قال إدريس مستعد رئيس «الحركة من أجل الأمة» إن الخيار العلمي ووجهة التأصيل والتحصيل هو ديدن الحركة، مشيرا إلى ان هذا الخيار العلمي هو خيار تربوي أولا، بالنظر إلى ان العلم لا يقوم إلا على التربية، والبعد التربوي أساسي في كل تجربة، ببعده القيمي الأخلاقي أو البيداغوجي والمعرفي، وهذه كلها لا يمكنها إلا أن تكون وسطية، يؤكد مستعد. ويعرف مستعد من خلال هذا الحوار بمشروع الحركة خلال مرحلة ما بعد الجمع العام الثاني، وبطبيعة التقاطعات الكائنة والممكنة بين كل مكونات الحركة الإسلامية. ومن جهة أخرى، يبرز مستعد طبيعة الإسهام الذي يمكن أن يقدمه كل مكون للمشروع الإسلامي في ظل الواقع الراهن المتسم بالتعقيد، عبر مسار قال إن «عنوانه المسارعة في الخيرات، والتنافس في القربات». ● بداية كيف تقدمون أنفسكم لقراء «التجديد»؟ ●● شكرا على هذه الالتفاتة من جانب جريدة «التجديد»، التفاتة تنم عن اهتمام واضح بمكونات الساحة الإسلامية المغربية التي منها «الحركة من أجل الأمة»، اهتمام ينطلق -برأينا- من قاعدة مشتركة بين كل المكونات الإسلامية رغم التعدد الاجتهادي للممارسة الحركية، ليؤسس لتواصل يلزم أن يكون قائما بينها في الحاضر ضرورة، ويلزمه أن يستمر في المستقبل أفقا، اهتمام متبادل يرجى منه أن يكسر جدارات الصمت بين هذه المكونات، ويفتح بوابة حوار دائم ومستمر بينها في الكثير من القضايا ولوعلى صفحات الجرائد، ليعرف الذات الحركية وكذا الآخر بوجهات نظرها، بل ليعرف بطبيعة المقاربة التي يعتمدها كل مكون من مكونات الذات الحركة رفعا للبس وتحقيقا للمعنى. بداية نشير إلى أن هذا الحوار هوإطلالتنا الأولى على قراء جريدة «التجديد»، وهي إطلالة لن تكون إلا مباركة بإذن الله، تعرف بمشروع الحركة من أجل الأمة خلال مرحلة ما بعد الجمع العام الثاني المنعقد يومي 7 و8 أبريل2012م، بل وتعرف بطبيعة التقاطعات الكائنة والممكنة بين كل مكونات الحركة الإسلامية، وتبرز طبيعة الإسهام الذي يمكن أن يقدمه كل مكون للمشروع الإسلامي في ظل الواقع الراهن المتسم بالتعقيد، عبر مسار عنوانه المسارعة في الخيرات، والتنافس في القربات. والاجتهاد الحركي لكل مكونات الساحة الإسلامية المغربية لا يمكن أن ينفصل عن أمرين اثنين، عن طبيعة القراءة المؤسسة للمشروع في بدايته بما هي اجتهاد موصول بمستوى فقه الدين وفقه الواقع، وعن طبيعة التحولات الواقعة أثناء السير والقدرة على فهم عمقها دون مسايرتها بما هي في الجوهر ذات عمق واحد. بهذا المعنى نقدم أنفسنا لقراء «التجديد»، لأننا نؤمن أن التعريف هولازم للأفكار وليس للأشخاص، انطلاقا من أن المشروع لا يمكنه أن يستمر بدون معالم اجتهادية واضحة تعرف به وليس بأشخاص يحملونه، فأبناء التجربة هم مجرد دعاة للمشروع، والأصل هوأن الفكرة تُعرف نفسها بذاتها بما تحمل من صواب، وليس بالأشخاص الذين يحملونها وإن صدقوا، لأنهم قد يرفعونها إلى درجة تهويل، وقد يبخسونها إلى درجة تهوين، وبين التهويل والتهوين يقع التوسط والاعتدال المطلوب. ● مرت حوالي 10 أشهر على انتخابكم رئيسا جديدا للحركة من أجل الأمة، عقب الجمع العام الوطني الثاني للحركة، هل حققتم برنامجكم في المرحلة وأهدافكم فيها؟ ●● لابد قبل الإجابة عن هذا السؤال من التقديم له بسياق انعقاد الجمع الثاني للحركة من أجل الأمة بالرباط يومي 7 و8 أبريل2012، إذ السياق مهم للفهم وللتقييم، سياق يوضح منحى فضح كل محاولات التآمر على قيم ومقدسات ومقدرات وإرادات الأمة، في ظل ربيع أسقط العديد من الأنظمة الظالمة المستبدة، وأعلن للجميع أن الأمة هي الأصل، وأن الأنظمة الظالمة إلى زوال، وأن الظلم إلى فناء وأن العدل إلى بقاء، في ظل ربيع أعلن أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن إرادة الأنظمة الفاسدة تهزم، وأن صوت الشعوب لا يكمم، وإن صمت فليس لجبن ولكن لجني يعمم، سياق يكشف عن ملامح أجواء وطنية تتسم بالتفاعل والديناميكية، فالحركات الاحتجاجية المطالبة برفع حجم الإصلاحات الدستورية والسياسية المقدمة، والمطالبة بحقوقها الاجتماعية والسياسية، والمعلنة لشعارات محاربة الفساد وإسقاط رموزه، والمطالبة بالحرية والعدل، والداعية إلى إعادة الاعتبار للعلماء ورسالتهم، وللمواطن وحقه في السكن والتطبيب والتعليم والتنظيم والتعبير..، سياق يبرز طبيعة العزيمة الراسخة لدى أعضاء الحركة من أجل الأمة لتجاوز التضييق التنظيمي والقانوني الذي مورس على الحركة ومازال، والدفاع عن حقها في التنظيم والتعبير والفعل، وكسر قيود كل المحاولات البائسة لإنهاء أوإنهاك المشروع، خاصة بعد المحاولة الفاشلة والمفتعلة لتلفيق تهمة الإرهاب لأمينها العام السابق الأستاذ محمد المرواني واعتقاله، لكنه لم يلغه ولم ينه الحركة ولا المشروع ولا الفكرة، بل زادها تواصلا واحتكاكا ونضجا، كما زادها رسوخا بأهدافها المعلنة في وثائقها، مما أعطاها شهادة صوابية الوجهة والقصد، وبأن أفكارها ورؤيتها لها مبرر الوجود والاستمرارية، وبأن المشروع حقا يمثل شوكة تزعج الحرس القديم وبعضا من الحرس الجديد... لذلك كان علينا بعد الجمع العام الثاني الاشتغال على محاور عديدة تدعم بعض هذا السياق وتشد عليه، وتبني بعضه الآخر حماية للفكرة والذات خدمة لمشروع، عبر تصليب الجسم التنظيمي، وتقوية المؤسسات الوطنية والجهوية والمحلية، وتعميم وثائق الحركة، وهذا أمر يتطلب جهدا كبيرا، لا يعي حقيقته إلا المشتغل والمهتم بالمجال التنظيمي. على أن تحقيق أهداف الجمع العام أمر يستلزم مدة أطول، ترفق وتستتبع بتقييم مرحلي داخل المكتب التنفيذي، يسطر الوجهة ويمنع الانحراف عن الأهداف المسطرة، فطبيعة الأهداف هي من طبيعة البرنامج، وكلما كان البرنامج حضاريا كانت الأهداف كذلك. والأهداف العامة دونها الإجرائية والتفصيلية والخاصة. والمشاريع التاريخية لا تتحقق دفعة واحدة، وإذا كانت الحركة من أجل الأمة قد حددت مشروعها في «السيادة للشريعة والسلطة للأمة» فقد ميزت بين الحل الانتقالي والحل التاريخي، ويبقى العمل والتغيير والتصحيح والإصلاح وجهات تحدد البوصلة وتربط بين المرحلة الانتقالية والمرحلة التاريخية. والمرحلة الانتقالية في البرنامج هي مرحلة ترصيص للفرش العقائدي والفكري السليم في أفق الواقع السليم، ورهاننا على الله عز وجل أولا ثم على العلم والعلماء، وعلى المدارس العلمية، وعلى المربين والباحثين والمفكرين في شأن هذه الأمة...، وهذا ما اقتضى من الحركة الإقرار بأن شأنها ليس شأنا خاصا بل هوشأن عام، وهذا يقتضي التعريف والنشر والانفتاح. ● رفعتم في الجمع الوطني الثاني شعار «حركة شاهدة من أجل أمة ناهضة»، هل يؤسس هذا الشعار لأولويات الحركة وقاعدة توجيه في هذه المرحلة؟ ●● الشهود من المفاهيم الثقيلة في نسق التصور الحضاري للمسلمين، وهوخطاب شمولي يقصد به الجميع, يقول تعالى (كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، وهذا معناه أن الجعل إرادة إلهية من شأن الخالق، وهي وسام استحقاق الهي من درجة «شاهد»، وسام أبكى رسول الله عليه الصلاة والسلام حين سمع من عبد الله بن مسعود قوله تعالى (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)، إنه إحساس المسئول على أمة ستخرج عن سنته ومنهجه. إن واقعنا يجعلنا نحس ببكائه عليه الصلاة والسلام، فهوأكبر شاهد، يحمل الهم إلى يوم القيامة، يبعث قائلا «أمتي أمتي»، يحن إلى «إخوانه»، إن هذا الشهود يمكن أن يربطنا برسول الله وبرسالته، فإما شهود وإما مشهود علينا. إن شعار الشهود هوقاعدة توجيه وبوصلة أكثر منه أولويات الحركة، وهوقاعدة توجيه لكل الحركات الإسلامية . ● ما هي حصيلة مسيرة الحركة في تأصيل وتجسيد الاختيار الوسطي والمنهاج الإصلاحي على مستوى خطها العام، والتي يمكن القول بأنكم تنطلقون منها في قيادتكم للحركة؟ ●● إن الخيار العلمي ووجهة التأصيل والتحصيل هي ديدننا، إنه برنامج الحياة بلا حدود، يطال العمر كله، إنه برنامج حركة القراءة والارتقاء بمعناه الحضاري. إننا أمام رهان حضاري واجتماعي، فما الوصفة الحضارية التي نقدمها لمجتمع مغربي نصفه خارج التغطية التعليمية وليس العلمية، أقصد أمية القراءة والكتابة (48 % حسب الرواية الرسمية) لا التحصيل والبحث العلمي الهزيل (1 % حسب نفس الرواية ). إن برنامجنا وأهدافنا هي احتياجات الشعب المغربي، حسب أولوياتها وحسب مضامينها وكيفية تحقيقها، فخيارنا العلمي هوخيار تربوي أولا، والعلم لا يقوم إلا على التربية، والبعد التربوي أساسي في كل تجربة، ببعده القيمي الأخلاقي أوالبيداغوجي والمعرفي، وهذه كلها لا يمكنها إلا أن تكون وسطية. وهوأيضا خيار دعوي، وطريق للسالكين إلى الله، فمن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة. ثم هوخيار تجديدي لفهم الدين لا «للحقل الديني»، وتغييري تمكيني لممارسة الفاعلية والتأثير الواقعي، فلا خير في علم يبقى حبيس الجدران والرفوف، وهذا خيار الشهود لهذه الأمة. ● 14سنة الآن في عمر الحركة، أين تتموقعون داخل التجربة الإسلامية بالمغرب؟ ●● إن مقياس التموقع الأصلي هوأولا الإخلاص لله سبحانه، فلا قيمة لعمل لا يراد به وجه الله، والتموقع هوالقبول للعمل، والبحث عن الصوابية والثبات على المبادئ. أما التموقع النسبي فهورهين الاجتهاد والاستبصار والبحث عن الأولويات والتوازنات والمقاصد والمآلات إلا في محرم. إن التموقع ليس ادعاء للحق المطلق، ولا تضليلا للاجتهادات، بل هواحتكام للشرع وليس للانتماء التنظيمي (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). إنها الخيرية و»التأويل الإحساني». وهذا الاحتكام يقوم به طبعا العلماء الذين لا يتموقعون إلا في صف الحق والعدل، فهم بوصلة الحركة الإسلامية والعمل الإسلامي، على أنه بعد هذا وقبله، نحتاج إلى «التوقيع» لا التموقع. ● كيف تقرؤون التغيرات الأخيرة التي شهدها المغرب؟ ●● إن البوصلة الواقعية للحركات التغييرية هي الاستماع لنبض المجتمع، فمقولة «الشعب يريد» ناقوس اجتماعي، وصوت رمزي هونتاج ظلم وقهر تاريخيين. والمغرب ليس استثناء أمام هذا الصوت، لأن محاولة حل الأزمة مؤقتا وبطريقة استعجالية ما هوإلا تخطيط غايته تأجيل الأزمة وتكثيفها لزمن آخر ولحكومة أخرى، ولغاية التوريط أحيانا أخرى. إن الحلول الاجتماعية رهانات ودراسات مستقبلية وليست ترقيعات لحظية عابرة، والزمن مكون أساسي للقضاء على الأزمات، فقد لا نملك الآن الحل أوالقدرة، لكن نجتهد من أجل تحقيقهما، فالممكنات قدر إلهي، والقدر يدفع بالقدر، فالفقر قدر والغنى قدر.. والمستحيل هوالممكن البشري. والإرادة هي خارطة الطريق بين القدر والقدر. إن الممكنات تصنع أحيانا في غياب الإمكانات (نموذج التجربة اليابانية)، فما بالك إذا كانت الإمكانات والخيرات موجودة؟ فلا يمكن الحديث عن الفقر في المجتمع المغربي بمحيطيه وفوسفاطه وجغرافيته، فيجب أن يحمد المغاربة الله على عطائه ويفكروا في « حق الله» وحقوق الشعب، وإن كان المفكر عبد الله العروي يستغرب من «السائل» المغربي حتى لا أقول «الفقير المغربي» الذي يطلب الصدقة ويقول «أعطني حق الله». نعم إنه «حق الله» و»مال الله» الذي استخلف فيه الإنسان، و»حق الله» هذا ليس صدقة ولا «زيادة في الأسعار» دون مراعاة للخصوصيات، ولا ضرائب تنزل على الفقير أكثر من الغني، بل هي مؤسسات مالية بوازع ديني كالزكاة والوقف وأبواب الخير... وتجربة «مؤسسة الخيرية» في المغرب أصبحت سبة ورمزا للانحراف والإجرام، يقولون: ( ولد الخيرية)، ويطعنون في أصل الإنسان ولا جريرة له في ذلك. إن مفهوم الخير في المتخيل المغربي لا يستثمر جيدا، ويصبح أحيانا عائقا اجتماعيا، فالمغاربة يتلذذون بنشوة الأزمة وهم ينطقون بكلمة «بخير»، وقد يقولونها بألحان مختلفة، وهم يعيشون أزمة مزدوجة، أي يعيشون المشكل ولا يعلمون أنهم يعيشونه. إذن، كي نحل مشاكلنا الاجتماعية يجب أن نؤصل لمفهوم الخير ونستثمره فكريا وإراديا قبل ممارسته واقعيا، فالخيرية ميزة هذه الأمة، ومقياس التعامل الخيري دقيق، إنه مقياس الذرة. إننا نريد فلسفة «الخير المغربي»، كما يقولون «الطبق المغربي» و»القفطان المغربي».. فبالخير سنحارب المشاكل والأزمات، وهذه مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كشرط للخيرية. إن الظاهرة الاجتماعية أكبر تجسيد للتغيرات، إنها محرار المجتمع، ولن تنجح السياسة أوالاقتصاد أمام الأزمة الاجتماعية. فالأمية عائق بنيوي بامتياز، وهومعيق للتنمية التي تتراجع لدينا إلى رتبة 130 بعد أن كانت 124، ورتبتنا في محاربة الأمية ما قبل الأخيرتين بين 14 دولة عربية. إن الظاهرة الاجتماعية في المغرب تجعلنا أشبه بالبرازيل بتناقضاتها .فالمحدد الأساسي للتغيرات هوالتعليم والصحة ومستوى الدخل الفردي..، فالأولى أن نحارب دور الصفيح على أن نبني ناطحات السحاب. ● دعوتم إلى تأسيس قاعدة لإجماع عام لتأسيس موافقات عامة بين الحركات الإسلامية في قضايا لا تحتمل الخلاف, ما هي أهم هذه الموافقات التي ترون من خلالها ضرورة توحيد الكلمة؟ ●● الموافقات تنطلق من التوجيه الإلهي والإحساس المشترك بين المسلمين عامة وثقافة الحوار والتعارف التي يدعوإليها الخطاب القرآني مع المخالف مرجعية فكيف بالمتفقين حولها أي المرجعية؟ أهم التوافقات هي الوَلاية، فالمسلمون أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أوبلغة الحراك يحاربون الفساد والاستبداد... وقد نختلف حول طريقة التنزيل وتغيير المنكر، لكن المطلوب أن نسمي الأشياء بأسمائها، ولا نخلق التطبيع مع الفساد والمفسدين، ولا نبرر سلوكاتهم ولا ندوس على إرادة الشعب، ولا نطوي التاريخ دون محاسبة، (فعفا الله عما سلف) ليس قرارا فرديا، فالله لا يقبل الظلم، ويحاسب على الخير والشر بمقياس الذرة، وأمرنا أن نقيم الوزن بالقسط ولا نخسر الميزان، وهذا توافق آخر بين المسلمين. لن نختلف حول الظلم والظالمين، لكننا قد نظلم أنفسنا حين نعيش مستضعفين ولا نأخذ بشروط التمكين. وهذا وعد مشترك أوتوافق بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالعمل الصالح قاسم مشترك ونظرية لها تفعيلها، قد تكون بمنظور التغيير أوالإصلاح أوالتصحيح، لكنها بوصلة واحدة، توحد الهدف والمقصدية . إذا كانت السياسة غالبا ما تفرق، فان أرضية التوافقات واسعة، فلنجعل من السياسة تجربة للتدافع والمخالطة والتربية على تحمل الأذى، ولنعش « جمالية الاختلاف السعيد». قد نقسوعلى بعضنا لكنها قسوة النصرة، نستمع للصوت الآخر نحتكم إلى منطق الشرع والعقل، نستشير( من الشورى) ونتناصح وننضبط للقرارات المتفق حولها، وغايتنا ثقافة الاختلاف أكثر منه موضوع الاختلاف. إن التوافقات تؤدي إلى الإجماع كمصدر من مصادر التشريع . ● تؤمنون بأن التلاقي بين الإسلاميين ليس ضرورة فحسب وإنما هوقدر، لماذا لم يتحول حتى اليوم من مجرد شعار إلى برنامج؟ ●● أقترح كلمة « الأخوة الإسلامية» بدل « التلاقي بين الإسلاميين» لأننا قد نلتقي حول مشروع أويجمعنا مؤتمر أومؤسسة، لكنه يبقى من باب الوسائل، أما الأخوة فإحساس نفسي وشرط لبناء المجتمع المنشود وخطوة على المنهج النبوي وأرضية صلبة تتكسر عليها كل المشاكل، فلا أظن أن هناك مجتمعا غير المجتمع الإسلامي يربي الفرد على التماس سبعين عذرا لأخيه، والالتماس حركة تنزيل وممارسة وتجسيد واقعي للأخوة. إن الإحساس بالأخوة لا يمكن أن يكون شعارا ولا برنامجا، إنها قوة دافعة، حركتها نحوالله، حركة الحسنى والانتماء الديني أنك من المسلمين، وأنك تقف أمام الله مرات لتدعوباسم الجميع( اهدنا الصراط المستقيم)، إحساس بالدعوة الجماعية وبالأخوة الدينية (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) أية عداوة هاته؟ ما أظنها إلا « العداوة السياسية» عائق الأخوة. إن الأخوة مشروع وبرنامج تربوي يقوم على التناصح والتغافر وخفض اللين والدعاء بالغيب وتغليب مصلحة الدين على المصالح الفردية وقهر النفس وشهواتها والإحساس بالجسد الواحد وبالبنيان المرصوص، والإحساس بالوظائفية، كل يؤدي دوره في خندقه، وفي الزاوية التي هوفيها، كل في دائرته ووجهته التي تحددها البوصلة العامة. فلكل وجهة هوموليها، فاستبقوا الخيرات... ● كيف تنظرون إلى موضوع علاقة الدعوي بالسياسي، وأي مقاربة تعتمدونها على مستوى الحركة؟ ●● قد تكون هذه الثنائية « الدعوي والسياسي» من الثنائيات المتخاصمة التي تورطت فيها الحركة الإسلامية، وأعتبرها من « المغالطات الفاسدة» وليس « المخطئة»، لأن الفساد رغبة وإرادة مبيتة، بينما المخطئة قد تكون بعدم معرفة، أقول المخطئة وليس الخاطئة ، لأن الخاطئة فيها تعمد وإصرار على تكرار الخطأ. إن الدين والسياسة سؤال غربي بامتياز، بلوره تلامذة اتجاه « الخطاب السياسي المبدل» كعلي عبد الرزاق، الذين ساهموا في إسقاط الخلافة العثمانية، وهومن الثنائيات المصنوعة في مختبرات الآخر مثل ثنائية «الأصالة والمعاصرة» و«الشرق والغرب» و»محور الشمال والجنوب «... ثنائيات توجه التفكير وتسيجه، فلماذا التجزيء والانفصال ؟ أليست هذه نفحات العلمانية؟ أليس الإسلام شموليا ؟ لماذا تختزل الدعوة في « ركن المفتي» وليت الأمر كذلك والسياسة في البرلمان؟ لماذا لا يسأل الدعاة عن الدخل الفردي ، والحد الأدنى للأجور وعن ثنائية الثروة والسلطة التي وضعها الشيطان كأصل للغواية، فلم تكن الشجرة المحرمة على آدم لا شجرة الخلد ولا بأي اسم ، مجرد امتحان، وتسمية الشجرة رمز لتحقيق الرغبة في الثروة، وأضاف إليها « ملك لا يبلى» إشارة إلى السياسة والسلطة. إنها من الإشكاليات الحقيقية، كثنائية» السياسي والجنسي» كما جاء في الحديث النبوي الذي جمع بين النساء العاريات والرجال الذين يحملون السياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ألم يعد العري وسيلة للاحتجاج السياسي في باريس وفي البرلمان؟. فلا يمكن الفصل بين الآليات المتحكمة في الواقع، فقد يكون الفصل أحيانا إجرائيا فقط. فلماذا لا نناقش هذه الثنائيات عوض أن نخلق ثنائية مفتعلة، لا تعارض بين عناصرها ؟ ● فإذا كانت السياسة تدبيرا لشؤون الأمة، فالأمر يحتاج إلى علم وقيم وأخلاق وتربية، أوما يسمونه بالترشيد والتخليق، فهل هناك غير الدعوة لتحقيق ذلك؟ ●● إن الدعوة من مقاصد السياسة، وليس العكس، فالدعوة لا تنتهي بتحقيق السلطة بل تحتاج إليها لممارسة المحاسبة والمساءلة وتطبيق القانون... إن الدعوة تاريخية بينما السياسة لحظوية نسبية تخضع للاجتهاد والخطأ والصواب، فالأولوية للدعوة التي يقوم عليها أمر الحياة كلها. إن الدعوة هي «القيمة المهيمنة» la dominante، والاهتمام بها لا يعني إقصاء السياسة، أوحسب منطق « الدائرية» الدعوة هي الدائرة الكبرى التي تشمل دوائر قد تضيق وقد تتسع، لكنها لن تخرج عن الدائرة الأم والأصل. إن مقاصد السياسة في تدبير الشؤون في المجتمع الإسلامي تتجاوز الإنسان إلى الحيوان، يقول عمر بن الخطاب « لوعثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها، لم لم تصلح لها الطريق يا عمر ؟» إحساس لا يرتبط لا بالانتخابات ولا بالحملات، بل إحساس التربية والدعوة الذي يخلق المراقبة والمحاسبة. فالخوف من الله هوالذي جعل عمر يمارس السياسة العادلة، أوكما تمت إجابة أحد الولاة « إن الله أرسل محمدا هاديا ( أي داعيا) ولم يرسله جابيا «. انه الهدي الاقتصادي الذي يحقق العدل. إن مشكلتنا ليست علاقة الدعوة بالسياسة، بل علاقة العلم والأخلاق بالسياسة، والمطلوب تجاوز»الصدمة المفهومية» وتحديد المفاهيم الأساسية كمفهوم العبادة والتوحيد والألوهية والربوبية والوَلائية، فهوالإطار النظري الذي سيحدد أية ممارسة للسلطة والسياسة وكل شؤون الحياة، ففي غياب هذه البوصلة، ستكون الوجهة غربية أوشرقية وليست إسلامية . إن مهمة الحركة الإسلامية أكبر من أن تختزل في هذه الثنائية، فمشروعها أوسع باتساع كل بلد وكل مدينة وكل حي وكل زنقة وكل بيت وكل فرد، فما قيمة السياسة في واقع مغربي لا تتجاوز فيه نسبة المسيسين 3 %. إن المجتمع المغربي خارج «التغطية السياسية»، فخلوا سبيل الدعوة وأطلقوا سراحها، فخير لهذه الأمة أن تعرف الطريق إلى ربها، وآن ذاك ستمارس السياسة الشرعية والسياسة العادلة والسياسة الحضارية والعمران والتنمية والديمقراطية ، وما شئتم... ● كيف ترون العلاقة بين مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب وآليات تدبير الاختلاف بينها، وهل من أفق لتعاون أكثر؟ وكيف ترون مستقبلها؟ ●● الواقع محدد أساسي لنسج العلاقة أوالحيلولة دون إقامتها، فقد تكون بعض « القضايا السياسية» أو«المواقف» أو«الاحتجاجات» محددا لهذه العلاقة، وإذا ما كانت القضية موحدة كقضية فلسطين يأتي التأويل والحسابات والاصطفاف باسم المصلحة والتاريخ والذات، وتضيع الفرصة للتقارب وفتح الأبواب والتنسيق في أمور أخرى فيها المشترك أكثر، كقضية التعليم والعنف المدرسي والحرية الفردية والانحلال الأخلاقي.. وحين نتحدث عن العلاقة لا نقصد تقديم التهاني أوالتعازي، فهذا أمر تقوم به كل الأطراف. إن الحركة الإسلامية ليست حرة في علاقاتها، كأن هناك إملاءات خارجية تحدد خارطة العلاقة. وأهم آلية لتدبير الاختلاف هي النصح والتناصح والحوار وتكسير الحواجز النفسية وتحديد البوصلة العامة للمسلمين. إذا كانت آفاق التعاون والاشتغال مشتركة بين كل من يحمل هما للأمة والوطن، فأولى بالتعاون بين من يحملون نفس الأهداف ويتقاطعون في نفس المرجعية. ومجالات التعاون كثيرة ومختلفة. وإذا كانت المضامين عائقا في العلاقة فيمكن التعاون في طرق الاشتغال وتبادل الخبرات والكفاءات ونقل التجارب الناجحة في مجال معين، وتبني فلسفة وثقافة الشراكة والتعاقدات من أجل أهداف كبرى، فالحكمة الإنسانية والبشرية ملك للجميع، واحتكار العلم والمعرفة مدان شرعا، والمفكرون الذين صنعوا التاريخ والفكر البشري، لم يتخندقوا في جهة معينة رغم انتماءاتهم الحزبية. ● ما هي أهم التحديات في نظركم, التي تواجه الحركات الإسلامية المغربية اليوم ؟ ●● أهم التحديات تحديد البوصلة ووجهتها التي لا يمكن أن تضل، هذه البوصلة يحددها العلماء قادة الأمة: يجددون ويستنبطون ويجتهدون ويجيبون عن أسئلة العصر ونوازله ويتصدون للاستبداد والفساد ويرجعون للأمة حقها في اختيار السلطة ومشاركتها الرأي وفق مبدأ المراقبة والمحاسبة، وإعادة الاعتبار للشريعة وسلطة القانون لتضمن الحريات والحقوق وتحقيق العدل والمساواة وفق مبدأ تكافؤ الفرص. إنه تحدي تجديد الخطاب السياسي الشرعي في تدبير شؤون الأمة، وبلغة المتداول التوزيع العادل للثروات، والفصل بين السلطات والانتقال الديمقراطي الحقيقي والإصلاحات الدستورية والصلاحيات التي لم تستغل باسم المرحلية أوسد الذرائع أومصلحة البلاد والعباد أولظروف الواقع . من الرهانات أيضا كيفية الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى، فكل ما فيه خير ومصلحة وعدل هومن السياسة الشرعية، فما لا يتم الواجب إلا به فهوواجب. فالمطلوب الاستفادة من الآخر لكن بشرط التبييئ والاختيار حسب المقاسات الخاصة، أي تجريد الآليات من حمولتها وخلفياتها وإعادة صياغتها بما يلائم ديننا وواقعنا، فشعار « من أجل مغرب حداثي» ! كان كرد فعل على أحداث 16 مايو، فالحلول لا تكون بالجاهز أوبالطفرات أوبالارتماء في أحضان الآخر. من التحديات الاستيعاب لمتطلبات الواقع وتحقيق الأولويات الملحة والإصلاحات الضرورية لخلق أرضية للعمل المشترك بوضع برامج إستراتيجية لحل الأزمات كالبطالة والشغل والصحة والتعليم والأمية...ثم الجرأة والصرامة في التنزيل والتفعيل والاحتكام للآليات الشرعية. ● هل من أفق لفتح حوار شامل في سبيل تجاوز التحديات والعقبات التي تواجه الحركة الإسلامية عموما؟ ●● الأفق هوالإرادة والرغبة في تجاوز العقبات وتكسير الحواجز النفسية والواقعية، وأخد المبادرة في هذا التكسير، فالمبادرات الفردية الرمزية قد تصنع الحدث. إن الله يخلق الأسباب ونحن نضيع الفرص، فإرادة الله مؤطرة لأي جهد ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) فما علينا إلا المجاهدة والإخلاص أما الاستراتيجي والتنسيقي والتكثلي فهوانجاز وتفعيل للإرادة، وما علينا إلا أن نكون في مستوى الواقع والشهود ونبادر ونتسابق بإحساس التجارة مع الله تعالى الذي اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة، والله الموفق وهويهدي السبيل.