انتقد حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف، تعامل الدول الغربية مع الأنظمة العربية الجديدة عقب الربيع العربي في ظل نجاح التيارات الإسلامية، واستغرب عبيدي دعم العالم الغربي للأنظمة العربية الاستبدادية أيام بنعلي ومبارك والقدافي، مقابل «تحفظها اليوم وانتظرتها إلى حين كتابة الدستور»، وقال المتحدث في حوار مع «التجديد»، «هذا في اعتقادي خطأ، أخذوا موقفا مسبقا من الحركات الإسلامية التي نجحت في الانتخابات، وهذه الحركات هي الآن في بداية تجربتها السياسية لإدارة الحكم، ونسجل أن الدول الغربية، غائبة عن مساعدة العجلة الاقتصادية للأنظمة الجديدة في أكثر من قطر عربي». واعتبر حسني عبيدي أن «خصوصيات كل دولة تختلف، وعملية الانتقال الديمقراطي تتأقلم حسب ظروف كل دولة»، مؤكدا أن «المغرب له خصوصيته، وفي العلوم السياسية نجاح الانتقال الديمقراطي يحتاج إلى مؤسسات قارة، فالدستور هو أهم مؤسسة، ولابد من مؤسسات أخرى تكون هي قاطرة الانتقال الديمقراطي»، وشدد المتحدث على أن التجربة المغربية تميزت ب»الاستقرار أولا» ثم «الانتقال السلس للسلطة»، وكذا «إشراك الحركات الإسلامية التي كانت قوية في المعارضة في التدبير الاقتصادي والسياسي والإداري للحكم في الدولة». ● ما تقييمكم لآخر تطورات الوضع في مالي؟ ❍ هناك وعي كبير في المجتمع الدولي بخطورة الوضع في مالي، وهذا تطور جديد خاصة بعد اجتماع أبوجا الأخير، والنقطة الثانية أعتقد أن فرنسا قامت بعملية تجنيد على المستوى الدولي مهمة جدا، وتتعلق بمحاور عدة، التجنيد تم عن طريق مجموعة الإكواس وسيداو، ثم عن طريق منظمة الوحدة الإفريقية، وهناك أيضا محور أوروبا وهو محور جديد، وأيضا على مستوى مجلس الأمن، الذي أراد أن تكون التغطية إفريقية حتى لا يكون التدخل تدخل فرنسي، نظرا لحساسية الماضي الاستعماري الفرنسي في المنطقة، وبالتالي لابد من إضفاء التغطية والشرعية القانونية لهذا التدخل، وهذا ما تم، الإكواس سيتحملون مسؤولية التدخل العسكري، وأوروبا وافقت على إرسال 200 خبير عسكري، ومجلس الأمن سيوفر التغطية القانونية للتدخل العسكري، بإصدار قرار جديد بعد قمة أبوجا. نقطة أخرى مهمة، وهي مقاربة رومانو برودي، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى منطقة الساحل، والذي يقول بأن التدخل العسكري يجب أن لا يُستبعد، لكن في نفس الوقت يجب استنفاذ كل الطرق الدبلوماسية، لأنه يعي جيدا بأن الحكومة المالية والجيش المالي الذي أصبح للأسف جيشا انقلابيا، غير قادر على ملئ الفراغ، ولابد أن تتبلور مقاربة اقتصادية اجتماعية لمنطقة الشمال المهمشة. ● أين يتموقع كل من المغرب والجزائر بخصوص القضية المالية؟ ❍ أعتقد الموضوع المالي بالغ الأهمية، والمنتظم الدولي والإقليمي بحاجة لدعم ومساهمة كل من المغرب والجزائر لاعتبارات موضوعية وواقعية، منها أن المغرب له من التجربة ما يكفي للتعامل مع الحركات الإسلامية، ثم الجزائر بحكم دولة الجوار، دورها مهم أيضا، والعديد من الحركات المتطرفة مصدرها هي الأراضي الجزائرية، وبالتالي مشاركة الدولتين ليس فقط في اللوجيستيك، وإنما في الحراك السياسي والعسكري مهم جدا، يجب أن ننظر للمستقبل، وأعتقد أن هناك انعكاسات ستقع بعد التدخل العسكري، والدول الغربية ستعود إلى قواعدها، وستكون انعكاسات سلبية للتدخل العسكري على دول المنطقة خاصة إن فشلة الضربة العسكرية، وهنا أمن المغرب والجزائر مهم جدا وسيصبح في غاية الحساسية. ● هل تعتقدون أن عوامل نجاح التدخل العسكري موجودة؟ ❍ العوامل التي ساهمت في نمو الحركات الإسلامية المتطرفة، لازالت موجودة إلى حد الساعة، وبالتالي العملية العسكرية حتى وإن كانت خاطفة، لن تحل المشكلة، وكما لاحظنا هناك تريث من قبل فرنسا وكذا المجتمع الدولي بخصوص التدخل العسكري، لأن الكل يريد ضمان العملية العسكرية، بالمقابل لا يمكن القضاء على جماعات إرهابية متحركة ولها معرفة بالجغرافية وتضاريس المنطقة بعمل عسكري من قبل قوات إفريقية، هناك إذا خوف من أن لا تنجح العملية العسكرية، أقوى من ذلك هناك خوف من أن تؤدي إلى نتائج عكسية. ● فرضية التحول إلى أفغانستان ثانية قائمة أيضا؟ ❍ هناك خصوصية لمنطقة الساحل تختلف عن الوضع في أفغانستان، لكن قضية ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وكذا جلب قوات أجنبية حتى وإن كانت إفريقية، يمكن أن تؤدي إلى إعطاء مبرر للعديد من الجماعات الإسلامية المسلحة، بأن تختار منطقة الساحل لتصبح أرض جديدة للجهاد، أي أنها تجد مبرر لما تسميه بمحاربة العدو المغتصب المغتصب الصليبي، ثم إن المنطقة شاسعة، ولا يمكن لأي دولة أن تبسط سيطرتها ونفوذها عليها، وبالتالي أعتقد أنه وبالإضافة إلى هشاشة بعض الدول الإقليمية كالنيجر والصومال ومالي، هذه العوامل الثلاثة يمكنها أن تساعد وتحول الساحل إلى أفغانستان جديدة. ● كيف تنظرون للتجربة المغربية في الإصلاح في ظل الربيع العربي؟ ❍ هناك خصوصيات لكل دولة، عملية الانتقال الديمقراطي تتأقلم حسب ظروف كل دولة، المغرب له خصوصيته، وفي العلوم السياسية نجاح الانتقال الديمقراطي يحتاج إلى مؤسسات قارة، فالدستور هو أهم مؤسسة، ولابد من مؤسسات أخرى تكون هي قاطرة الانتقال الديمقراطي، والمغرب من خلال الإصلاحات التي تم إدخالها، انتهج مقاربة جديدة في العلوم السياسية وحتى في المنطقة العربية، وإلى حد الآن النتائج إيجابية، هناك أولا الاستقرار وهو شيء مهم، وهناك انتقال سلس للسلطة، وتم إشراك الحركات الإسلامية التي كانت قوية في المعارضة في التدبير الاقتصادي والسياسي والإداري للحكم في الدولة، وأعتقد أنه بعد إدراكها للواقع الاقتصادي سيصبح خطابها أكثر واقعية. ● رددتم كثيرا مقولة «المشاركة أحسن من الاستبعاد»، هل تأكدت لديكم الآن؟ ❍ أنا دائما كنت أعتقد، ومن أنصار المشاركة أحسن من الاستبعاد، وجدلية الاستبعاد والمشاركة مهمة جدا في العالم العربي، الآن تجاوزناها بعدما وصلت التيارات الإسلامية للسلطة عن طريق الانتخابات، لكن نحن بحاجة إلى التوافق، وما يمكن أن نسميه بمنهجية التفاوض، الانتقال الديمقراطي هو تفاوض وليس استبعاد أو استحواذ على السلطة، الحركات الإسلامية عليها أن تنتبه لعملية التفاوض السياسي، وعليها أن تشرك الأحزاب السياسية الأخرى حتى لو لم تفز في الانتخابات، لأنه في النهاية هذا هو السبيل لضمان استقرار البلد، ونتمنى أن تصل الحركات الإسلامية لهذه القناعة، فهي عانت من الاستبعاد والإقصاء، وإن سلكت نفس الطريق سيكون ذلك عامل فشل للعملية الانتقالية. ● لماذا لم تستفد دول المغرب العربي من رياح الربيع العربي في اتجاه تحقيق الوحدة المغاربية المنشودة؟ ❍ هي لم تستفد، لكن أعتقد أن القضية تحتاج إلى المزيد من المخاضات السياسية والاقتصادية، للأسف مطلب المغرب العربي بقي مطلبا يخص القادة السياسيون، العرب خُذلوا بخلافات مصطنعة، وبخلافات لا يمكن أن تشكل عائقا موضوعيا نحو حلم الوحدة المغاربية، لماذا آباؤنا وأجدادنا أثناء الفترة الاستعمارية كانوا تقدميون في حلمهم بالوحدة العربية، لماذا لا نعمل بالقاعدة المذهبية «لنعمل في ما اتفقنا عليه ونترك ما اختلفنا عليه»، لماذا مثلا قضية الحدود تعيق حركة تبادل كبيرة بين الجامعيين والصحفيين وتعيق الاستثمار المشتركة، وتضيع علينا استثمارات ضخمة وأموال هائلة، للأسف نحن ننتظر قرار الوحدة المغربية من فوق، أنا أتمنى أن يكون المواطن المغاربي هو المبادر إلى المطالبة بالوحدة المغاربية. ● بلغة الربح والخسارة، من المستفيد من الوضغ غير الطبيعي بين الشقيقتين المغرب والجزائر؟ ❍ أنا لا أحب نظرية المؤامرة، لكنا هناك نظرية المؤامرة قائمة وموجودة، الدول الغربية خاصة المصدرة للسلاح، لا تريد أن يكون اندماج اقتصادي في المنطقة، لو سخرنا ميزانياتنا المخصصة للدفاع من أجل التعليم والصحة والبنى التحتية، لوصلنا إلى وضع اقتصادي متقدم جدا، فالدول الغربية المصدرة أساسا للسلاح هي المستفيد الأساسي من تعثر الاندماج الاقتصادي لدول المغرب العربي. والمغرب العربي لا يحتاج إلى وساطات أجنبية في اتجاه تحقيق الحلم المغاربي، هناك مما يكفي من الرجال والحكماء في المنطقة المغاربية، فقط الذي ينقص هي المبادرة، واعتقد أنه لا يجب أن ننتظر الطبقة السياسية لاتخاذ المبادرة، فهي لها حساباتها الخاصة، اتحاد المغرب العربي هو أولوية ولا يتنافى مع خصوصيات كل دولة على حدة. ● كيف تقيم أداء أنظمة الحكم الجديدة في أكثر من قطر عربي بعد رياح الربيع العربي؟ ❍ أولا من الناحية الموضوعية والعلمية، الفترة الزمنية قصيرة جدا من أجل الحكم على أداء الحركات الإسلامية التي تقلدت الحكم، في عدد من الدول بعد الربيع العربي، وحتى على عملية الانتقال، فنحن فقط في بداية عملية الانتقال الديمقراطي، لكن يمكن القول بأن الحركات الإسلامية نجحت نجاحا كبيرا في الوصول إلى السلطة، نظرا أولا لجاهزيتها ولعدم جاهزية الأطراف الأخرى، ثم نظرا لخبرتها الطويلة جدا في مجال المعارضة، وبالتالي اكتسبت خبرة ولديها عذرية سياسية على أساس أنها لم تجرب في السلطة، وبالتالي استطاعت أن تساهم في الحكم، لكن بعض الاختيارات التي قامت بها بعض الحركات الإسلامية سواء في تونس أو حتى في مصر لم تكن صائبة، وإن كنت أعتقد أنه في مصر الصورة لم تكتمل بعد، أعتقد أن لا يجب إبعاد الإطارات السابقة، ومن الخطأ الاعتقاد أن إدارة العملية الانتقالية بحاجة لإطارات جديدة للتدبير السياسي والإداري للحكم، هناك دول في أوروبا الشرقية تغيرت بها الأنظمة، وجاءت حركات جديدة لتحكم، لكنها لم تبعد الإطارات السابقة عن الحكم، لأن الإطار السابق ليس بالضرورة مسيس، والحركات الإسلامية نراها الآن تفتقر إلى الإطارات القادرة على تسيير البلاد، المواطن يريد حياة كريمة ويريد شغل وأمان، وبالتالي الخطاب السياسي لا يمكن أن يشبع البطون الجائعة، ولا يمكن أن يضمن الأمن والصرامة الغائبتين في بعض الدول التي عرفت التحول الديمقراطي. ● حجم التحديات كبير جدا، ما المطلوب في نظركم لتحقيق الحد الأدنى من الحاجيات للشعوب العربية؟ ❍ حقيقة هناك تخوف، فباستثناء ليبيا، الانتقال الديمقراطي وقع في دول تعاني من أزمة اقتصادية قوية جدا واقتصادها مرتبط بشكل كبير باقتصاد أوروبا، وهنا أقول أن أوروبا والعالم الغربي، ساعد بشكل كبير دول الربيع العربي عندما كانت سلطوية، باستثمارات مباشرة وغير مباشرة وبقروض متنوعة، واليوم الدول الغربية بعد الربيع العربي لازالت متحفظة، وتقول لننتظر بعد كتابة الدستور، وهذا في اعتقادي خطأ، فهو أخذ موقفا مسبقا من الحركات الإسلامية التي نجحت في الانتخابات، وهذه الحركات هي الآن في بداية تجربتها السياسية لإدارة الحكم، فالدول الغربية ليس من واجبها فقط المساعدة الاقتصادية لدول الربيع العربي، ونسجل أنها حاليا غائبة عن مساعدة العجل الاقتصادية للأنظمة الجديدة.