لم يكد ينتهي وزير حقوق الإنسان من إنكاره وجود حالات اختطاف بالمغرب حتى نشطت قوى الاستخبارات الأمنية في موجة جديدة من الاختطافات العشوائية، دون احترام لأدنى مقومات القانون والكرامة الإنسانية المنصوص عليهما في الدستور المغربي وفي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ولا يجادل أحد من المغاربة في أن أمن البلاد فوق كل اعتبار، ويعلو ولا يعلى عليه أمن فرد ما أو مجموعة ما، ولا يقبل أبدا أن يزعزع استقرار المغرب لإرضاء نزوات طائشة أو خيالات مريضة أو انحرافات فكرية ونفسية.. أو تنفيذا لمخططات أجنبية من الشمال والجنوب أو من الشرق والغرب. فالأمن والاستقرار نعمة كبرى تستحق الشكر الجزيل لله المؤمن المهيمن وللساهرين على ذلك، كما تستوجب الحرص والعض عليها بالنواجد مهما تكن الحسابات السياسية والحزبية. لكن الحرص على الأمن لا يعني التفريط في الحق والقانون، وتجاوز مساطره وقيوده، والتعسف في الاعتقال والاسترسال في الاختطاف، وترويع الناس وبث الذعر والرهبة إلى درجة الانهيار وفقدان التوازن النفسي، والإبداع في أشكال الاستنطاق والتعذيب، دون أن تقول المحكمة كلمتها بالتداول القانوني في أمر المعتقلين ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والبريء من المتهم، والمتآمر من المستغفل... فواقع الاختطافات الأخيرة، والتي سماها وزير الاتصال "اعتقالات" بلسان الحكومة، تكشف أن أسلوب الخطف السريع المروع يعيدنا إلى قانون الغاب والإرهاب، ويمتد ليشمل العشيرة الأقربين للمختطفين؛ من زوجات وآباء وأبناء وخالات وعمات وأخوال وأعمام، والأبعد فالأبعد، وذلك أسلوب مرفوض بإجماع القوانين الشرعية والوضعية، ويسيء إلى سمعة المغرب ويحوله إلى "نقطة ساخنة"، في حين أن موقعه الجغرافي والسياسي والحضاري يجعل منه "نقطة دافئة". فلا شيء إذن يعلو على أمن المغرب والمغاربة، كما أنه وفي الوقت نفسه، لا شيء يعلو على ضمان حقوقهم وتطبيق القانون الصارم الحازم في حق من ثبت إجرامهم أو من استخفوا بمسؤوليتهم، وصون كرامة الجميع حتى يفصل القضاء في أمرهم. وعلى الأجهزة السرية الاستخباراتية أن تكون أول الخاضعين لهذا القانون وأول العاملين به، فكم من الحرمات انتهكت وكم من العائلات أرهبت وشردت دون أدنى جرم ارتكبته.