أجمع مفكرون استضافهم المنتدى المغربي للوسطية، مساء الخميس الماضي بالرباط، أن الأمة العربية تعيش وضعا استثنائيا اليوم، بعد ربيع عربي، اعتبره البعض، «صحوة ديمقراطية عربية»، وتناول المتدخلون، في الندوة التي احتضنتها قاعة المهدي بنبركة، «واقع الأمة العربية الآن»، بعد ربيع ديمقراطي عربي، شهده أكثر من قطر عربي خلال السنة الماضية، ليتوقفوا عند «الخلاصات»، و»الحال والمآل»، و»التحديات المطروحة»، أمام الحركات الإسلامية، «المستفيد الأكبر من جني ثمار الربيع الديمقراطي العربي»، حسب قولهم. الندوة الفكرية، استضافت كل من الإمام الصادق المهدي، رئيس المكتب التنفيذي للمنتدى العالمي للوسطية، ورئيس حزب الأمة السوداني المعارض، والأردني مروان الفاعوري، الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية، والمحامي المصري منتصر الزيات،الناطق الإعلامي للمنتدى العالمي للوسطية، والأستاذ محمد الخطيب، الأمين المالي للمنتدى، وأخيرا، محمد الطلابي، رئيس المنتدى المغربي للوسطية، وعضو المكتب التنفيذي للمنتدى العالمي للوسطية. «التجديد» تقدم لكم تفاصيل الندوة الفكرية، وأهم القضايا التي أثيرت خلال النقاش. الصادق المهدي (رئيس المكتب التنفيذي للمنتدى العالمي للوسطية):أفضل الحديث عن صحوة عربية ديمقراطية لأن الربيع قصير الزمن رفض الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان سابقا، ورئيس المكتب التنفيذي للمنتدى العالمي للوسطية، والرئيس الحال لحزب الأمة السوداني المعارض، التحدث عن الربيع العربي، واعتبره «قصيرا وسينتهي، بينما نتحدث عن ظاهرة سوف تستدام، ولها جذورها العميقة في التطلعات المدنية، وبالتالي فالتعبير الأصح، هو الصحوة الديمقراطية العربية»، ويرى الصادق المهدي، أن كثيرا من الناس كانوا يتحدثون عن الاستثنائية العربية، كأنما الحالة العربية تساوي الطغيان، ولكن، يضيف المتحدث، «منذ حين بدأت التحركات تدل على أن هذا سوف يتغير، ففي عام 2002 صدر تقرير عن الأمم المتحدث، يتحدث عن أوضاعنا الاستثنائية العربية، وفي 2008 كان لفيف منا نحن أعضاء نادي مدريد، الذي يجمع رؤساء حكومات دول سابقين في البحر الميت، وأصدرنا نداء البحر الميت، بعد ذلك طفنا بالبلدان العربية، وظهر لنا أن هناك استقطابا بين الحكام والشعوب وممثلي هؤلاء الشعوب، وكان هناك حالة احتقان، هناك مظالم مشتركة في معظم الدول العربية، هناك ظاهرة أخرى تكاد تكون مشتركة، وهناك تطلعات الشعوب لحكم يقوم على المشاركة والمسائلة وتأصيل للتجربة الحديثة، توفق بين التأصيل والتحديث، واقتصاد منتج يكفل المعيشة، وعدالة اجتماعية توزع عائدها على أساس صحيح، وعلاقات ندية مع الآخر وسلام عادل»، ويجزم الصادق المهدي بأن «التحررات التي حدثت دلت لأول مرة عن وجود وجدان مشترك». من جهة أخرى، يذهب رئيس الوزراء السابق للسودان، إلى أن إقدام الشهيد البوعزيزي على إحراق ذاته، كانت هي انطلاقة الانتفاضة والشرارة، لكها لم تكن لتؤدي إلى ما أدت إليه، لولا المناخ المعد لمثل هذا التجاوب، لتنقل الموجة إلى مصر ثم ليبيا وسوريا، ففي كل هذه الدول المشكلة واحدة والعلة واحدة، صحيح اختفت ردود الفعل لعوامل داخلة وخارجية، فأول الاختلافات بين تونس ومصر، هو غياب عنصر المفاجئة». الصادق المهدي، وقف عند التجربة التونسية، ويرى أنها «كانت الأكثر سلاسة، لوجود قيادة تونسية استطاعت أن تقود هذا التغيير»، أما في مصر، يؤكد الصادق المهدي، أن «هناك اختلاف يكمن في وجود تناقضات بين قوى الثورة والمجلس العسكري والانفجارات المطلبية التي صاحبت الثورة، وجمهور التمكين الإسلامي الذي عبر عن نفسه، وهو ما أسفر عن وجود مخاوف لدى الرأي العام نتيجة آثار هذه التناقضات»، وقال الصادق المهدي مسترسلا، «هذه الأمور صحيح أنها أدت وستؤدي إلى العرقلة، لكنها لن تغير من حقيقة أن التحول الديمقراطي آت بصورة حاسمة». يحاول الصادق المهدي، رئيس المكتب التنفيذي لمنتدى الوسطية، أن يقدم تشخيصا لواقع الثورات العربية، ويعتقد أن هناك مشاكل واجهت وستواجه الثورات الناعمة، يضيف المتحدث، «باستثناء ما حدث في تونس، لاحظنا أن هناك غياب القيادة الموحدة، وغياب البرنامج المحدد، استعجال النتائج، فكل الناس بعد التغيير، يريدون القضاء على البطالة، توفير المعيشة، ويستعجلون معالجة الاحتقانات بسرعة، ولا ينتظرون، كما أن هناك ثورة مضادة، تحاول فيها العناصر المقاومة للتغيير، أن تحمل الثورة مسؤولية الفوضى والاضطرابات، كما أن هناك بالمقابل ثورة مضادة خارجية، تحاول أن تحسم هذه الظاهرة حتى لا تنتشر».ويحمل الصادق المهدي المسؤولية للمفكرين والقادة، أولها، مسؤولية فكرية، ويتساءل، ماذا يعني التحول الديمقراطي؟، ماذا تعني المرجعية الإسلامية؟، ماذا يعني الاقتصاد الحر؟، ماذا تعني الحركات الخارجية القائمة على الندية؟، فكل هذه الأسئلة مشروعة، يقول الصادق المهدي، «يجب البحث عن أجوبة لها، في الوقت الذي توجد فيه دول كثيرة لم تقع فيها التحولات، وهناك مخاوف من أن تقوم بعض هذه الدول بدور الاحتواء، وبالتالي لابد من الاستجابة لطلعات الشعوب، لكي يحدث التغيير الحقيقي، وإذا حدث هذا فسيؤدي إلى نهضة وطنية شاملة، ويؤدي إلى نهضة كونية، تحتوي التطلع الوطني في إطار قومي أوسع، وستحدث الوحدة الإسلامية في إطار أوسع، وهذا جزء من أشواق الشعوب»، ويعتقد الصادق المهدي في الأخير، أن «هذه الأشواق ستجد تلبية لها، لأنها تستجيب لمطالب موضوعية، إذا كنا استطعنا أن ننجح في هذا سنوفق بين الواجب والواقع، وهذه هي المآلات التي نتطلع إليها». امحمد طلابي (رئيس المنتدى المغربي للوسطية): الربيع العربي بداية تراجع ما يسمى بالتهديدات الكبرى لنهضة أمة قدم الأستاذ محمد طلابي، رئيس المنتدى المغربي للوسطية، خلاصات لما سماه بالثورة العربية الديمقراطية، واعتبر في البداية أن هناك حاجة لتعريف هذه الثورة، حيث يرى أنها «إنتاج وإعادة توزيع السلطة، وإنتاج وإعادة توزيع الثروة، وإنتاج وإعادة توزيع القيم، وإعادة توزيع الكرامة»، وبالتالي يخلص إلى أنها لن «تتحقق في سنة أو سنتين، بل تتطلب سنين وربما عقود، لكي تستقر كمسار نهائي في بلد ما». أولى الخلاصات التي سجلها الطلابي، هو «التحول العميق في أسلوب التدافع في الوطن العربي»، ويقول، «وهذا من القضايا التي يقع فيها تحول نوعي، في ما يسمى بالربيع الديمقراطي العربي»، ويضيف، «هناك مكونات أساسية للآدمية، قوة العزة وقوة العقل، وقوة الشهوة، وقد يستمر الظلم لسنين أو عقود، ولن تتحرك الشعوب إلا حينما يتوفر شرط أساسي، وهو أن تتحول قيادة الآدمي من قوة الشهوة إلى قوة العزة، ففي لحظات المنعطفات التاريخية الكبرى، تعود القيادة لقوة العزة بدل قوة الشهوة، فينتفض الإنسان من أجل تحقيق الكرامة، فينتهي الإقدام بتحقيق العزة والكرامة ولو على حساب الحياة، فما يحدث اليوم في أكثر من قطر عربي، هو انتصار لقوة العزة على قوة الشهوة، مما أسفر عن انهيار جبهة الخوف». ويرى الطلابي أن «الجيل الأول من التدافع انتهى الآن، وهو الذي يشغل الرأس المسلح في المواجهة ضد الطغاة والطغيان الداخلي، لكنه صالح في مواجهة غزاة الخارج، لذا نحن تحولنا من الجيل الأول في المقاومة إلى الجيل الثاني وهو الرأس المدني، أي ما يسمى بالثورات السلمية، التي هي أيضا روحا استشهادية، فهو استشهاد بالرأس المدني، وهو ما يعني انهيار للقاعدة وللتيارات التي تستخدم العنف منهجا في التغيير». ومن الخلاصات التي تحدث عنها الطلابي، ووصفها بالعميقة، ،هي «أنه منذ الآن سنعتمد الثورة السلمية المدنية والتدافع السلمي لإصلاح بنياننا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو تحول عميق»، أما ثاني خلاصات المتحدث، فهي «بداية تراجع ما يسمى بالتهديدات الكبرى لنهضة أمة العروبة والإسلام»، حيث يقول أن أربع أشياء كانت تهدد الأمة قبل الربيع العربي، وهي الغزاة الطغاة الغلاة والشتات، أما الآن فمفهوم القوة الغربية لم يعد كما كان، «الغزاة اليوم في انكماش أمام إرادة الشعوب»، وهو ما يشكل «بداية تراجع نفوذ الغرب»، وبالتالي «بداية انكماش الغزاة هي فرصة مهمة أمامنا، حيث نشهد تحول من التهديد إلى فرصة»، ويذهب الطلابي إلى أن «من الثمار الأولى أيضا للربيع العربي، بداية انكماش الطغاة، فالاستبداد السياسي في وطننا العربي بدأ ينهار الآن، وهذه سنة تاريخية، لن تجد تبديلا ولا تغيرا». وثالث الخلاصات، «بداية تراجع قوة الغلاة، سواء كانوا إسلاميون أم علمانيون، وأحسن مثال ما يحدث في مصر، إذ وبعد أن كان التيار السلفي يعتبر الديمقراطية كفر، والحزب كفر والتظاهر والإضراب العام كفر، الآن التيار السلفي في مصر يؤمن بالديمقراطية على الأقل من الناحية الواقعية، بمعنى آمن بمنتجات ما يسمى بالحداثة في البعد السياسي، وهذا رشد سياسي عند الغلاة من القيادات الإسلامية، كما أن التيار العلماني الاستئصالي انهار الآن، ولا يمكنه أن يدعو إلى اجتثاث التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وما عليه الآن إلا أن يتعايش مع التيارات الإسلامية إن لم يكن قادرا على التوالد». الطلابي توقف أيضا عند الخلاصات الكبرى، «ذات البعد الحضاري»، وهي «بداية تصالح الحداثة مع الإسلام، وبداية تصالح المسلمين مع الحداثة»، يضيف قائلا، «فالبعد السياسي للحداثة هو الديمقراطية، وبعدها الاقتصادي هو الرأسمالية، وبعدها التنظيمي هو العلمانية، وبعدها الفكري هو العقلانية، وبعدها الإحتماعي هو الفردانية، وبعدها النفسي هو الشهوانية، فعلى الأقل في البعد العقلاني والديمقراطي بدأ التصالح بين المسلمين والحداثة الغربية، كما أن الغرب بدأ يتصالح مع الإسلام، حينما قبل بوصول الإسلاميين إلى السلطة، بل قبل التحاور معهم، وهو تحول كبير في العلاقة الصدامية بين الإسلام والغرب، ويتجه نحو إمكانية بناء علاقة التوالد والتعايش بين الإسلام والحداثة الغربية». ليشدد الطلابي في النهاية، على أهم تحدي في تقديره، وهو «هو بناء الدولة المعبرة عن الثورة الديمقراطية، وتحديد طبيعة الدولة التي سنصيغها من جديد بعد الربيع الديمقراطي»، وأضاف، «وهذا أهم تحدي أما الإسلاميين والعلمانيين الديمقراطيين، ففي التاريخ ظهرت أربع أشكال للدولة، الدولة الدينية والدولة العلمانية والدولة المدنية والدولة الإسلامية، الآن ما المطلوب، في اعتقادي الدولة الدينية مرفوضة، لأن ذلك يعني إلحاق السياسة بالقداسة، وفي الدولة العلمانية فصل الدين عن السياسة، وهي قاتلة تصلح في الغرب ولا تصلح في دولنا، والبديل الآن هو الدولة المدنية، وهي ليست الدولة العلمانية، بل هي شكل آخر، وهو فصل السياسة عن القداسة، بمعنى لا قدسية لأي برنامج سياسي سواء أصدره مفتي أو عالم أو حزب إسلامي، وحتى وإن كان دليله من الوحي، لأنه اجتهاد فقط، وبالتالي لا يمكن أن نصبغه صبغة قدسية، فإن استطعنا أن نبني الدولة المدنية، يمكن أن نقول آنذاك أننا انتقلنا من عصر الصحوة إلى عصر النهضة، وأنا أبشر وأقول، لقد بدأنا ننتقل من عصر الصحوة إلى عصر النهضة، من بناء الإيمان إلى بناء العمران، وهذا يتطلب ثلاث عوامل كبرى يجب صيانة ما تحقق منها، وما لم يتحقق يجب أن نسعى لتحقيقه»، أول هذه العوامل حسب الطلابي، هي «تعميق الصحوة الدينية»، ثانيها «تعميق الصحوة الديمقراطية الجارية»، وأخيرا «بناء الدولة العابرة للأقطار»، بمعنى، يضيف المتحدث، «أن المغرب لا يمكنه لوحده حتى لو حقق الديمقراطية والصحوة، أن ينهض لوحده، فكتلته الدموغرافية أو الجغرافية لا تسمح له بذلك، والمطلوب هو التكتلات الجهوية». مروان الفاعوري (الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية):المغرب يعيش نسقا رائعا في التراضي الوطني وفي الإنجاز التراكمي «المغرب يعيش نسقا رائعا في التراضي الوطني وفي الإنجاز الديمقراطي الكبير، الذي كان مثلا يحتدى في العالم كله، فنقتدي به في الأردن، وندعو الجميع إلى أن يسلك هذا السبيل السلمي في تحقيق الإنجاز التراكمي، والاتساق مع الثورة العربية الكبرى، التي تتجه نحو الحرية ونحو الديمقراطية، ونحو استعادة الكرامة الوطنية والتصالح مع الدين، الذي قطع معه حكام مستبدون جهلة، وحاولوا أن يعتبروا هذا الدين فزاعة يستقوون بها بالأجنبي»، هكذا يرى المهندس الأردني مروان الفاعوري، الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية، الاستثناء المغربي، ويؤكد أن الأنظمة الملكية كانت أكثر ذكاء في التعامل مع الثورة العربية من حيث الاستجابة، ويضيف، «كان رد فعلها متسما بالحكمة، مقابل الأنظمة الجمهورية التي اتسمت بالغباء والاحتيال، لأنها جاءت تحت شعار التداول على السلطة، وتحت شعار التغيير، وتحت شعار مقاومة الرجعية والاستعمار، ولكنها رهنت مقدرات هذه الأمة، ونهبت ثرواتها». وفي نفس السياق يذهب الفاعوري إلى أن «هذا التحول الذي يجري في العالم العربي، من المبكر أن يعتبر ثورة مكتمل ناجحة، لأن هذه التحولات السياسية التي تجر ي، لم تكن لتجري لولا موافقة كثير من المؤسسات السيادية، وخاصة الجيش والأجهزة الأمنية، كما حدث في تونس أو مصر، وما تمنع التحول في سوريا أو في اليمن، إلا لأن هذه المؤسسات حتى هذه اللحظة لم تتخذ قرارها، ولأن الانتقال السلمي للسلطة بالنسبة لهذه الزمر الحاكمة، يعني أن يتغير شخص الرئيس ويبقى النظام، وكلما اقتربنا أكثر من دائرة الصراع بالمنطقة، كلما أصبح وضع القضية الفلسطينية معقدا صعبا وشائكا». ما يجري، حسب المتحدث، «يؤكد أن الخطاب الناعم هو الخطاب المجدي، وأن الخطاب العنيف قد أثبت فشله، فلن تستجب الشعوب لخطاب القاعدة، وإنما استجابت إلى تحرك شعبي لم تجري وفق وسائل مألوفة، كما حصل في الثورة الشيوعية أو الإيرانية، من خلال قيادة حزبية أو قيادة كارزماتية، وإنما كان هذا التحول عبر حركات اجتماعية شبابية استثمرت الوسائل الإلكترونية»، وأظهر الربيع العربي حسب المتحدث، «أن الأنظمة العربية هي أضعف بكثير مما كانت تبدو عليه، وأن قدرتها على التماسك والبقاء، محدودة أمام إرادة الجماهير، خاصة إذا تخلى السادة الكبار عنها، فتحالف الشيطان القوي كان سريع السقوط، وكانت تصدر الإشارات من العواصم الكبرى، هذا التحول وهذه الثورة أعطت نموذجا جديدا وحديثا، وأكدت أن هذه الجماهير تريد استعادت كرامتها المسفوكة المذبوحة». تحديات كبيرة تواجه الثورات العربية، يؤكد مروان الفاعوري، منها «أن المنطقة العربية مرشحة أن تدخل في حالة من عدم الاستقرار والفوضى نتيجة هذه التحولات»،ويرى أنه «غالبا ما تقود الثورات إلى ثورة مضادة، والقوى المتضررة من الإصلاح ومن التحول، داخل وخارج العالم العربي، تسعى إلى إحداث صراعات، تؤدي إلى سيناريوهات تحرف الثورة عن مسارها، وتفوت اللحظة التاريخية على الأمة»، تحولات يرى المتحدث أنها «تفتح الآفاق لبناء دولة عربية مدنية، إن تحقق النجاح في الدفع بالنشاط المعرفي، والاستفادة من الإمكانات الاقتصادية لدى كافة الدول العربية، لمواجهة التحدي الاقتصادي»، زمن التحديات أيضا التي يقف عليها المتحدث، هناك «تحدي الاندماج والمصالحة بين التيارات الإسلامية»، وبالتالي فهو يرى أن على الإسلاميين الذين كسبوا الجولة، أن يكونوا أكثر سعة وأكثر تسامحا، وأكثر مبادرة اتجاه كافة التيارات الإسلامية، بوضع أيديهم في أيدي الآخرين، لبناء الأوطان، وأن يبتعدوا عن الإقصاء الذي عانوا منه كثيرا، وأن لا يختزلوا تطبيق الشريعة من خلال الحديث عن الحدود وتطبيق الشريعة، يضيف الفاعوري، «لأن هذا يمكن أن يشكل فزاعة كبيرة تخيف الآخرين، ثم لا بد أن نواجه تحدي أكبر، وهو الاستقطاب الحاد والصراع مع التيارات العلمانية التي خسرت الجولة من خلال الانتخابات، فالجماهير العربية أعطت صوتها للإسلاميين، وأعطت صوتها لهؤلاء المظلومين، الذين دفعوا فاتورة كبيرة خلال العقود الماضية، وبالتالي، لابد أن يقبل العلمانيون بقواعد اللعبة وتداول السلطة، وأن لا يحاولوا أن يقلبوا الطاولة». ليخلص المتحدث إلى أن «الأفق واعدا، إذا توفرت الأجوبة عن التحديات المطروحة، لبناء المشروع الحضاري العربي، وليفتخر كل واحد ويقول، أنا عربي، فإذا كان القرن الثامن عشر، قرن الثورة الفرنسية، والعشرون قرن الثورة الصينية والروسية، فإن القرن الواحد والعشرون سيقول عنه المؤرخون، قرن ثورة العرب بإذن الله». محمد الخطيب (أمين مال المنتدى العالمي للوسطية):على الحركات الإسلامية أن تثبت أنها قادرة على بناء الدولة الحديثة يرى محمد الخطيب، أمين مال المنتدى العالمي للوسطية، أن هنا مآلات ونتائج للثورات العربية، أولها أن «الحركات الإسلامية هي التي نجحت في جني ثمار الربيع العربي، وهي الآن في مرحلة امتحان صعب، فهي نجحت في الصندوق ولا بد لها أن تثبت أنها قادرة بناء الدولة الحديثة، كما كانت قادرة في المعارضة والدعوة»، ثاني النتائج حسب المتحدث، هي أن «الأمة نالت حريتها من جديد، وهذا سيمنع الظلم والاستبداد، ويجب أن يفهم هذا جيدا كل من سيتقلد الحكم في العالم العربي»، ثم ثالثا، «استمرار المد الثوري الذي سيأتي إلى كافة الدول العربية»، بالمقابل، عبر الخطيب عن تخوفه من أمور أخرى، منها أن هناك «تخوف في الوقت الحاضر، في العالم العربي، من أن نصل إلى مرحلة من التقسيم الطائفي أو غير الطائفي، وعليه يجب أن نكون واعين بخطورة الانزلاق الذي يريده الغرب وتريده إسرائيل»، ويضيف المتحدث، «لهذا أعتقد أننا نحن في العالم العربي في بداية طيبة جيدة، وننتظر أن ننال الثمار قريبا من خلال بناء دول حديثة تقوم على أساس الحرية والعدالة». ويقدم الخطيب تفسيرات لأسباب وقوع الثورات العربية، منها أن «الذي جعل الإنسان العربي يكسر حاجز الخوف، ويثور على الأنظمة الظالمة المستبدة، أهمها تفشي الاستبداد والظلم، الذي طغى على البلاد والعباد»، ويعتقد المتحدث، أنه «لم يكن هناك وجود لدول طاغية في العالم بأسره، كما كانت موجودة في عدد من بلدان العالم العربي، فكلما كثر الضغط أدى ذلك للانفجار»، ويعتبر الخطيب أن تفشي الفساد السياسي والمالي، أدى أيضا إلى تحالف السياسة والمال»، يضيف، «وهو ما أسفر عن كثير من الأمور نراها في مجتمعاتنا، ونجم عنه وجود طبقتين في مجتمعاتنا العربية، الأولى فقيرة وهي الأقلية، والأخرى تملك كل شيء ولا تريد أن تعطي شيء، وهذا أدى إلى تخلف اقتصادي»، ثالث الأسباب حسب المتحدث نفسه، هي أن «الإنسان العربي لم يشعر إطلاقا بالاستقلال، فالاستقلال الحقيقي لم يتحقق، والمستعمرون للعالم العربي تركوا خدامهم بعدما غادروا الدول العربية المستعمرة، وهو ما جعل المواطن العربي يشعر بأنه لازال مستعمرا من طرف العالم الغربي»، إذ كانت عدد «من الأنظمة العربية تتبنى الديمقراطية، لكنها كانت شكلية هشة بعيدة كل البعد عن جوهر الديمقراطية». وفي سيقا متصل، يرى الناشط السياسي الأردني المعارض، أن حال العالم العربي في عصر الربيع العربي، هو «كسر حالة الخوف الشديد من الظلم الذي عاشه العالم العربي على مدى خمسين سنة، فكل حاكم عربي يجب أن يعي جيدا أن الظلم والاستبداد انتهى زمانه الآن، ومن جهة أخرى، يمكن أن نقول أن حالة العالم العربي تختلف من بلد إلى آخر، لكن حالة الثورات تتمثل في بروز المد الإسلامي في كافة الدول التي حدثت فيها الثورات، وهذا يدل على أمرين اثنين، أولها أن الإنسان العربي متدين في طبعه، وهو يريد الحاكم ومنهجه، ثانيا، سقوط خطاب العنف، لان أغلب الثورات ابتدأت سلمية، بالرغم من ما شابها من أحداث، وهذا يعني أن خطاب العنف والإرهاب سقط». منتصر الزيات (المحامي المصري والناطق الإعلامي باسم المنتدى العالمي للوسطية):من أهم تحديات الحركة الإسلامية الحاكمة تحديد مبادئ فهم علاقة الإسلام بالدولة يرى منتصر الزيات، المحامي المصري، والناطق الإعلامي باسم المنتدى العالمي للوسطية، أن هناك حاجة إلى تجاوز المرحلة الانتقالية بسلام، ويؤكد أن «الوضع في المغرب مختلف، حيث جرى الإقرار بملكية دستورية، وكانت استجابة القيادة سريعة لمطالب الإصلاح المجتمعي»، ويتوقف المتحدث عند الحالة المصرية، ويجزم بأن «الثورة استطاعت أن تقتلع رأس النظام، لكن مصر لازالت تراوح مكانها، ولم تستطع أن تقيم قواعد مجتمع ديمقراطي حديث، وأن بقايا النظام لازالت تعرقل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة»، ليخلص غلى أن هذا هو جوهر التحدي، المتمثل في استكمال الثورة تحقيق أهدافها، بسبب ما سماه «تربص القوى الدولية والإقليمية بمصر، التي لا يسرها كثيرا أن تتحول الدول العربية إلى مجتمعات ديمقراطية، لأن ذلك يتصادم مع مصالحها». وفي نفس السياق، يشدد منتصر الزيات، على أنه «لا بديل عن إجراء حوار مجتمعي حقيقي، للتوافق حول خصائص الدولة الحديثة، وتحقيق المصالحة الوطنية»، مؤكدا أن التوافق «لابد أن يكون حقيقيا بين كل القوى التيارات»، وقال، «نحن مطالبين أكثر كإسلاميين، أن نكرس هذه القناعات داخل الأجيال الجديدة القادة، أن نقبل فكرة التعددية، ويجب أن نستفيد من مناخات الحرية، لأنهم يعبروا عن آراءهم ومعتقداتهم بصورة سلمية، فعليهم أن يوفروا الحرية للآخرين، لأنها ليست احتكار، فالإسلاميون أيضا عانوا من الاستبداد كثيرا، فينبغي أن تكون العلاقة بين كل التيارات متكافئة، عل قاعدة المساواة والحقوق الواجبات». ومن التحديات التي يذكرها الزيات، «تحديد المبادئ الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة»، حيث يرى أن «رحاب الدعوة واسعة، لكن تصرفات الدولة مسؤولة، و نحن في مرحلة انتقالية دقيقة جدا، نحتاج فيها تعميق هذه المفاهيم، فالدولة المواطنة فيها للجميع، الحقوق والواجبات فيها لجميع المواطنين». ومن أهم الأولويات التي يسجلها الزيات، وبالنظر إلى أن الحركة الإسلامية المستفيد الأكبر من الربيع العربي، فإن «تناغمها وتفاعلها مع الشعوب، يضع الحركات الإسلامية، في اختبار حقيقي»، يضيف المتحدث، «إما أن نقدم للناس مشروعا نهضويا يقدم للناس الخدمة، ويترجم آمالهم ويعمل على تخفيف آلامهم، وإما أن تضاف التجربة إلى لعنات تلحق بالمشروع الإسلامي، كلما ذكرت السودان مثلا أو طالبان»، ومن الأولويات أيضا، «تحقيق العدالة الاجتماعية، وتخفيف الأعباء الاقتصادية، وتوجيه الدعم للطبقات الفقيرة والمهمشة، وتوفير حياة كريمة للمواطنين، وتحقيق التنمية ورفع الأجور للمواطنين، الذين ليسوا بحاجة إلى الشعارات، بل في حاجة إلى إجراءات مستعجلة، والمطلوب أيضا أن نحافظ على الهوية الإسلامية، وأن يكون تحركنا من خلال فهم الإسلام كحضارة، ثم إعادة الاعتبار للحريات المسلوبة، ومنها حرية الإعلام».