل لغيرهم في أمور مادية أو معنوية، لعموم الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الميسر. فيما أجاز المسابقة بلا عوض في كل أمر لم يرد في تحريمه نص ولم يترتب عليه ترك واجب أو فعل محرم. كما اعتبر المجمع "المسابقة بعوض جائزة اذا توافرت فيها الضوابط الآتية: أ) ان تكون اهداف المسابقة ووسائلها ومجالاتها مشروعة. ب) الا يكون العوض الجائزة فيها من جميع المتسابقين. ج) ان تحقق المسابقة مقصدا من المقاصد المعتبرة شرعا. د) الا يترتب عليها ترك واجب او فعل محرم." وشمل هذا القرار تعريفا للمسابقة على أنها "هي المعاملة التي تقوم على المنافسة بين شخصين فأكثر في تحقيق أمر أو القيام به بعوض جائزة أو بغير عوض جائزة". وجاء في القرار أيضا أن "بطاقات كوبونات المسابقات التي تدخل قيمتها أو جزء منها في مجموعة الجوائز لا تجوز شرعا، لأنها ضرب من ضروب الميسر". واعتبر المجمع أن دفع مبلغ على المكالمات الهاتفية للدخول في المسابقات غير جائز شرعاً إذا كان ذلك المبلغ أو جزء منه يدخل في قيمة الجوائز منعا لأكل اموال الناس بالباطل. وأن تصاعد مقدار الجائزة وانخفاضها بالخسارة اللاحقة للفوز غير جائز شرعاً. وفي المقابل قال القرار بأنه "لا مانع من استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط - دون الاستفادة المالية - عن طريق المسابقات المشروعة شريطة ألا تكون قيمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقين، وألا يكون في الترويج غش أو خداع أو خيانة للمستهلكين". كما أن بطاقات الفنادق وشركات الطيران والمؤسسات التي تمنح نقاطا تجلب منافع مباحة، جائزة إذا كانت مجانية بغير عوض، واما اذا كانت بعوض فانها غير جائزة لما فيها من الغرر. وفي ختام هذا القرار أوصى المجمع عموم المسلمين بتحري الحلال في معاملاتهم ونشاطاتهم الفكرية والترويحية والابتعاد عن الإسراف والتبذير. الجهاد لنشر العقيدة الإسلامية والدفاع عنها وعن الأوطان ليس إرهابا أكد مجلس مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي ضرورة التفرقة بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للدفاع عن الوطن. و"أن الجهاد والاستشهاد لنشر العقيدة الإسلامية والدفاع عنها وعن حرمة الأوطان ليس إرهابا، وإنما هو دفاع عن حقوق أساسية، ولذلك كان من حق الشعوب المغلوبة على أمرها والخاضعة للاحتلال أن تسعى للحصول على حريتها بكل الوسائل التي تتاح لها". ووضع المجمع في قراره 128 2/14،بشأن حقوق الإنسان والعنف الدولي، تعريفا للارهاب بأنه "العدوان أو التخويف أو التهديد ماديا أو معنويا الصادر من الدول أو الجماعات أو الافراد على الانسان، دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير حق بشتى صنوفه وصور الافساد في الأرض". وبين مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن الإسلام يكرم الإنسان من حيث هو إنسان، ويعنى بتقرير حقوقه، ورعاية حرماته، والفقه الإسلامي هو أول فقه في العالم يقدم تشريعا داخليا ودوليا للعلاقات البشرية في السلم والحرب. وطالب المجمع بعدم استغلال مفاهيم المصطلحات الخاصة مثل الجهاد والإرهاب والعنف، التي شاع استخدامها في وسائل الإعلام المختلفة، في غير ما يدل عليه أو يراد به. لكن فيما يتعلق بالعمليات الاستشهادية (الانغماس في العدو) فقد رأى المجمع تأجيل تحديد مفهومها والحكم بمشروعيتها إلى دورة لاحقة لإعداد بحوث مستقلة فيه. واعتبر القرار أن تدوين مدونة إسلامية في القانون الدولي الإنساني، ثم ترجمتها إلى مختلف اللغات العالمية، ووضعها في مكتبات الجامعات ومؤسسات هيئة الأمم، أجدى بكثير من تردادنا القول بأن الإسلام لا يعرف الإرهاب. كما أوصى بتشكيل لجنة من أهل الذكر لوضع ميثاق إسلامي يبين في جلاء التصور الإسلامي للعلاقة مع غير المسلمين، وترجمته مع نشره بمختلف وسائل الإعلام المعاصرة، لدحض كثير من المفتريات، وتوضيح الحقائق الإسلامية لغير المسلمين. قرار رقم 129 3/14 بشأن المقاولة والتعمير: حقيقة عقد المقاولة، تكييفه وصوره وردت إلى مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي بحوث بخصوص موضوع عقد المقاولة والتعمير وبعد إطلاعه عليها واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ومراعاة لأدلة الشرع وقواعده ومقاصده، ورعاية للمصالح العامة في العقود والتصرفات. ونظراً لما لأهمية عقد المقاولة ودوره الكبير في تنشيط الصناعة، وفتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالإقتصاد الإسلامي، قرر المجمع جواز عقد المقاولة، وهو عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئا أو يؤدي عملا مقابل بدل يتعهد به الطرف الآخر. على أنه إذا قدم المقاول المادة والعمل فينطبق على العقد قرار المجمع رقم 65 3/7 بشأن موضوع الاستصناع. أما إذا قدم المقاول العمل فقط فيجب أن يكون الأجر معلوما. وحدد القرار طرق الاتفاق على تحديد الثمن في: أ) الاتفاق على ثمن بمبلغ إجمالي على أساس وثائق العطاءات والمخططات والمواصفات المحددة بدقة. ب) الاتفاق على تحديد الثمن على أساس وحدة قياسية يحدد فيها ثمن الوحدة والكمية وطبقا لما هو متفق عليه. ج) الاتفاق على تحديد الثمن على أساس سعر التكلفة الحقيقية، ونسبة ربح مئوية، ويلزم في هذه الحال أن يقدم المقاول بيانات وقوائم مالية دقيقة ومفصلة وبمواصفات محددة بالتكاليف يرفعها للجهة المحددة في العقد ويستحق حينئذ التكلفة بالاضافة للنسبة المتفق عليها. وأجاز مجمع الفقه الإسلامي أن يتضمن عقد المقاولة شرطاً جزائياً، بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم يكن هناك ظروف قاهرة. كما أجاز في عقد المقاولة تأجيل الثمن كله أو تقسيطه إلى أقساط لآجال معلومة او حسب مراحل إنجاز العمل المتفق عليها. واشترط قرار المجمع الضمان على المقاول إذا تعدى أو فرط أو خالف شروط العقد، كما يضمن العيوب والأخطاء التي يتسبب فيها. ولا يضمن ماكان بسبب من رب العمل، أو بقوة قاهرة. الشركات الحديثة وأحكامها الشرعية عرف مجلس مجمع الفقه الاسلامي الدولي في قراره رقم 130 4/14 بأربعة أنواع من الشركات الحديثة: شركات الأموال، شركات الأشخاص، الشركة القابضة، الشركة متعددة الجنسيات. وقسم قرار المجمع شركات الأموال "التي تعتمد في تكوينها وتشكيلها على رؤوس أموال الشركاء" إلى: أ) شركة المساهمة، ب) شركة التوصية بالأسهم. ج) الشركة ذات المسؤولية المحدودة. وأما (شركات الأشخاص)، و"التي يقوم كيانها على أشخاص الشركاء فيها، حيث يكون لأشخاصهم اعتبار، ويعرف بعضهم بعضاً، ويثق كل واحد منهم في الآخر"، فقد قسمها إلى: أ) شركة التضامن. ب) شركة التوصية البسيطة. (ج) شركة المحاصة. وكان تعريف مجلس مجمع الفقه الاسلامي للشركة القابضة بأنها "هي الشركة التي تملك أسهماً أو حصصاً في رأسمال شركة أو شركات أخرى مستقلة عنها، بنسبة تمكنها قانوناً من السيطرة على إدارتها، ورسم خططها العامة". وأكد قرار المجمع أن "الشركة متعددة الجنسيات: هي شركة تتكون من مجموعة من الشركات الفرعية، لها مركز أصلي يقع في إحدى الدول، بينما تقع الشركات التابعة له في دول أخرى مختلفة، وتكتسب في الغالب جنسيتها.. ويرتبط المركز مع الشركات الفرعية من خلال استراتيجية اقتصادية متكاملة تهدف إلى تحقيق أهداف استثمارية معينة. وذهب مجمع الفقه الإسلامي الدولي إلى أن "الأصل في الشركات الجواز إذا خلت من المحرمات والموانع الشرعية في نشاطاتها، فإن كان أصل نشاطها حراماً كالبنوك الربوية أو الشركات التي تتعامل بالمحرمات كالمتاجرة في المخدرات والأعراض والخنازير في كل أو بعض معاملاتها، فهي شركات محرمة لا يجوز تملك أسهمها ولا المتاجرة بها... وحرم المجمع في قراره هذا، على الشركة أن تصدر أسهم تمتع أو أسهم امتياز أو سندات قرض. كما أكد في حالة وقوع خسارة لرأس المال على وجوب تحمل كلُّ شريكٍ حصَّته من الخسارة بنسبة مساهمته في رأس المال. وأن للمساهم حصَّة شائعة من موجوداتها بمقدار ما يملكه من أسهم. وتبقى ملكية الرقبة له إلى أن تنتقل إلى غيره لأي سبب من الأسباب، من تخارج أو غيره. وأحال المجمع على قرار سابق للمجمع برقم 28 (3/4) في دورته الرابعة، ورقم: 120 (3/13) في دورته الثالثة عشرة، فيما يتعلق بطريقة تحصيل زكاة الأسهم من الشركاء في الشركات القابضة والشركات متعددة الجنسيات.